ارشيف من :ترجمات ودراسات

أحداث تونس من وجهة نظر أميركية: درس لمصر والأردن والجزائر

أحداث تونس من وجهة نظر أميركية: درس لمصر والأردن والجزائر
إعداد: علي شهاب
يحتاج الموقف الرسمي الأميركي، ومعه البريطاني، من الاحداث الاخيرة في تونس الى كثير من التمحيص، بعد أن انعكس الاهتمام الاميركي المستجد بشمال افريقيا من خلال كلمة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي حذرت، امام منتدى "المستقبل" الذي انعقد أخيرا في الدولة بمشاركة ممثلي الحكومات والمجتمع المدني في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى جانب دول مجموعة الثماني، التي قالت ان شعوب المنطقة "سئمت من المؤسسات الفاسدة" والسياسات "الراكدة" مقابل تراجع الثروات المائية والنفطية. ودعت كلينتون الدول العربية الى محاربة الفساد مؤكدة انه يصعب على المستثمرين الخارجيين الاستثمار في المنطقة.
في هذه الأثناء، "يراقب العالم العربي ليرى أي نظام آخر سيكون عرضة لوقوع مثل هذه التطورات، وماذا سيكون رد فعل الولايات المتحدة" بحسب تقرير بحثي وضعه الخبير الأميركي في مكافحة شؤون الإرهاب "سكوت كاربنتر" ومدير ملف السياسات العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى دايفيد شنكر، والذي جاء فيه:
"تزايدت التوترات داخل المجتمع التونسي بشكل ثابت على مدى العقد الماضي. ووفقاً لبرقية لوزارة الخارجية الأمريكية من عام 2009 سربها موقع "ويكيليكس" ونشرتها صحيفة بريطانية فإن: "الرئيس بن علي طاعن في السن، ونظامه متصلب، وليس هناك خليفة واضح". ولم تنبع الإحباطات من الضيق الاقتصادي فحسب بل أيضاً من القمع الخانق وشيوع الفساد بصورة واضحة ومتزايدة داخل الأسرة الحاكمة. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية عدداً من الهزات التي لا بد وأنها قد أعطت الحكومة تحذيراً كافياً يتنبأ بالزلزال السياسي الحالي. وكانت احتجاجات عمالية منسقة قد جمدت صناعة التعدين في الرديف لمدة ستة أشهر في عام 2008. كما أن الاحتجاجات قد أجبرت الحكومة في العام الماضي على التراجع عن قرار بدا أنه يُحابي فقط التونسيين القريبين من عائلة بن علي.
وكانت هذه الاحتجاجات وغيرها كبيرة ومنظمة جيداً لكنها وقعت في محيط البلاد الجغرافي والسياسي، ولم تلاحظها الصحافة الدولية إلا بصورة قليلة. وعلاوة على ذلك، فإنها لم ترتبط كلية بالضيق المتجذر في المجتمع التونسي. ومع ذلك، ضحى شاب تونسي بنفسه في كانون الأول/ديسمبر الماضي بعد إحباط واضح أصابه عندما تم منعه من بيع خضروات في شوارع مدينته. وبموته لخص محمد بوعزيزي الذلّ وقلة الحيلة التي يشعر بها كثيرون من التونسيين يومياً. والآن فإن الشباب التونسي، الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان، لديهم رمز يلتفون حوله، ويخلقون ما أصبح بسرعة يمثل تمزقاً أساسياً للدولة.
وقد اشتعلت المظاهرات بسبب العديد من العوامل، أهمها المزيج الفعال بين البطالة والبطالة المقنعة. فالبطالة التونسية كانت ومنذ زمن طويل مرتفعة بوضوح (أكثر من 13 بالمائة في 2009)، لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب تركزها في صفوف الشباب المزدهر من بين مجموع السكان. ووفقاً لـ "البنك الدولي" فإن ما يقرب من 30 بالمائة من التونسيين ممن تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 24 عاماً عاطلون (من العمل) ، بينما يواجه خريجو الجامعات الشباب نسبة بطالة تقارب 25 بالمائة. وعلى الرغم من أنه يتم تعليم الشباب بمعدلات أعلى، بيد أنه لم تتم ترجمة هذا التعليم إلى فرص اقتصادية مُحسَّنة.
