ارشيف من :ترجمات ودراسات

الثورة التونسية والطريق الوحيد نحو الانتصار الحاسم!

الثورة التونسية والطريق الوحيد نحو الانتصار الحاسم!
عقيل الشيخ حسين
بما تبقى له من سلطة مارسها زين العابدين بن علي بالقمع والفساد والإفساد طيلة ربع قرن، بعد أن اغتصبها من سلفه وولي نعمته الحبيب بورقيبة، تمكن من تأمين ممر آمن إلى طائرته التي أقلعت به فراراً من غضبة الشعب التونسي.
هرب زين العابدين بن علي بعد أن استنفد كل ما في جعبته من وسائل القمع الدموي الذي لم يفتّ من عزيمة الجموع المليونية التي خرجت مطالبة بالحياة، ومن وسائل الخداع التي تمثلت بإقالة وزير أو موظف أو بإطلاق وعد بالإصلاح أو بعدم الاستئثار بالحكم لمدى الحياة.
وبقي عليه أن يجد لطائرته ممراً آمناً نحو مطار تهبط فيه على طريق استجداء ملتجأ في بعض البلدان "الصديقة" التي كانت عوناً له على سياساته والتي تململت تحت وطأة الحرج من منحه ذلك الملتجأً، لما قد يشكله ذلك من إرباكات في حاضر ومستقبل علاقاتها مع تونس.
واخيراً، وجد ذلك الملجأ في المملكة العربية السعودية التي - وإن كانت قد استقبلته لأسباب إنسانية على ما ورد في بعض التصريحات- جازفت بتعريض علاقاتها مع تونس الغد لمخاطر أكيدة، إضافة إلى كونها قد أضافت إلى سجلها نقطة فيها تأكيد جديد على تمسكها بخياراتها المعروفة لجهة التعارض مع طموحات وأماني الشعوب العربية.
وربما كانت هنالك مسوغات أخرى. فبن علي قد يحلم بعودة مظفرة إلى تونس لمواصلة انتهاكها والتنكيل بشعبها ومعاقبته على جرأته وتطاوله: ترك خلفه زمرة من معاونيه الذين يقومون حالياً بالتشاور من أجل تشكيل حكومة وفاق أو ما شابه، ويحاولون - تحت ستار شرعية فقدت مشروعيتها- التحايل على الإرادة الشعبية عبر إطلاق وعود بتنفيذ الوعود التي قطعها بن علي قبل فراره من البلاد.
وأياً يكن المكان الي سيستقر فيه بن علي، فإن استمرار معاونيه بالاضطلاع بالمهمة المذكورة، من شأنه، وفقاً لما يستجد من تطورات، أن يسمح له بإعلان نفسه رئيساً في المنفى بانتظار فرصة يأمل توفرها من خلال الرهان على فشل الشعب التونسي في تقرير مصيره، وعلى تحصيل دعم قد لا تضنّ به عليه دول وزعماء قريبون أو بعيدون من أولئك المرعوبين من انتقال عدوى الثورة إلى بلدان أخرى.
وها نحن نسمع بعض الزعماء العرب ينكرون على الشعب التونسي ثورته، ويلومونه لأنه لم يبايع بن علي لمدى الحياة...
مثل هذا الرهان يشارك فيه نظراء بن علي القريبون والبعيدون الذين بدأت عروشهم بالاهتزاز على وقع الثورة التونسية وفي ظل التحفز الجماهيري للانقضاض على هذا الصنف من الحكام الطغاة الذين لم يفهموا من الحكم غير أنه فرصة تغتنم للتربع على رقاب العباد وإطلاق العنان للنزوات الاستكبارية، عبر التمرغ في ما يختلسونه من ثروات شعوبهم ويهربونها بالقناطير إلى مصارف الغرب... وعبر اخضاع بلدانهم للسياسات المدمرة التي تمليها عليهم دوائر الاستكبار العالمي.
