ارشيف من :خاص
من جوانب الحرب الأميركية على الثورة المصرية
عقيل الشيخ حسين
يبدو أن الولايات المتحدة قد انتقلت في تعاملها مع أحداث مصر من الكيل بمكيالين الذي يميز سياسات الهيمنة المتحيزة تحت عناوين الحرية والديموقراطية، إلى الكيل بمكيال واحد ظاهره الدفاع عن حقوق المتظاهرين المصريين وباطنه تشجيع حسني مبارك على المضي قدماً في دعمها لشريكها العريق حسني مبارك.
صحيح أن مبارك وأعوانه رفضوا الدعوات الخارجية المطالبة بانتقال السلطة، وهي الدعوات التي تقاطرت من معظم المسؤولين الدوليين والغربيين سواء كانوا في الحكم أو المعارضة، ولكنهم لم يرفضوا استقبال عشرات الخبراء الأميركيين والغربيين والإسرائيليين المتخصصين في قمع التحركات الشعبية وفق تسريبات خرجت من بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
غداة الخطاب الذي ألقاه حسني مبارك في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، والذي ظن البعض أنه سيكون خطابه الأخير قبل تخليه عنى السلطة استجابة منه للدعوات بالتنحي التي وجهها إليه نظراؤه الغربيون، تصرف مبارك بشكل يتناقض مع روح تلك الدعوات. ما يترك مجالاً واسعاً للاعتقاد بأن مبارك يتلقى إلى جانب الدعوات المعلنة التي يراد منها ذر الرماد في العيون، تعليمات أخرى، سرية. وأن هذه التعليمات هي التي جسدتها أعمال العنف التي مارسها البلطجية، أي جلاوزة النظام ورجال الأمن الذين هاجموا المدنيين وهم يرتدون ثياباً مدنية.
ومع فشل أعمال القمع، وفي الوقت الذي كانت جماهير الشعب المصري تتهيأ لصلاة الجمعة، انتشرت الأخبار عن ملاحقة الصحافيين ومنع آلات التصوير من الاقتراب من ميدان التحرير. وجاء تفسير هذا الإجراء من واشنطن على لسان مسؤولين أميركيين توقعوا أن ما يجري قد يكون تمهيداً لمذابح واسعة النطاق قد ترتكب بحق المتظاهرين.
وبهذا يكون الأميركيون، لا النظام المصري، هم من فتح هذه الجبهة من جبهات الحرب النفسية الإرهابية الهادفة إلى إسداء خدمة كبرى لنظام حسني مبارك عبر السعي إلى ترويع المتظاهرين ودفعهم إلى الكف عن التظاهر والعودة إلى بيوتهم خوفاً من المذابح.
حرب نفسية وحسب لأن اليوم التالي شهد، خلافاً للتعتيم الإعلامي والمذابح، تغطية إعلامية واسعة للتظاهرات، إضافة إلى انخفاض ملموس في منسوب العنف بالمقارنة مع اليوم السابق الذي سجل فيه سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.
بالطبع، كان يمكن لخبراء الحرب النفسية والجسدية أن يكلفوا شركة أمنية أو زمرة من البلطجية بارتكاب مذبحة بحق المتظاهرين. لكنهم لم يفعلوا. لا بسبب خصوبة مشاعرهم الإنسانية، وهم من هم بتاريخهم وحاضرهم الحافل بالمجازر وأعمال الإبادة التي لا نكاد نجد بلداً في العالم، إلا واكتوى بنيرانها ... ابتداء بسكان أميركا الأصليين وانتهاءً بأفغانستان والعراق بعد المرور بهيروشيما وفييتنام، إلى آخر السلسلة.
لم يفعلوا لأنهم يعلمون أن الإقدام على ذلك ينطوي على مجازفة خطيرة أقل مفاعيلها- فيما لو لم تدفع الجماهير نحو الإسراع في الحسم الذي قد لا يكون "سلساً"- أنها قد تنسف كل ما يبذله المسؤولون الأميركيون من جهود، في حال استحالة إبقاء مبارك على عرش مصر، من أجل انتقال السلطة إلى جيب آخر من جيوب النظام، في ظل مزاعم الاستجابة لمطالب الثورة المصرية التي يحصرونها بحكومة انتقالية تشرف على تنظيم انتخابات ديموقراطية يمكن عبر انتظارها والغرق في دهاليزها إطفاء جذوة الثورة.