وقد كانت السنوات الأخيرة صعبة بشكل خاص على الاقتصاد التونسي. ونتيجة للانخفاض الاقتصادي العالمي واجهت الدولة تقلصات اقتصادية بين عامي 2007 و 2009. وقد كان هذا يعني وظائف أقل وخاصة في السياحة وهي القطاع الرئيسي الذي يتوافق مع رغبات الأوروبيين الذين ينشدون مكاناً أرخص تحت شمس البحر المتوسط. وفي هذه الأثناء تزامن الهبوط في عائدات الدولة مع الجهود الجارية لتطبيق إصلاحات اقتصادية منها برنامج غير شعبي لتقليل الدعم بصورة تدريجية على بعض السلع من بينها الطعام. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، التقت المحاولات المبكرة لتقليل الدعم مع أعمال الشغب ومن ثم تم إلغاؤها. وقد طُبقت ارتفاعات الأسعار الأخيرة في الصيف الماضي.
وقد تفاقم السخط الشعبي بصورة مفرطة فقط بسبب تجاوزات حكم النظام الاستبدادي، حيث كان التونسيون منذ فترة طويلة على بينة من القمع الذي تمارسه الدولة. لكن في الآونة الأخيرة، وبمساعدة الشبكة العنكبوتية، أصبحوا مطلعين بشكل تام على الفساد الجشع لبن علي وزمرته الحاكمة. ووفقاً لبرقية وزارة الخارجية الأمريكية من عام 2009 التي سبق ذكرها فإن: "الفساد في الدائرة القريبة من السلطة يتنامى بل حتى عامة الشعب التونسي أصبحوا الآن يدركون ذلك، بينما يتصاعد صوت الشكوى". وقد أوضحت البرقية بالتفصيل كيف أن أسرة ابنة بن علي قد احتفظت بـ "نمر كبير" أطلقت عليه اسم "باشا" يعيش في قفص ويلتهم أربع دجاجات يومياً" ما يذكرنا بــ "قفص الأسد الخاص بعدي صدام حسين في بغداد".
احتمالات عدوى إقليمية
تزامن الشغب التونسي مع الاضطرابات المدنية في الجزائر والأردن حيث واجهت الدولتان تحديات متشابهة ضد البطالة والبطالة المقنعة. ومع تمتع الجزائر بعوائد كبيرة من احتياطيات تصدير النفط والغاز، والدين الخارجي المنخفض فإنها في وضع مالي أفضل من تونس. لكن انخفاض أسعار النفط العالمية في عام 2009 قد ضغط على خزائن الدولة بينما تأثر الجزائريون بأسعار السلع العالمية الأعلى. ومثل تونس فإن الجزائر هي دولة شمولية حيث وفقاً لتقييمات مؤسسة "فريدوم هاوس"، حصل نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على نقاط أفضل قليلاً فقط من تونس. ومع ذلك فربما أهم وجه شبه بين الدولتين هو أن لدى الجزائر أيضاً شبابا صغار العمر يعانون من فرص اقتصادية بائسة. وعلى الرغم من أن معدل البطالة في البلاد قد انخفض من أكثر من 15 بالمائة في عام 1995 إلى 10 بالمائة اليوم إلا أنه ما يزال مصدراً رئيسياً للاستياء.
