ارشيف من :111متفرقات
ظروف المنطقة وفرص التسوية: لعبة ضمانات أم تسويف جديدة
مصطفى الحاج علي
يتقاسم المنطقة في هذه المرحلة مجموعة مشاهد لكل منها سياقه الخاص، إلا أنها تعكس في نفس الوقت واقع هذه المنطقة، والاختبارات التي تقع تحت وطأتها، والتي لا يمكن عزل لبنان وما ستؤول الأمور اليه فيه، هذه المشاهد يمكن ايجازها وفق التالي:
أولاً: هناك مشهد التسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ثمة اجماع هنا على أن هذه التسوية دخلت مجدداً في حالة من الموت السريري، ما يعني أن كل النتائج التي كان يراهن عليها من خلال انجاز هذه التسوية قد باءت بالفشل! فلا انجاز ديبلوماسي لإدارة أوباما، ولا إنعاش لمنطق التسوية ومنظومتها العربية، ولا تحقيق منفذ موضوعي يمكن أن يشكل فرصة لتكتيك منظومة عرب التسوية في مواجهة ايران، ومن ضمن تحالف موضوعي مع الكيان الاسرائيلي، ولا ايجاد ظرف سياسي يمكن استغلاله للضغط على دمشق، وعلى محور المقاومة في المنطقة.
ثانياً: هناك المشهد السوداني الذي يسير بسرعة نحو مسار من التفكك على خلفية حركة انفصال جنوب السودان، والاستسلام الفوري لها من قبل حكومة البشير، وانفتاح الواقع السوداني على ديناميات مشاكل واضطرابات سياسية ليس معلوماً الى أين ستقود الأمور، ما يجدر ملاحظته هنا، ان فتح الجغرافيا السياسية على واقع التفكك لعبت فيه الضغوط الاميركية ومن خلال المحكمة الجنائية دوراً مركزياً، واليوم تبعث ادارة أوباما برسائل واضحة تؤكد أن ثمن تجاوب السودان على منح جنوبه حرية الانفصال سيكون تحريره من ضغوط هذه المحكمة وسواها.
ثالثاً: هناك المشهد المصري الذي شكل فيه استحقاق الانتخابات النيابية الأخيرة مناسبة لكشف النظام سياسياً، كما شكل انفجار الاسكندرية مناسبة لكشفه أمنياً، ما أدى الى طرح أسئلة كبيرة على هذا النظام يفترض أن يقدم عليها إجابات سريعة ومن نوعٍ مختلف.
رابعاً: هناك المشهد السعودي الذي كشفت فيه الوعكة الأخيرة للملك عبد الله عن واقع التجاذبات التي تحكم مستقبله بفعل التنافس بين التيارات التي تحكم مراكز القوى فيه في الصراع على السلطة، وعلى التوجهات السياسية للمملكة داخلياً وخارجياً.
خامساً: هناك المشهد العراقي الذي استقر مؤخراً على تسوية داخلية انتجت الحكومة الحالية، هذه التسوية التي جاءت تعبيراً ليس فقط عن تفاهمات داخلية، وانما عن تفاهمات اقليمية واميركية، عكست في خلاصتها التوازنات التي ينحكم اليها الواقع العراقي اليوم.
سادساً: هناك المشهد الخاص بالاشتباك الاميركي ـ الايراني حول الملف النووي كعنوان مباشر، وحول العديد من العناوين الأخرى ـ بطريقة غير مباشرة، واللافت هنا الإشارات الايجابية التي أخذت تحيط بالواقع التفاوضي مؤخراً.
سابعاً: هناك المشهد الافغاني ـ الباكستاني نظراً للتداخل الجيو سياسي بين الجغرافيتين والتهديدات ذات الطابع الاستراتيجي بالنسبة للمصالح الاميركية.
