ارشيف من :آراء وتحليلات

خلف القناع: ضابط الصف الذي بات المفتي الأكبر وأمين مخازن سلاح الثورة الفلسطينية

خلف القناع: ضابط الصف الذي بات المفتي الأكبر وأمين مخازن سلاح الثورة الفلسطينية
قاسم ريّا
هو الشيخ الحاج محمد أمين الحسيني، والمعروف بالحاج أمين.. ضابط الصفّ الذي تخرّج من الكلّية الحربية بإسطنبول، وخرّيج الأزهر، مقاتل في جيش الشريف حسين بن علي، وأحد أعمدة الثورة العربية، أثناء الحرب العالمية الأولى.
ولد في القدس، عام 1895 وعاد إليها بعد "وعد بلفور" ليبدأ مسيرة طويلة ضد الوجود اليهودي والبريطاني هناك، فأنشأ عام 1918 أول منظمة سياسية في تاريخ فلسطين الحديث، وهي "النادي العربي" الذي عمل على تنظيم مظاهرات في القدس عامي 1918 و1919، وعقد في تلك الفترة المؤتمر العربي الفلسطيني الأول هناك.

تسببت المظاهرات التي أطلقها باعتقاله عام 1920، لكنه استطاع الهرب إلى الكرك جنوب الأردن ومنها إلى دمشق، فأصدرت الحكومة البريطانية عليه حكما غيابيا بالسجن 15 عاما، لكنها عادت وأسقطت الحكم في العام نفسه بعد أن حلت إدارة مدنية برئاسة هربرت صموئيل محل الإدارة العسكرية في القدس، فعاد إليها مرة أخرى.
انتخب مفتيا عاما للقدس عقب وفاة المفتي السابق الشيخ كامل الحسيني، فأنشأ المجلس الإسلامي الأعلى للإشراف على مصالح المسلمين في فلسطين، وعقد المجلس في المسجد الأقصى مؤتمرا كبيرا عام 1931 سمي المؤتمر الإسلامي الأول حضره مندوبون من مختلف البلدان العربية والإسلامية.
وفي الوقت الذي نشطت فيه حركة شراء الأراضي الفلسطينية من قبل اليهود، حارب الحاج أمين الحسيني هذه الهجمة، فأصدر فتوى اعتبرت من يبيعون أرضهم لليهود خارجين عن الدين الإسلامي ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، ونشط الحاج أمين في شراء الأراضي المهددة بالإنتقال إلى أيدي اليهود وضمّها إلى الأوقاف الإسلامية..

رأى الحسيني أن الشعب الفلسطيني لم يكن مؤهلا لخوض معركة عسكرية بطريقة حديثة، فأيد الجهود السياسية لحل القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه كان يعمل بطريقة سرية لتكوين خلايا عسكرية اعتبرت النواة الأولى التي شكل منها عبد القادر الحسيني فيما بعد جيش الجهاد المقدس.
عقب استشهاد الشيخ عز الدين القسام عام 1935 اختير الحاج الحسيني رئيسا للهيئة العربية العليا التي أنشئت في العام نفسه، وضمت مختلف التيارات السياسية الفلسطينية، وكان له دور بارز في ثورة 1936 من خلال تسهيل دخول المتطوعين الذين وفدوا للدفاع عن فلسطين من مختلف البلدان العربية.

رفض الحاج الحسيني مشروع تقسيم فلسطين بين العرب واليهود الذي طرح في حزيران/ يونيو 1937 وقاومه بشدة، فعملت السلطات البريطانية على اعتقاله، لكنه التجأ إلى الحرم القدسي الشريف فخشيت بريطانيا من اقتحام الحرم حتى لا تثير مشاعر الغضب لدى العالم الإسلامي، فظل الحاج أمين الحسيني يمارس دوره في مناهضة الاحتلال من داخل الحرم.

بعد اغتيال حاكم اللواء الشمالي إندروز أصدر المندوب السامي البريطاني قرارا بإقالة المفتي أمين الحسيني من منصبه واعتباره المسؤول عن العمليات العسكرية التي يتعرض لها الجنود البريطانيون في فلسطين. واجتهدت السلطات البريطانية في القبض عليه لكنه استطاع الهرب إلى يافا ثم إلى لبنان عبر مركب شراعي، فقبضت عليه السلطات الفرنسية لكنها لم تسلمه إلى بريطانيا، وظل في لبنان يمارس نشاطه السياسي.

اضطر للهرب من لبنان مرة أخرى بعد التقارب الفرنسي البريطاني، فتنقل بين عدة عواصم عربية وغربية، وصل أولا إلى العراق ولحق به بعض المجاهدين، وهناك أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني، ثم اضطر لمغادرتها بعد فشل الثورة فسافر إلى تركيا ومنها إلى بلغاريا ثم ألمانيا التي مكث فيها أربعة أعوام.

طالبت بعض الدول الأوروبية بمحاكمته مدعية بأنه مجرم حرب ومؤيد للنازية، وضيقت الخناق عليه، فاضطر للهرب إلى مصر ليقود من هناك الهيئة العربية العليا مرة أخرى، وليعمل على تدعيم جيش الجهاد المقدس، وتولى مهمة التجهيز والتنسيق والإمداد للمجاهدين. وهناك أنشأ منظمة الشباب الفلسطيني التي انصهرت فيها منظمات الكشافة والجوالة لتدريبهم على السلاح.

فرضت على الحاج أمين الحسيني، الإقامة الجبرية في منزله بعد النكبة الكبرى عام 1948 وشددت عليه الرقابة. وظل على تلك الحال إلى أن اندلعت ثورة 1952 في مصر، فتعاون مع قادة الثورة في نقل الأسلحة سرا إلى سيناء ومنها إلى الفدائيين الفلسطينيين في الداخل، واستمر على هذه الحال حتى قرر عام 1959 الهجرة إلى سوريا ومنها إلى لبنان، واستأنف من هناك نشاطه السياسي فأصدر مجلة "فلسطين" الشهرية حتى وفاته عام 1975 حيث دفن في مقبرة الشهداء.
2011-01-10