كما يشاركه فيه حماته الغربيون الذين تهولهم فكرة انعتاق الشعوب العربية والإسلامية وعودتها إلى احتضان قضاياها الكبرى، بما تشكله من خطر على ما ينتهجونه من سياسات السيطرة والهيمنة.
الكرة الآن في ملعب قوى المعارضة، وما يحيط بها من منظمات نقابية وجمعيات أهلية. وهي مطالبة بأن تثبت قدرتها: أولاً، على قيادة المعركة باتجاه إلحاق بقايا النظام البائد بالطاغية الهارب، وثانياً، على قيادة تونس إلى بر الأمان عبر برنامج للحكم والإصلاح يثبت أهليتها للاضطلاع بهذه المهمة التي لا يمكن أن تنجح من دون أن يكون رائدها العدل والمساواة في ظل الانطلاق بمشروع بنّاء يحترم طموحات الشعب التونسي ويكون منسجماً مع عمق الانتماء الحضاري والثقافي والمصيري لهذا الشعب، بعد قرون من الخضوع للسيطرة الاستعمارية التي أعقبتها عقود من استقلال قاد البلاد إلى الكارثة على جميع المستويات والصعد.
وإلا، فإن الشعب التونسي الذي أثبت، بتضحياته وصموده وثبات عزيمته، قدرته على مواجهة الطاغية حتى لحظة الانتصار الأخيرة، والذي أغنى التجربة الثورية في العالم بنموذج من النوع الريادي، عليه أن يثبت قدرته على فرز قيادات وقوى قادرة على الاضطلاع بالمهام المطروحة، وعلى تشكيل رافعة لنهضة الشعوب الشقيقة التي تكتوي بما اكتوى به الشعب التونسي من نيران الإفقار والإضعاف والإذلال والتغريب.
ما يخيف قوى الهيمنة وما يرتبط بها من قوى محلية هو الطابع الجماهيري والعفوي للثورة التونسية، وهو الطابع الذي يذكر بالحدث الكبير الذي غير مسار العالم مع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الإمام الخميني (قده) وفي ظل شعارات الإسلام المحمدي الأصيل.
هذا الخوف بالذات هو ما يفسر تحذيرات كلينتون التي وجهتها إلى الحكام العرب من منتدى "المستقبل" الذي انعقد مؤخراً في الدوحة، وطالبتهم فيه بالإصلاح بهدف الحيلولة دون تمكن الإسلاميين من الوصول إلى الحكم. وهي التحذيرات التي أطلقها أيضاً مسؤولون إسرائيليون.
وهو ما يفسر رهانات التخريب والتضليل التي بدأت تنصب على تونس من كل حدب وصوب. فالعقائر المشؤومة ترتفع الآن بالمقارنات التعسفية بين ثورة الشعب التونسي والعديد من الثورات التي شهدتها بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية وإفريقيا.
مع التشديد على أوجه الشبه بينها وبين الثورة الفرنسية أو بينها وبين ما يقدم زوراً على أنه ثورات قامت بها شعوب أوروبا الشرقية ضد النظم الشيوعية.
والواضح أن حقد هؤلاء المحللين على الثورة الإسلامية في إيران، وخوفهم من أن تأخذ الثورة التونسية مساراً مشابهاً لمسارها جعلهم يتجاهلون قارة آسيا على ضخامتها، وعلى تاريخها الحافل بالثورات، لا لشيء إلا لأن إيران هي بلد آسيوي، ولأن ذكرها قد يحدث أثراً على تطور الثورة التونسية.
ولا لشيء إلا لأنهم يسعون إلى وضع الثورة التونسية داخل سياقات تخرجها عن محيطها وتاريخها وانتمائها القومي والحضاري والديني، وتدخلها في المتاهات الكفيلة بحرفها عن مسارها الطبيعي.
وفي محاولة مفضوحة لحرف هذه الثورة عن طريق نجاتها الوحيد المتمثل بالعودة إلى الأصالة العربية والإسلامية، وبالانضمام إلى صف قوى التحرر التي تناضل من أجل النهوض الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي من خلال التصدي لمشاريع الهيمنة الاستكبارية والصهيونية.
2011-01-17