الخلاصة التي نريد تسجيلها من هذا العرض المكثف لصورة المنطقة نوجزها بالاستنتاجات الرئيسية التالية:
ـ ان فشل التسوية كحلقة مركزية في المنطقة، وفي ظل بروز تهديدات استراتيجية كبيرة في أكثر من بلد جنوبي وحساس بالنسبة للولايات المتحدة، فرض عليها اعادة ترتيب اولوياتها بدءاً من المشهد الافغاني ـ الباكستاني بعنوانه المركزي، أي الحركات السلفية وما تسميه واشنطن تحديداً بالإرهاب، ومروراً بمستقبل حلفائها المركزيين في، المنطقة سواء في مصر أم في السعودية نظراً لكون تلك الدولتين تمران اليوم في مرحلة انتقالية دقيقة، ويهم واشنطن ايصال الأمور الى خواتيمها بما يتناسب ومصالحها، ومن دون أن تؤدي الى ايجاد المزيد من الأخطار التي هي في غنى عنها، وليس انتهاءً بالعراق وضرورة انضباط الأمور بما يوفر الأرضية لاستكمال عملية الخروج "المشرف" من أزمته.
ـ ان احتياجات واشنطن الى كل من إيران وسوريا للتصدي للتهديدات الآنفة في غاية الوضوح، كما أن مجمل الأنظمة العربية المركزية محكومة بإعادة النظر في سياساتها تجاه دمشق وايران تحديداً، ونقلها بالتالي من حال التوتر والصدام، الى حال التعايش والمساكنة، نظراً لحاجة كل هذه الدول الى إعادة ترتيب اولوياتها.
ما تقدم يؤكد أن هناك فرصة موضوعية وحقيقية لانجاز تسوية في لبنان، كما يؤكد في نفس الوقت ان اعتبارات التسوية في لبنان تتجاوز الاعتبارات المحلية الى الاعتبارات الاقليمية والدولية. وفي هذا الإطار، يبرز الدور الاميركي المعطل، وهو دور لا يمكن فهمه الا بوصفه زجاً لفريقها في لبنان كورقة تفاوضية، ومن خلال الزج بالمحكمة الدولية، لتوفير أثمان عالية لها، تتجاوز الملف اللبناني الى الملفات التي ما زالت موضع أخذ ورد في المنطقة، هذا مع الإشارة ان المصالح الاسرائيلية دائماً حاضرة في الحسابات الاميركية، وهي في ما يخص التسوية اللبنانية تشمل مجموعة ملفات رئيسية يبقى أبرزها: سلاح المقاومة في لبنان، والملف النووي الايراني في المنطقة.
من هنا لم يكن مفاجئاً، عودة الفريق الاميركي في المنطقة الى ربط انجاز التسوية بموقف من هذا السلاح، الأمر الذي يوضح الدور الحقيقي للمحكمة بما هي سلاح اميركي ـ اسرائيلي يريد انجاز ما عجزت عنه آلة الحرب الاسرائيلية في عدوان 2006، وإذا اعتبرنا أن هذا الهدف لن يعطى لأحد مهما كانت النتائج فلن يبقى إلا البحث عن التسويات في إطارها الممكن، وهذا يعني ضمناً ان الولايات المتحدة لن تحرق ورقة المحكمة والقرار الاتهامي داخل مجلس الأمن، كما أن حزب الله لن يتخلى عن سلاح المقاومة، ولذا فالبحث يتركز على ما دون ذلك، أي البحث عن اخراج لبنان من تداعيات هذا القرار ولعبة المحكمة، وذلك بسحبه من لعبة المحكمة نفسها، وكل ما بعد ذلك يصبح أسهل، وعندما يقر الحريري بأن التسوية منجزة ويحاول ان يرمي كرة تعطيلها في مرمى المعارضة، نجد انفسنا أمام لحظة البحث عن ضمانات، ولعبة الضمانات ليست لعبة كلمات ومواقف معلنة، وإنما تجسيدات تأخذ طريقها الى الواقع، ما هي الضمانات التي يريدها الحريري، وما هي الضمانات التي يريدها الآخرون أيضاً، وهل نحن أمام لعبة ضمانات أم لعبة مطالب وتسويف جديدة؟