لكن رهانهم على الحرب النفسية ما يزال قائماً. وآخر التطورات في هذا المجال، وفي الوقت الذي يصر فيه الشعب المصري على رفض التفاوض قبل تخلي مبارك عن الحكم، انبرى الرئيس الأميركي نفسه، بعد نفر غفير من كبار المسؤولين الأميركيين، إلى خوض غمار المعركة عبر الإدلاء بتصريح قال فيه بأن المفاوضات قد بدأت في مصر حول تفاصيل انتقال السلطة.
والبحث في "التفاصيل" يعني أن شوطاً طويلاً من المفاوضات قد توصل إلى الاتفاق على الأساسيات، وكل ذلك من وراء ظهر الشعب المصري الذي يراد له، من خلال هذا التسميم الإعلامي، أن يفقد الثقة بقياداته، وأن يبث الشكوك والتوجسات بين هذه القيادات على أمل تفكيكها على طريق إجهاض الثورة.
وإذا كان بعض الطامحين إلى الحكم ممن يطرحون أنفسهم كمفاوضين أو متكلمين باسم الشعب المصري قد انغمسوا فعلاً في مفاوضات مع النظام الذي لا يزال حتى الآن نظام حسني مبارك، فإنهم يحكمون على أنفسهم بمشاركة حسني مبارك في مصيره.
لكن الرئيس الأميركي غالط نفسه عندما حذر، بعد إدلائه بذلك التصريح، من أن مصر قد تشهد اضطرابات خطيرة في حال عدم الإسراع في نقل السلطة، لأن المفاوضات المزعومة التي قال بأنها وصلت إلى البحث في التفاصيل يعني أن الانتقال المنشود قد أصبح في متناول اليد.
إنه الارتباك المفتوح على الهلع الذي أصبح سمة غالبة على السياسات الأميركية نتيجة لإخفاقها في كل ما شنته من حروب، وما حبكته من مؤامرات، وما مارسته من ضغوط وفرضته من عقوبات على بلدان العالم العربي والإسلامي وقواه الحية.
وعندما تقحم الولايات المتحدة نفسها بكل هذه الحدة في الشأن المصري، فإنها تدلل على مدى عدائها للشعب المصري وثورته، وهو العداء الذي لا يمكن لثورة الشعب المصري إلا أن تأخذه بعين الاعتبار من أجل التصويب الصحيح على الأهداف.
والكلام على الولايات المتحدة ينسحب على الكيان الإسرائيلي المفجوع، على لسان أحد مسؤوليه، إزاء الخطر الذي تشكله الثورة المصرية على هذا الكيان، وعلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تلك المحكمة التي تعقد عليها "إسرائيل" آمالها الخائبة كملاذ أخير في ظل الانهيارات التي تشهدها ساحة حلفائها من عرب الاعتدال والشراكة مع أميركا والكيان الصهيوني.
يبدو أن الولايات المتحدة قد انتقلت في تعاملها مع أحداث مصر من الكيل بمكيالين الذي يميز سياسات الهيمنة المتحيزة تحت عناوين الحرية والديموقراطية، إلى الكيل بمكيال واحد ظاهره الدفاع عن حقوق المتظاهرين المصريين وباطنه تشجيع حسني مبارك على المضي قدماً في دعمها لشريكها العريق حسني مبارك.
صحيح أن مبارك وأعوانه رفضوا الدعوات الخارجية المطالبة بانتقال السلطة، وهي الدعوات التي تقاطرت من معظم المسؤولين الدوليين والغربيين سواء كانوا في الحكم أو المعارضة، ولكنهم لم يرفضوا استقبال عشرات الخبراء الأميركيين والغربيين والإسرائيليين المتخصصين في قمع التحركات الشعبية وفق تسريبات خرجت من بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
غداة الخطاب الذي ألقاه حسني مبارك في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، والذي ظن البعض أنه سيكون خطابه الأخير قبل تخليه عنى السلطة استجابة منه للدعوات بالتنحي التي وجهها إليه نظراؤه الغربيون، تصرف مبارك بشكل يتناقض مع روح تلك الدعوات. ما يترك مجالاً واسعاً للاعتقاد بأن مبارك يتلقى إلى جانب الدعوات المعلنة التي يراد منها ذر الرماد في العيون، تعليمات أخرى، سرية. وأن هذه التعليمات هي التي جسدتها أعمال العنف التي مارسها البلطجية، أي جلاوزة النظام ورجال الأمن الذين هاجموا المدنيين وهم يرتدون ثياباً مدنية.