وقد شهد الأردن اضطراباً مدنياً في الأسابيع الأخيرة أيضاً. ورغم أن الكثيرين قد شبّهوا هذه الاضطرابات بتلك التي وقعت في تونس والجزائر إلا أنها كانت قد أثيرت أكثر بسبب التوترات القبَلية حتى وإن كانت متصلة بالفرص الاقتصادية. وتتعامل المملكة مع الشغب ضد الحكومة في معان، وهي مدينة قفراء لها تاريخ طويل من الاحتجاجات، بأقصى درجات الجدية. فعلى سبيل المثال، أعلن الملك عبد الله أنه سيعيد مؤقتاً دعم الدولة لبعض السلع الأساسية عن طريق تخفيض الأسعار. ويبدو أن واشنطن تشعر أيضاً بالقلق لدرجة أنها زادت حزمة مساعداتها للأردن بمائة مليون دولار هذا العام ، ضامنة بذلك بالفعل دعم عمان، للمساعدة على تفادي السخط الشعبي.
ورغم أن هذه هي الدول الوحيدة التي شهدت حتى الآن سخطاً شعبياً إلا أن العديد من الأنظمة العربية الأخرى قلقة من الأعراض الجانبية لهذه التطورات، وبالتالي اتخذت خطوات لعزل نفسها. فقد خفضت ليبيا والمغرب، مثل الأردن، الأسعار على سلعها الرئيسية. كما أن مصر، التي كانت أزمة القمح لديها في عام 2008 حادة جداً لدرجة أنه تم استدعاء الجيش لصنع الخبز للسكان، تراقب بلا شك هذه التطورات عن كثب.
ما الذي في استطاعة واشنطن وأوروبا عمله؟
إن الجانب الأكثر لفتاً للنظر في الاحتجاجات التي شملت جميع أنحاء تونس هو أنها ذات صبغة شعبية كاملة. فتأكيدات الرئيس بن علي بأنه تم التحريض للاضطرابات من قبل عناصر خارجية كما أن متطرفين هم الذي كانوا يقودونها، لم تؤدِ سوى إلى تعزيز الشكوك العامة حول الدرجة التي كان فيها الرئيس التونسي غير ملم بالأحداث ومنفصلاً عنها.
ويكمن التحدي الذي تواجهه الآن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ضمان انتقال سلس لحكومة جديدة. ولدى الولايات المتحدة نفوذ في تونس هو أقل بكثير مما للاتحاد الأوروبي وفرنسا. (وكما عبّرت عن ذلك البرقية المُسربة لوزارة الخارجية الأمريكية: "وفقاً لعدة مقاييس، ينبغي أن تكون تونس حليفاً وثيقاً، لكنها ليست كذلك") فالولايات المتحدة لا تقدم أية مساعدات اقتصادية لتونس، كما أن برنامجها التمويلي العسكري زهيد، وهو ما تؤكده شكوى تونس. ورغم ذلك، تقدم تونس تعاوناً مهماً لمكافحة الإرهاب، وقد اعتُبرت نموذجاً إقليمياً يُحتذى به أثناء إدارة الرئيس الأمريكي بوش. ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو من يدعم الاقتصاد التونسي من خلال ضخ نقدي ضخم، فضلاً عن علاقته التجارية القوية مع هذه البلاد.
إن الأحداث التي وقعت في تونس تُظهر للعرب في جميع أنحاء المنطقة مدى الهشاشة التي وصلت إليها حتى الدولة البوليسية الأكثر تقدماً عندما يواجهها مواطنوها بعزم. ومن غير المحتمل أن يغفل المصريون والأردنيون والجزائريون وغيرهم عن هذا الدرس. ووفقاً لجميع المؤشرات تقريباً، من التعليم إلى الاقتصاد، تتبوأ تونس درجة أعلى بكثير من دول عربية أخرى في المنطقة. غير أن فشل الحكومة في تحسين قاعدة شرعيتها، وضمان تعميم المنافع الآتية من الإصلاحات الاقتصادية، وخلق طريق لمشاركة سياسية ذات هدف، قد دفع الدولة إلى حافة الثورة. كما أنها قدمت أيضاً رسالة تذكير مبكرة ومثيرة إلى إدارة أوباما في عام 2011 مفادها أن المقايضة المتصورة بين الاستقرار والإصلاح الديمقراطي هي مقايضة زائفة، وأنه علاوة على ذلك، فإن ما يتصوره المرء مستقراً يمكن أن يتغير في غضون أيام.
2011-01-17