ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر... لكي تكون "أم الدنيا" حقاً !

مصر... لكي تكون "أم الدنيا" حقاً !
عقيل الشيخ حسين
حتى الآن، وبغض النظر عما سيؤول إليه الوضع في مصر، فإن عشرة أيام من ثورة شعبها قد هزت العالم حقاً !
مصر التي بدأت تغور فيها، بفعل الأصابع الأميركية والإسرائيلية، مياه النيل الذي يهبها الحياة، فاضت بأنهار بشرية لا تبشر بإعادة الخصب والحياة إلى مصر وحدها، بل أيضاً بشحن الحياة في العالم العربي والإسلامي، وفيما وراء حدود هذا العالم، بدفق ضروري لإعادة المعنى لإرادة الجماهير وحقها في الانعتاق.
فمن باريس ولندن إلى نيويورك وواشنطن، ومن اسطنبول وتونس إلى بيروت وعمان ودمشق وطهران، تخرج التظاهرات تأييداً لثورة مصر، وتنبض القلوب على ساعة القاهرة والاسكندرية والسويس وبور سعيد والإسماعيلية ودمياط ودمنهور وأسوان وحلوان وسائر أسماء المدن المصرية التي، لحقبة غير بعيدة خلت، شعت بأنوار التحرر الوطني، وتجاوبت أصداء صوت جماهيرها بين المحيط والخليج، وجسدت في باندونغ وأكرا ونيودلهي وبلغراد وبكين طموحات شعوب العالم الثالث وآمالها بإزالة آثار الاستعمار وبإثبات حقها في الوجود.
اليوم، وبعد أربعين عاماً مريرة على انتكاسة مصر، ودخولها في ظل أنور السادات وبعده حسني مبارك في وهدة الانتقام من إنجازات ثورة 23 تموز / يوليو على صعيد التحرر السياسي والاجتماعي والقومي، يخرج المارد المصري من قمقمه، وتفيض شوارع مصر وحاراتها بتظاهرات مليونية أثبتت، بعد أن طما اليأس والبؤس، أن شعب مصر الذي حاولوا أن يقصروا همته على مطلب من نوع "عاوزين ناكل عيش"، أو من نوع "خدمنا القضية العربية وصار من حقنا أن نرتاح" مفعم بإرادة العودة إلى موقعه الريادي في بناء مجتمع تخفق فوقه رايات الكرامة والعزة، وفي خدمة قضايا التحرر في العالمين العربي والثالث.
من الطبيعي، والحالة تلك، أن يعقد مجلس الأمن القومي في أميركا جلسات مطولة للنظر في التطورات التي يشهدها الشارع المصري وفي الإجراءات اللازمة لتطويق هذه التطورات. وأن تتشكل خلايا الأزمات في "إسرائيل" وغيرها لأغراض مشابهة.
ومن الطبيعي أن يستدعى إلى واشنطن، مع بداية الثورة، قائد أركان الجيش المصري والعشرات من كبار الضباط المصريين، وأن يعودوا على جناح السرعة، في ظل تصاعد الثورة، دون أن تتحطم طائراتهم وتختفي آثارها فور إقلاعها من واشنطن، كما حدث مرة لأكثر من مئة من كبار الضباط المصريين، يوم كان الهم الأميركي والإسرائيلي مركزاً على تطهير الجيش المصري من قياداته التي تربت بين 1952 و1973 على حب مصر وعلى الرغبة في تحرير فلسطين. ومن الطبيعي، بعد أربعين عاماً من التغلغل الاستخباراتي الأميركي والإسرائيلي في أوصال مصر، ومن أعمال "التنسيق" المرادفة لتدريب أجهزة النظام المصري على إتقان وسائل الثورة المضادة... أن تتحرك الأيدي الخفية، وأن تتم تعبئة طوابير كاسري الثورات، وأن يجري تدعيمهم بأشقياء الحق العام الذين يخرجونهم من السجون ويأمرونهم بتشويه وجه الثورة.
ومن الطبيعي، في ظل ذلك كله، أن يطلق الرصاص الحي بقصد القتل على قلوب المصريين، وأن تشتعل النيران في أبنية مصر، وأن تختنق مدن مصر تحت دخان الحرائق وقنابل الغاز، وأن تنتهب المتاجر والمؤسسات والبيوت، وأن تكون عدسات التصوير جاهزة لالتقاط الصور المصطنعة ونشرها على أوسع نطاق في العالم بهدف إظهار ثورة مصر كما ولو أنها عمليات سلب ونهب وبلطجة.
ومن الطبيعي أن يستنفر أشباه حسني مبارك من الملوك والرؤساء ورؤساء السلطات ممن ينتظرهم مصير مشابه لمصيره، وأن يتصلوا به في تعبير صارخ عن معاداتهم لطموحات الشعب المصري.
كل ذلك طبيعي، لأن الحجر الذي تكسرت عليه أنياب أميركا و"إسرائيل" في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وسوريا وإيران وتركيا هو، في مصر، صخرة صلدة تحطم رأس المشروع الأميركي الإسرائيلي، بما لمصر من أهمية تاريخية وبشرية واستراتيجية من شأنها أن تقلب الموازين والمعادلات التي رزحت تحتها قضايا التحرر العربي والإسلامي منذ نكسة العام 1967.
على الثورة المصرية أن تعرف كيف تطهر الشارع المصري من المندسين والمخربين والإرهابيين الذين يعيثون فساداً في أرض مصر. وعليها أن تحترس من ألاعيب النظام الذي يحاول تجديد نفسه من خلال تعيين نائب للرئيس أو تشكيل حكومة من أعوان الرئيس.
وألا تقبل، في الوقت الذي يتقاطر فيه الطامحون من هنا وهناك لطرح أنفسهم بهذه الصورة أو تلك كمرشحين لزعامة مصر، بما هو أقل من انتقال كامل السلطة إلى العناصر الأمينة على مصر والتي تترجم أمانتها لمصر باستلهام الانتماء الوطني والقومي والإسلامي، لأن هذا الانتماء هو الوحيد القادر على إعادة مصر إلى ذاتها وإلى موقعها الريادي في الجغرافيا والتاريخ. 
على الثورة المصرية أن تثبت أن مصر "أم الدنيا" حقاً وحقيقة !
2011-01-31