ارشيف من :خاص

بعد مبارك... المواجهة مع واشنطن وتل أبيب معيار الانتصار!

بعد مبارك... المواجهة مع واشنطن وتل أبيب معيار الانتصار!
عقيل الشيخ حسين
ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن بمعنى أن التاريخ لا يعود إلى الوراء عندما تقول الشعوب كلمتها وتصر على تنفيذ إرادتها : عندما غصت شوارع طهران وغيرها من المدن الإيرانية بالمظاهرات المليونية الرافضة لوجود النظام الشاهنشاهي، لم يعدم النظام  وسيلة لتجميع بضع عشرات من الأشخاص وإنزالهم إلى الشارع في مظاهرة مضادة للثورة.
لكن تلك المظاهرة التي لم يتركز عليها غير اهتمام بعض عدسات التصوير بهدف الترويج الفاشل سلفاً لم تتكن أكثر ولا أقل من تحرك مثير للسخرية.
وبما أن الفشل أيضاً، إذا لم نقل الكفر، أمة واحدة، لم تعف بقايا النظام المصري نفسها من إثارة السخرية عندما جندت بضع عشرات من "المحفلطين المزفلطين" على ما قاله، قبل عقود من الزمن، أحد أفضل المعبرين عن ضمير مصر، الشاعر الشعبي المصري الكبير، أحمد فؤاد نجم، وأطلقه صيحة بصوته الراعد بالغضب ابن مصر البار، المرحوم الشيخ إمام... ليهتفوا بشعارات تعلن الولاء لحسني مبارك.
لكن تظاهرة الثلاثاء التي كان من المتوقع لها أن تحشد مليون مصري، والتي حشدت رغم منع التجول وقطع طرق المواصلات أكثر من مليوني متظاهر غص بهم ميدان التحرير وفاض بهم ما يحيط به من شوارع وحارات، قالت بالصوت الهادر بأنها تريد رحيل حسني مبارك.
ومع هذا فإن انخفاض منسوب الحياء عند بقايا نظام تقول له الملايين في ميادين التحرير في القاهرة وغيرها من المدن المصرية بأن عليه أن يرحل، زين له اللجوء إلى المماحكة السمجة : بعض المتكلمين باسمه قالوا بأن مليوني ميدان التحرير لا وزن لهم بالقياس مع 78 مليون مصري لم يخرجوا إلى الشوارع.
ألا يفترض، إذا كان الأمر كذلك، أن يتأخر رحيل حسني مبارك الذي أصبح متوقعاً بين لحظة وأخرى ؟ ربما قبل أن تكنس الجماهير الأسلاك الشائكة التي تحيط بقصره في مصر الجديدة ؟
لقد أصبح حسني مبارك شيء من ماضي مصر. ومن الآن فصاعداً، وسواء تطلبت عودة الاستقرار إلى مصر أياماً أو أسابيع بعد الانتصار الناجز، فإن ثورة الشعب في مصر قد دخلت في صراعها الحتمي، وإن بشكل غير معلن، مع العدو الأكبر : أميركا و"إسرائيل".
لأن ما يجري في مصر هو في الحقيقة ثورة على أميركا و"إسرائيل" لجهة أن حسني مبارك، شأنه شأن سلفه أنور السادات، لم يكن أكثر من أداة في يد المشروع الأميركي ـ الصهيوني.
لقد بات من أدبيات العلاقات الدولية أن يطلق المسؤولون في هذا البلد أو ذاك تصريحات للمجاملة أو للعزاء عندما يحدث حدث كبير في بلد ما، دون أن يخرجهم ذلك عن موقف الحياد وعدم التدخل.
لكن الأميركيين والإسرائيليين ـ وهذا دليل على أن ما يجري الآن في مصر هو ثورة على أميركا و"إسرائيل" ـ  يطرحون أنفسهم كطرفين في يسمونه بالأزمة التي تعيشها مصر.