يتقاسم المنطقة في هذه المرحلة مجموعة مشاهد لكل منها سياقه الخاص، إلا أنها تعكس في نفس الوقت واقع هذه المنطقة، والاختبارات التي تقع تحت وطأتها، والتي لا يمكن عزل لبنان وما ستؤول الأمور اليه فيه، هذه المشاهد يمكن ايجازها وفق التالي:
أولاً: هناك مشهد التسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ثمة اجماع هنا على أن هذه التسوية دخلت مجدداً في حالة من الموت السريري، ما يعني أن كل النتائج التي كان يراهن عليها من خلال انجاز هذه التسوية قد باءت بالفشل! فلا انجاز ديبلوماسي لإدارة أوباما، ولا إنعاش لمنطق التسوية ومنظومتها العربية، ولا تحقيق منفذ موضوعي يمكن أن يشكل فرصة لتكتيك منظومة عرب التسوية في مواجهة ايران، ومن ضمن تحالف موضوعي مع الكيان الاسرائيلي، ولا ايجاد ظرف سياسي يمكن استغلاله للضغط على دمشق، وعلى محور المقاومة في المنطقة.
ثانياً: هناك المشهد السوداني الذي يسير بسرعة نحو مسار من التفكك على خلفية حركة انفصال جنوب السودان، والاستسلام الفوري لها من قبل حكومة البشير، وانفتاح الواقع السوداني على ديناميات مشاكل واضطرابات سياسية ليس معلوماً الى أين ستقود الأمور، ما يجدر ملاحظته هنا، ان فتح الجغرافيا السياسية على واقع التفكك لعبت فيه الضغوط الاميركية ومن خلال المحكمة الجنائية دوراً مركزياً، واليوم تبعث ادارة أوباما برسائل واضحة تؤكد أن ثمن تجاوب السودان على منح جنوبه حرية الانفصال سيكون تحريره من ضغوط هذه المحكمة وسواها.
ثالثاً: هناك المشهد المصري الذي شكل فيه استحقاق الانتخابات النيابية الأخيرة مناسبة لكشف النظام سياسياً، كما شكل انفجار الاسكندرية مناسبة لكشفه أمنياً، ما أدى الى طرح أسئلة كبيرة على هذا النظام يفترض أن يقدم عليها إجابات سريعة ومن نوعٍ مختلف.
رابعاً: هناك المشهد السعودي الذي كشفت فيه الوعكة الأخيرة للملك عبد الله عن واقع التجاذبات التي تحكم مستقبله بفعل التنافس بين التيارات التي تحكم مراكز القوى فيه في الصراع على السلطة، وعلى التوجهات السياسية للمملكة داخلياً وخارجياً.
خامساً: هناك المشهد العراقي الذي استقر مؤخراً على تسوية داخلية انتجت الحكومة الحالية، هذه التسوية التي جاءت تعبيراً ليس فقط عن تفاهمات داخلية، وانما عن تفاهمات اقليمية واميركية، عكست في خلاصتها التوازنات التي ينحكم اليها الواقع العراقي اليوم.
سادساً: هناك المشهد الخاص بالاشتباك الاميركي ـ الايراني حول الملف النووي كعنوان مباشر، وحول العديد من العناوين الأخرى ـ بطريقة غير مباشرة، واللافت هنا الإشارات الايجابية التي أخذت تحيط بالواقع التفاوضي مؤخراً.
سابعاً: هناك المشهد الافغاني ـ الباكستاني نظراً للتداخل الجيو سياسي بين الجغرافيتين والتهديدات ذات الطابع الاستراتيجي بالنسبة للمصالح الاميركية.
