ارشيف من :خاص

صفقة الستين مليار دولار ومبادرة الملك عبد الله: البيع والشراء في السياسة مع الأميركيين؟

صفقة الستين مليار دولار ومبادرة الملك عبد الله: البيع والشراء في السياسة مع الأميركيين؟

عبد الحسين شبيب
لا يوجد شيء في السياسة بالمجان، وخصوصا مع الاميركيين. من هنا كان لا بد من طرح السؤال التالي: بماذا يتسلح الملك عبد الله بن عبد العزيز في سعيه لاجتراح حل مع سوريا لمعضلة المحكمة الدولية لارغام الاميركيين على القبول به؟ ولا سيما ان الملك يعرف، وكل القيمين على المبادرة السعودية ـ السورية، يعرفون ان المحكمة هي مشروع اميركي ـ اسرائيلي بامتياز، وان المقصود منها هو المقاومة وسلاحها حصراً قبل ان تعود واشنطن وتلف الحبل على الرقبة السورية بعدما فشلت المحاولة الاولى في تسخير المحكمة للنيل من نظام الرئيس بشار الاسد.
كان يفترض ان يكون الجواب هو التالي: صفقة الاسلحة الاميركية للسعودية بقيمة ستين مليار دولار، والتي تعد الاضخم في تاريخ التسلح السعودي بعد صفقة اليمامة بقيمة 86 مليار دولار التي نفذتها بريطانيا لمصلحة المملكة السعودية عام 1985. قيمة تلك الصفقة العسكرية المالية هي الاضخم جدا بالنسبة للولايات المتحدة، سواء في تاريخها في بيع منتجاتها العسكرية أو في سياق بحثها عن سبل لانهاض اقتصادها بعد ازمته الخطيرة، حيث ان مثل هذه الصفقة تسهم في حماية 77 الف وظيفة، فضلا عن مساعدتها الصناعات العسكرية الاميركية في 44 ولاية اميركية. هذا في الاقتصاد وهو الاهم، اما في السياسة فجرى تسييل الصفقة سريعا حيث ربطت صحيفة " الديلي تلغراف" البريطانية حينها بين الصفقة وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي التي أعلنت الصفقة قبلها، واعتبرت الصحيفة آنذاك أن الصفقة انقلاب لمصلحة إدارة الرئيس أوباما، حيث يواجه الديمقراطيون ضغوطا في الانتخابات بسبب زيادة معدلات البطالة، نظرا لارقام الوظائف المستفيدة منه والواردة اعلاه.

اذاً مبلغ الستين مليار دولار الذي قررت الرياض ضخّه في الخزينة الاميركية وُظف سياسيا مباشرة من قبل ادارة باراك اوباما، وبالتالي أليس من المنطقي ان يوظف الملك عبد الله هذا المبلغ الضخم ويسيله سياسيا واقتصديا ويأخذ مقابل ما اعطته بلاده مكاسب تعني مصالح المملكة في الخارج، كما تفعل عادة الولايات المتحدة؟

مشروعية السؤال في حينه اتت من تزامن اطلاق الملك عبد الله لمبادرته مع الرئيس بشار الاسد لاستيعاب تداعيات قرارات المحكمة الدولية مع الاستعداد لابرام العقد التسلحي بين الرياض وواشنطن، بحيث امكن القول في حينه ان في جعبة الملك عبد الله ورقة ثمينة تساعده على المضي قدما مع الرئيس الاسد لاستيعاب ما يمكن ان تتعرض له مصالح بلاده في لبنان.

من هنا كان يمكن التعويل على نجاح المسعى السعودي على قاعدة تبادل المنافع، لكن واذ وصلت الامور الى طريق مسدود واتصل الملك بالرئيس السوري ليبلغه انتهاء المبادرة وليتضح ان واشنطن هي من اجهضتها، فان ذلك يطرح سؤالا بديهياً بسيطا هو التالي: اذا لم يكن الملك السعودي في صدد توظيف صفقة السلاح في مسعاه هذا، فعلى ماذا كان يتكئ لكي يواجه الاميركيين، وهو يعرف اكثر من غيره ما فعله الاميركيون مع ادواتهم في لبنان والمنطقة لكي يصلوا الى الخاتمة التي وصل اليها القرار الاتهامي بالصيغة التي سلمه فيها المدعي العام الكندي دانيال بلمار الى المحكمة ليتهم حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

الم يكن يخطر في بال فريق الملك سؤال عن السبب الذي يدعو الاميركيين وحلفاءهم الاسرائيليين الى ان يتخلوا عن المحكمة ببساطة، ويسهلوا مهمة الملك السعودي في تطويق تداعيات القرار الاتهامي واجهاضه قبل صدوره؟!

