ارشيف من :آراء وتحليلات

لماذا حكومة حزب الله ؟

لماذا حكومة حزب الله ؟
حسين حمية
توصيف فريق 14 آذار ومعه تل أبيب (وبتشجيع من واشنطن) حكومة نجيب ميقاتي (التي هي قيد التأليف) على أنها حكومة حزب الله، ليس فقط للانتقاص من سنية الرئيس المكلف وتأليب أبناء مذهبه عليه لإجباره على التراجع عن مهمته الدستورية، كما أنه ليس فقط لاستخدامه في التعبئة المذهبية لتعويض الضمور في شعبية هذا الفريق، بعدما شاهد اللبنانيون النقص الحاد في هذه الشعبية في ما أسماه تيار "المستقبل" يوم الغضب من تكليف نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة.
هناك ما هو أبعد من هذه الدوافع على أهميتها، أو هناك إضافة عليها تتجاوزها بالأهمية وتتكامل معها. ولو حصرنا أسباب التوصيف بالدوافع المذكورة، ستؤدي حتما إلى تزييف الصراع السياسي الأمني في لبنان، وتصويره بين طرفين لبناني (تمثله الأقلية الجديدة) وإقليمي (متمثلا بحزب الله الذي هو ببروغاندا فريق 14 آذار امتداد إيراني وسوري)، وتكون نتيجة هذا التزييف بالمحصلة تغييب طرف رئيسي وفاعل في هذا الصراع، عبر حجب حماسة انخراطه فيه، وتمويه دوره وإخفاء إدارته له والتستر على حجم المكاسب التي يتوقعها منه، ولا يخفى أن هذا الطرف هو "إسرائيل"، وهي التي كانت حاضرة في كل محطات هذا الصراع وتفاصيله.
لقد كان واضحا، أن ما استفز "إسرائيل" في الـ" س ـ س"، هو أن التفاهم السوري السعودي كان سيظهر ان المواجهة على حلبة المحكمة الدولية هي بين المقاومة والعدو، فقام بتعطيل التحالف الموضوعي بين تل أبيب وفريق 14 آذار، بتوفيره بعض المكاسب السلطوية لهذا الفريق، والتي كان يتطلع إليها من وراء التحاقه بمؤامرة المحكمة الدولية. من هنا كان ضغط "إسرائيل" على واشنطن، وضغط هذه الأخيرة على السعودية لتفرض على سعد الحريري سحب توقيعه عن صفقة مقايضة المحكمة الدولية بتحسين مواقعه في السلطة ومؤسسات الدولة.
ينافق فريق 14 آذار على جمهوره وبالأخص على أبناء الطائفة السنية، عندما يحاول إقناعهم بأن سلاح المقاومة قد أدى إلى اختلال التوازن بين المكونات الأهلية للبنان، في حين ما يجري هو العكس تماما، وهو أن ما يسميه الفريق المذكور بالوظيفة الإقليمية للمقاومة (الدفاع عن الوطن والتصدي لأطماع العدو بتوازن الرعب) هي تملي على حزب الله من ضمن الحفاظ على هذه "الوظيفة"، مراعاة التوازنات المعمول بها بالرغم من التبدلات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية التي تضيق بها هذه التوازنات.
وكل ذي عقل، يعرف أن فريق الأقلية (المولود حديثا) يستخدم هذا النفاق لتبرير عجزه عن الخروج من لعبة الأمم التي زج لبنان فيها، وهو يخشى من الإقدام على مثل هذه الخطوة لأسباب كثيرة منها انكشاف حجم تورطه الكبير في التزمات سيحاسب عليها وطنيا وقوميا وحتى دينيا وأخلاقيا.
من السهولة على تل ابيب (باستخدامها ثقل واشنطن) من تعطيل محاولات أحد أجنحة السلطة في السعودية سحب فريق 14 آذار من لعبة أكبر منه بكثير، لأن توسع مصالح المملكة والتعقيدات التي تتكاثر حول شخص الخليفة المقبل للعاهل السعودي تجعل الرياض لينة تجاه الضغط الأميركي، غير أن هناك مواقع في الساحة السنية (اللبنانية) التقطت ما اسقطته واشنطن من يد الجناح السعودي المذكور، ويمكن لهذه المواقع أن تتسلح بمنطلقات وطنية وقومية وعقلانية تستجيب لنيات هذا الجناح الذي لم يقدر على ترجمتها أفعالا، وتكون بديلا عن عجز فريق 14 آذار المكبل بالالتزامات والعهود.
من هذه المساحة نهض الرئيس نجيب ميقاتي لمهمة التكليف، وتصديه لهذا الواجب يتقدم على أي ترشيح من هذا الطرف أو ذاك، لأن تقاعسه عن هذا الأمر بمثابة تواطؤ على بلده، كونه سيجعل لبنان أسير خيارات العدو، أضف إلى هذا، لدى ميقاتي فرصة كبيرة على تجنيب لبنان افتداء "إسرائيل" بأثمان باهظة يدفعها من استقراره ووحدته وأمنه وعمرانه.
من هنا، توصيف حكومة ميقاتي القادمة بحكومة حزب الله، ولو كان مطلقه هو تيار لبناني، إلا أنه التوصيف الذي يلبي أكثر من حاجة إسرائيلية، يمكن إيجازها على الشكل الآتي:
ـ تصوير الخطوات التي ستتخذها حكومة ميقاتي لتحييد لبنان عن الصراع القائم بين "إسرائيل" والمقاومة على حلبة المحكمة الدولية، بمثابة انحياز للمقاومة، مع الإشارة إلى أن هذه الخطوات لن تتجاوز ما كان ينوي الحريري مقايضته في صفقة التفاهم السوري السعودي.
ـ اتهام ميقاتي بأنه رئيس حكومة حزب الله، هدفه تسهيل مهمة "إسرائيل" في تحشيد الضغوط الدولية بوجه هذه الحكومة، ولا يمكن النظر إلى هذا الاتهام بأنه سيفيد فريق 14 آذار على الساحة الدولية، لأن هذا الفريق غير مؤهل لاستثماره خارجيا، وهو الذي عجز عن توفير دعم دولي للانسحاب من جزء من قرية الغجر، أقله لتأكيد نظريته في المقاومة الديبلوماسية.
ـ ايضا، هذا الاتهام يشق طريقا واسعة أمام "إسرائيل" لاستهداف لبنان بعقوبات اقتصادية ومالية، وهذا يشير إلى أن فريق 14 آذار عندما رفع شعار سعد الحريري أو لا أحد، كان يتوقع أن يضع العدو لبنان أمام خيار غزة في حال تكليف شخصية معارضة برئاسة الحكومة، وإذا كان ميقاتي بوسطيته قد عطّل هذا السيناريو، كان الاتهام الكاذب عن حكومة حزب الله.
ـ إن إلهاء حكومة ميقاتي بالدفاع عن حياديتها وتكذيب الزعم بأنها حكومة حزب الله، سيجعل هذه الحكومة تتلهى عن مهماتها الأصلية، وهي التصدي لأولويات الناس، وتحصين لبنان دوليا من خطر عدوان إسرائيلي جديد في حال فشل العدو من تشويه صورة المقاومة بالمحكمة الدولية.
2011-01-31