ارشيف من :ترجمات ودراسات
الثورة السورية : خارج الهامش الأميركي
بقلم: علي قاسم
لم يحصل يوماً أن وُجِدت واشنطن في مكان إلا وحلّت الفوضى، ولم يحصل يوماً أن ألحت على أمر إلا وكان هناك مصيبة خلفه، ولم تتدخل إلا كي تزيد «الطين بلة».
هذه هي حصيلة الوجود الأميركي في المنطقة، سواء كان سياسياً أم عسكرياً أم دبلوماسياً، وهذا هو تاريخ حضورها الملطخ بدماء الشعوب، والملتصق بمشاهد الآلام والكوارث، والأمر لم يقتصر على المنطقة، بل هو كذلك في طيف واسع من العالم.
وحين تتحرك الدبلوماسية الأميركية وتستنفر أركان البيت الأبيض وتنتقل عدوى التعبئة والتدخل السافر إلى الكونغرس، لا بد أن ننتظر ما هو أخطر، حيث تتحرك خيوط الأزمات لتكون الفوضى والمصائب والمزيد من آلام الشعوب..
تكثيف التدخل الأميركي في الشأن المصري، ورفع وتيرة الإملاءات شاهدا إثبات على أن الآتي بفصوله المباشرة وغير المباشرة يشي بالكثير مما لم يحصل بعد.
تتعدد المشاهد والطرق والأساليب، لكنها تتقاطع في المحصلة النهائية عند النقطة ذاتها التي تثير الخشية الأميركية، وتحرك قلقها من الآتي الذي قد يخرج عن سياق التناغم مع المصالح الأميركية ولا يستجيب للاحتياجات الإسرائيلية.
المعضلة الدائمة أن الأميركيين الذين يستنفرون أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي إلى حده الأقصى، لم تعلمهم التجربة، ولم يتعظوا من دروس الماضي وليس هناك ما يوحي أنهم بوارد ذلك اليوم.
ما غاب عن ذهنهم أن أدوات الماضي لا تصلح لعالم اليوم، والمتغيرات التي حفلت بها المنطقة تلغي الكثير من أوهام ترسخت، وتحولت بحكم الاستخدام المتكرر إلى جزء من منظومة فقدت أسباب وجودها.
وما غاب أيضاً أنهم بالغوا في اتكائهم على أرضيات توهموا أنها ثابتة، وإذ بها تموج من تحت أقدامهم دون أن يشعروا، واعتراف كلينتون بها لا يغير في واقع الحال.
فشل أميركا في تحقيق مرادها، لم يولد لديها بدائل سياسية كافية لإعادة رسم المشهد، وهزائمها السياسية لم تنفع معها تبديل الأدوات والوسائل والصيغ.
لذلك بدا الاستنفار الأميركي السياسي والدبلوماسي وحتى الاقتصادي جزءاً من إشهار الإفلاس ومحاولة لتطويق هزيمة لاحت بوادرها في الأفق المصري، فجرته شوارع القاهرة والإسكندرية، والسويس وغيرها على امتداد أرض مصر.
ارتجاج المشهد في العيون الأميركية يعني مزيداً من التخبط السياسي لن ينفع معه أمر العمليات الإسرائيلي بمحاصرة ما يجري.
وارتجاج المشهد يعني أيضاً مزيداً من الارتباك في الرؤية الأميركية، ومساحة أخرى لتراكم الأخطاء.. وإذا كان الخطر قائماً دائماً في التحرك الأميركي حيثما توجه، فإن الخطر أكبر في التدخل المباشر بالتفاصيل، وفي الأجندة السياسية التي يحملها.
وكلما أمعنت واشنطن في تكثيف ضغوطها، بدت سلة الأخطاء أكبر وحجم المعادلات والحسابات المتبدلة أوضح.
ليس هناك من يشك بأن المشهد المفتوح على بوابات يتحكم فيها المجهول يؤشر إلى واقع متحرك يصعب الجزم باتجاهاته، لكنه في الحصيلة يحمل في طياته بوادر خلاص حقيقي من ربق الهوس الأميركي في التلاعب بمصائر الشعوب التي تريد اليوم أن تكتب خارج الهامش الأميركي، وبلغة بعيدة كل البعد عن مفردات الهيمنة.
وأي قسر عليها لا بد أن يولد المزيد من النفور السياسي والشعبي الذي تترجمه حكايات الشارع المصري بمدنه وقراه وبساحاته وأزقته..!.