ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر مبارك على خطى تونس بن علي!

مصر مبارك على خطى تونس بن علي!
عقيل الشيخ حسين
بعد إملاءات صندوق النقد الدولي التي كانت تتميز بالوضوح التام في رسم السياسات الاقتصادية والمالية التي أدت إلى حالة الخراب الشامل التي تعيشها البلدان المسماة بالنامية، جاء الآن دور التشخيصات والنصائح التي توحي، لكثرة ما تنطوي عليها من تناقضات، بأن وظيفة تلك المؤسسة المالية الدولية هي، من الآن فصاعداً، لا شيء غير التهكم بحكام تلك البلدان وشعوبها على السواء.
ففي ندوة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية يوم الأحد الماضي، تناوب على الكلام عدد من ممثلي صندوق النقد الدولي ليقولوا، من خلال التهكم الذي بدا واضحاً في تناقضات التشخيصات والنصائح، كل ما من شأنه أن يثلج صدور أولئك الذين يبتهجون لمصائب مصر، ولوصولها بعد أن كانت معقد الآمال بالتحرر الوطني والقومي، وبالنهوض الاقتصادي والاجتماعي، إلى حالتها الراهنة من البؤس على جميع المستويات والصعد.
مصر مبارك على خطى تونس بن علي! آلان ماك آرثر، رئيس بعثة الصندوق إلى مصر دعا إلى إلغاء الدعم الحكومي عن المنتجات البترولية، ما يعني أن المستهلكين المصريين سيكون عليهم، فيما لو استجاب أصحاب القرار لهذه الدعوة، أن يدفعوا المزيد من المال للحصول على ما يحتاجونه من هذه المنتجات.
دعوة تنضح بالصفاقة في وقت يموج فيه الشارع المصري تحت وطأة الغلاء وارتفاع اسعار المواد الأساسية، وتدني الأجور، وارتفاع معدلات البطالة.
والأنكى أن رئيس البعثة قد برر دعوته بالقول بأن الدعم لا يستفيد منه إلا الأغنياء، مسبغاً بذلك على دعوته طابع الانحياز الكاذب للمحرومين والفقراء : إذا كانوا عاجزين عن شراء المنتجات المدعومة، فكيف يقدرون على شرائها بعد رفع الدعم عنها !؟   
أما راتنا ساهاي التي قدمت بوصفها نائب رئيس إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولة، فقد رسمت صورة قاتمة جداً للوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر. وبعد أن لجأت إلى المغالطة والتسميم الإعلامي في إرجاء سوء الأوضاع إلى أسباب خارجية من قبيل ارتفاع معدلات أسعار السلع الأساسية في السوق العالمية بسبب الطقس السيء في البلدان المصدرة، أو إلى ارتفاع الطلب من قبل الصين، رأت أن على مصر أن ترفع معدل نموها إلى 10 بالمئة سنوياً من أجل استيعاب العاطلين عن العمل.
ولكي تدفع بالتهكم إلى مداه الأقصى، وصلت خبيرة صندوق النقد تلك إلى نتيجة مفادها أن هذا الهدف (رفع معدل النمو) لا يمكن تحقيقه ؟!!!
بالمناسبة ينبغي التذكير بأن الاعتماد على البلدان المصدرة في مجال الانتاج الزراعي والغذائي، وتوجيه الاقتصاد نحو الاعتماد على الخدمات السياحية هما في طليعة الإملاءات التي فرضها صندوق النقد الدولي على مصر وغيرها من البلدان المسماة بالنامية.   
أما الدكتور ماجدة قنديل التي قدمت على أنها المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، فقد اعتبرت أن مصر قد تجاوزت الأزمة المالية العالمية. لكنها وضعت قائمة طويلة بمشكلات كلها من النوع الدال على أن مصر تغوص عميقاً في الأزمة.
وفي الوقت الذي كان هؤلاء الخبراء ينعون مصر لجهة ما تتخبط فيه من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية (دون السياسية، لأن السياسة ليست من اختصاص صندوق النقد الدولي)، كانت مصر تتكلم.
بلسان شعبها الذي نزل بالألوف هذه المرة إلى شوارع القاهرة والاسكندرية والسويس والمنصورة ودمياط وغيرها من المدن المصرية، احتجاجاً على الفقر والبطالة والقمع. ولكن أيضاً وخصوصاً لمطالبة حسني مبارك بالرحيل إلى جدة في السعودية للالتحاق بزميله زين العابدين بن علي، على ما ورد بين عشرات الشعارات التي رددها المتظاهرون.
بالألوف تدفق المصريون إلى الشوارع رغم الإجراءات الأمنية التي اتخذت لمنع اجتذاب حركة الاحتجاج أعداداً بشرية أكبر. كما أن خروج التظاهرات إلى الشارع يشكل فارقاً مهماً بعد أن كانت معظم التحركات الاحتجاجية تجري في أماكن مغلقة داخل حرم الجامعات وما شابه.
إضافة إلى الفارق المهم الآخر : حركة الاحتجاج لا تقتصر على رفع المطالب الاجتماعية بل تتجاوزها إلى المطلب السياسي لتطال رمز النظام الأكبر المتمثل بحسني مبارك... وبزوجته وابنه المرشح لوراثة الحكم، بعد أن أصبحت إدارة بلداننا شأناً عائلياً بامتياز.
وبالطبع، تكلمت مصر بلسان مسؤوليها، حيث حذرت وزارة الداخلية من أنه سيجرى التعامل مع أي شخص يخالف القانون... وذكرت بأن الأمن قادر على ردع اي خروج أو مساس بأمن المواطن...
يبقى أن شعب مصر يقف الآن أمام مهمة تاريخية كبرى: التعامل بالشكل الصحيح مع المخالفين الحقيقيين للقانون، وإظهار القدرة على ردع المساس الحقيقي بأمن المواطن.
2011-01-26