بنيامين نتنياهو يقول : "يجب" على أي حكومة مصرية أن تحترم اتفاقية السلام، ويستنجد بالأسرة الدولية للعمل في هذا الاتجاه، ويعرب عن خشيته من أن يقوم في مصر نظام شبيه بالنظام الإسلامي في إيران... وهنالك كلام عن "سماح" الإسرائيليين لنظام حسني مبارك بإرسال 800 جندي مصري إلى سيناء، وعن انتشار للجيش الإسرائيلي على الحدود المصرية.
أما الأميركيون فقد تظاهروا، بعد كل الدعم الذي قدموه لمبارك وسلفه طيلة أربعين عاماً، بأنهم بحملون العصا من الوسط... بين صديقهم مبارك والشعب المصري. وأرسلوا المبعوثين والسفراء إلى مصر في بادرة لم يفعل مثلها أحد غيرهم.  وأطلق كبار مسؤوليهم تصريحات ألمحوا فيها إلى أن اللجوء إلى القوة قد يصبح أمراً ضرورياً ظناً منهم أن الجيش المصري سيتلقف هذه التلميحات ويطلق النار على المتظاهرين.
وعندما لاحظوا، بعد مساعيهم الظاهرة والخفية أن قدرتهم على التأثير قد اضمحلت، أسقط في يدهم وختموا موقفهم بعبارة مفادها أن التنحي هو الخدمة الأخيرة التي يمكن لمبارك أن يقدمها لمصر.
يريدون الآن انتقالاً سلساً للسلطة، ويأملون -خلافاً لمسار الثورة- أن تكون لهذا الانتقال مفاعيل الانتقال الشرس الذي اعتادوا على فرضه بقوة الأساطيل وأجهزة المخابرات، يوم كانت إمبراطوريتهم ما تزال قادرة على فرض إملاءاتها على الشعوب، قبل هزيمتها في الحرب الفاشلة التي أعلنوها على ما أسموه بالإرهاب.
وأهدافهم المعلنة هي المحافظة على السلام مع "إسرائيل"، وتأمين طريق الإمدادات بالنفط عبر قناة السويس، والحيلولة دون قيام نظام قد يفضي قيامه إلى زعزعة الاستقرار عند منابع النفط الخليجي.
أما بخصوص الشعب المصري ومطالبه الاجتماعية فيكتفون بالكلام المبهم لأنهم يعلمون أن الشعب المصري لن يتخلى عن حقه بالخبز والحرية لقاء الملياري دولار التي تدفعها واشنطن سنوياً كمساعدات جلها من النوع العسكري المخصص لقمع التحركات الشعبية.
بكلام آخر، أياً يكن شكل الحكم الذي سيقوم في مصر، على افتراض قدرة الأميركيين على اقتطاع حصة فيه بشكل أو بآخر، فإن ذلك الحكم لن يكون قادراً على إخراج مصر من حالة الدمار الذي ألحقه نظاما مبارك والسادات باقتصادها، وعلى مسح الإهانة التي وجهها هذان النظامان لضمير مصر، إلا إذا اعتمد سياسة من غير النوع الملائم لمصالح واشنطن وتل أبيب.
والحقيقة، أن الثورة المصرية ـ شأنها شأن الثورة التونسية وما سبقها وما سيتبعها من ثورات مشابهة في المنطقة ـ هي رد على سياسات التخريب وقهر الشعوب التي مارسها الأميركيون والصهاينة من خلال الأنظمة طيلة العقود المنصرمة.
ولن يكون بوسعها أن تلعب دورها التحرري التاريخي إذا اقتصرت على إبعاد حسني مبارك ونظامه. لأن حجم التدخل الأميركي ـ الإسرائيلي يقتضي رداً مصرياً يرسم لباراك أوباما مصيراً مشابهاً للمصير الذي رسمته الثورة الإسلامية لخلفه الأسبق جيمي كارتر.
وعندما يصبح هذا التوجه معيار نجاح الثورة المصرية، فإن مسار الثورة نحو النصر المؤزر يصبح في حكم المؤكد.
2011-02-04