في ادارة الصراعات تعتبر الاجابة عن الاسئلة الانفة الذكر ليست ضرورية فحسب، بل عمل روتيني يمكّن صناع القرار من رسم صورة البيئة التي يتحرك فيها اي مسعى او مبادرة لحل اي نزاع قبل المباشرة به: من هم الرابحون ومن هم الخاسرون؟ في حالة مبادرة السين سين لو قيض لها ان تنجح فان الخاسرين هم واشنطن وادواتها، ولا يهم حينها من يكون الرابحون، على الاقل هم مصالح السعودية وحلفاء المقاومة واصدقاؤها المحليون والاقليميون، وعلى رأسهم سوريا وايران، فهل هذا مقبول اميركياً؟

ما تقدم يثير شكوكاً حول ما كان يجري، واسئلة عما اذا كانت الامور انطوت على لعبة تضييع وقت جرى خلالها خداع الملك عبد الله وايهامه ان بامكانه القيام بمبادرة وانها يمكن ان تثمر، الى ان حانت لحظة قطف الثمار، فوضعت في وجهه ليس الحواجز فحسب، بل جرى تظهير الصورة وكان "حتى ولدنا سعد لا يرد علينا" فهل سيرد علينا الاميركيون؟

ليس ما يجري قضية نزاع محدود الاثر والتأثير لكي تنطلي الحيلة على احد ويُذهب الى المسعى السعودي السوري من دون استخدام الادوات التي تستخدم في الصراعات، بل ان المحكمة برمتها جزء من حرب تخاض بأشكال مختلفة يتفق خبراء من جنسيات مختلفة (مقالة بسام طيارة مراسل الاخبار في باريس تاريخ 21/1/2011) على تجاوزها الاطار اللبناني الى ما هو ابعد من ذلك، لتصل الى حدود اعادة تركيب المنطقة بحسب خبير في باريس مقرّب جداً من الملف اللبناني، وما المحكمة إلا «شيء بسيط جداً في لعبة ميكانو لا تقول اسمها» تعمل عليها واشنطن للالتفاف على العقبات التي تواجهها في المنطقة في فلسطين ولبنان والعراق وإيران. وما دام ان الخطة تستهدف القضاء على حزب الله فان «المحكمة لا يمكنها التخلص من الحزب، فقط حرب إقليمية قادرة على التخلص من منظومة الحزب العسكرية (قدر رئيس الموساد السابق مئير داغان قوته النارية بقوله ان 90 في المئة من دول العالم لا تملك القوة النارية التي يملكها حزب الله)».

السؤال الاخير: عملية بهذا التعقيد هل سيتخلى عنها الاميركيون من دون ثمن، ويقدمونها هدية للملك السعودي وهم يشتغلون عليها منذ سقوط بغداد مباشرة عندما زار وزير الخارجية الاميركي كولن باول في حينه الرئيسين السوري بشار الاسد في دمشق واللبناني اميل لحود في بيروت وأبلغهما بها وبحزم: إما تنصاعوا وإما يأتيكم الدور؟ ولما رفضا انطلقت القاطرة بالقرار 1559 وبقية القصة معروفة للجميع.

في المحصلة برّأت المقاومة وسوريا ومعهما ايران ذممهم ومدّوا يدهم للتسوية، وكانت مُهمةِ فرضِها على الاميركيين محض سعودية، وكانت ورقة الضغط الاقوى والامضى متوافرة وهي صفقة التسلح التي وصفت بأنها الاضخم في تاريخ الولايات المتحدة، لكنها لم تستخدم لامر معلوم، فانتهى النقاش وضُيع الوقت وضاعت المصالح.

بقي شيء واحد يمكن ان يظهر فعليا، ما اذا كان الملك السعودي مستاءً من الاميركيين ومن الشيخ سعد الحريري لتعطيل مبادرته، وهو ان يرمي عباءته فوق كتف رئيس الحكومة الذي ستسميه المعارضة، على الاقل لكي يرد الصاع صاعين، ولكي يحفظ مصالح المملكة التي يفترض ان تكون ظلالها وارفة على جميع ابناء الطائفة السنية الكريمة في لبنان، ولهم المكانة نفسها التي يحتلها آل الحريري، ولعل في بيان رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص ومن العاصمة السعودية الرياض، الذي ندد فيه ضمنا بسلوك الاحتكار التمثيلي لآل الحريري، واللعب بالاعصاب المذهبية والطائفية اشارة أولى في هذا السياق؟؟

2011-01-24