الخلاصة التي نريد تسجيلها من هذا العرض المكثف لصورة المنطقة نوجزها بالاستنتاجات الرئيسية التالية:
ـ ان فشل التسوية كحلقة مركزية في المنطقة، وفي ظل بروز تهديدات استراتيجية كبيرة في أكثر من بلد جنوبي وحساس بالنسبة للولايات المتحدة، فرض عليها اعادة ترتيب اولوياتها بدءاً من المشهد الافغاني ـ الباكستاني بعنوانه المركزي، أي الحركات السلفية وما تسميه واشنطن تحديداً بالإرهاب، ومروراً بمستقبل حلفائها المركزيين في، المنطقة سواء في مصر أم في السعودية نظراً لكون تلك الدولتين تمران اليوم في مرحلة انتقالية دقيقة، ويهم واشنطن ايصال الأمور الى خواتيمها بما يتناسب ومصالحها، ومن دون أن تؤدي الى ايجاد المزيد من الأخطار التي هي في غنى عنها، وليس انتهاءً بالعراق وضرورة انضباط الأمور بما يوفر الأرضية لاستكمال عملية الخروج "المشرف" من أزمته.
ـ ان احتياجات واشنطن الى كل من إيران وسوريا للتصدي للتهديدات الآنفة في غاية الوضوح، كما أن مجمل الأنظمة العربية المركزية محكومة بإعادة النظر في سياساتها تجاه دمشق وايران تحديداً، ونقلها بالتالي من حال التوتر والصدام، الى حال التعايش والمساكنة، نظراً لحاجة كل هذه الدول الى إعادة ترتيب اولوياتها.
ما تقدم يؤكد أن هناك فرصة موضوعية وحقيقية لانجاز تسوية في لبنان، كما يؤكد في نفس الوقت ان اعتبارات التسوية في لبنان تتجاوز الاعتبارات المحلية الى الاعتبارات الاقليمية والدولية. وفي هذا الإطار، يبرز الدور الاميركي المعطل، وهو دور لا يمكن فهمه الا بوصفه زجاً لفريقها في لبنان كورقة تفاوضية، ومن خلال الزج بالمحكمة الدولية، لتوفير أثمان عالية لها، تتجاوز الملف اللبناني الى الملفات التي ما زالت موضع أخذ ورد في المنطقة، هذا مع الإشارة ان المصالح الاسرائيلية دائماً حاضرة في الحسابات الاميركية، وهي في ما يخص التسوية اللبنانية تشمل مجموعة ملفات رئيسية يبقى أبرزها: سلاح المقاومة في لبنان، والملف النووي الايراني في المنطقة.
من هنا لم يكن مفاجئاً، عودة الفريق الاميركي في المنطقة الى ربط انجاز التسوية بموقف من هذا السلاح، الأمر الذي يوضح الدور الحقيقي للمحكمة بما هي سلاح اميركي ـ اسرائيلي يريد انجاز ما عجزت عنه آلة الحرب الاسرائيلية في عدوان 2006، وإذا اعتبرنا أن هذا الهدف لن يعطى لأحد مهما كانت النتائج فلن يبقى إلا البحث عن التسويات في إطارها الممكن، وهذا يعني ضمناً ان الولايات المتحدة لن تحرق ورقة المحكمة والقرار الاتهامي داخل مجلس الأمن، كما أن حزب الله لن يتخلى عن سلاح المقاومة، ولذا فالبحث يتركز على ما دون ذلك، أي البحث عن اخراج لبنان من تداعيات هذا القرار ولعبة المحكمة، وذلك بسحبه من لعبة المحكمة نفسها، وكل ما بعد ذلك يصبح أسهل، وعندما يقر الحريري بأن التسوية منجزة ويحاول ان يرمي كرة تعطيلها في مرمى المعارضة، نجد انفسنا أمام لحظة البحث عن ضمانات، ولعبة الضمانات ليست لعبة كلمات ومواقف معلنة، وإنما تجسيدات تأخذ طريقها الى الواقع، ما هي الضمانات التي يريدها الحريري، وما هي الضمانات التي يريدها الآخرون أيضاً، وهل نحن أمام لعبة ضمانات أم لعبة مطالب وتسويف جديدة؟