ومع فشل أعمال القمع، وفي الوقت الذي كانت جماهير الشعب المصري تتهيأ لصلاة الجمعة، انتشرت الأخبار عن ملاحقة الصحافيين ومنع آلات التصوير من الاقتراب من ميدان التحرير. وجاء تفسير هذا الإجراء من واشنطن على لسان مسؤولين أميركيين توقعوا أن ما يجري قد يكون تمهيداً لمذابح واسعة النطاق قد ترتكب بحق المتظاهرين.
وبهذا يكون الأميركيون، لا النظام المصري، هم من فتح هذه الجبهة من جبهات الحرب النفسية الإرهابية الهادفة إلى إسداء خدمة كبرى لنظام حسني مبارك عبر السعي إلى ترويع المتظاهرين ودفعهم إلى الكف عن التظاهر والعودة إلى بيوتهم خوفاً من المذابح.
حرب نفسية وحسب لأن اليوم التالي شهد، خلافاً للتعتيم الإعلامي والمذابح، تغطية إعلامية واسعة للتظاهرات، إضافة إلى انخفاض ملموس في منسوب العنف بالمقارنة مع اليوم السابق الذي سجل فيه سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.
بالطبع، كان يمكن لخبراء الحرب النفسية والجسدية أن يكلفوا شركة أمنية أو زمرة من البلطجية بارتكاب مذبحة بحق المتظاهرين. لكنهم لم يفعلوا. لا بسبب خصوبة مشاعرهم الإنسانية، وهم من هم بتاريخهم وحاضرهم الحافل بالمجازر وأعمال الإبادة التي لا نكاد نجد بلداً في العالم، إلا واكتوى بنيرانها ... ابتداء بسكان أميركا الأصليين وانتهاءً بأفغانستان والعراق بعد المرور بهيروشيما وفييتنام، إلى آخر السلسلة.
لم يفعلوا لأنهم يعلمون أن الإقدام على ذلك ينطوي على مجازفة خطيرة أقل مفاعيلها- فيما لو لم تدفع الجماهير نحو الإسراع في الحسم الذي قد لا يكون "سلساً"- أنها قد تنسف كل ما يبذله المسؤولون الأميركيون من جهود، في حال استحالة إبقاء مبارك على عرش مصر، من أجل انتقال السلطة إلى جيب آخر من جيوب النظام، في ظل مزاعم الاستجابة لمطالب الثورة المصرية التي يحصرونها بحكومة انتقالية تشرف على تنظيم انتخابات ديموقراطية يمكن عبر انتظارها والغرق في دهاليزها إطفاء جذوة الثورة.
لكن رهانهم على الحرب النفسية ما يزال قائماً. وآخر التطورات في هذا المجال، وفي الوقت الذي يصر فيه الشعب المصري على رفض التفاوض قبل تخلي مبارك عن الحكم، انبرى الرئيس الأميركي نفسه، بعد نفر غفير من كبار المسؤولين الأميركيين، إلى خوض غمار المعركة عبر الإدلاء بتصريح قال فيه بأن المفاوضات قد بدأت في مصر حول تفاصيل انتقال السلطة.
والبحث في "التفاصيل" يعني أن شوطاً طويلاً من المفاوضات قد توصل إلى الاتفاق على الأساسيات، وكل ذلك من وراء ظهر الشعب المصري الذي يراد له، من خلال هذا التسميم الإعلامي، أن يفقد الثقة بقياداته، وأن يبث الشكوك والتوجسات بين هذه القيادات على أمل تفكيكها على طريق إجهاض الثورة.
وإذا كان بعض الطامحين إلى الحكم ممن يطرحون أنفسهم كمفاوضين أو متكلمين باسم الشعب المصري قد انغمسوا فعلاً في مفاوضات مع النظام الذي لا يزال حتى الآن نظام حسني مبارك، فإنهم يحكمون على أنفسهم بمشاركة حسني مبارك في مصيره.
لكن الرئيس الأميركي غالط نفسه عندما حذر، بعد إدلائه بذلك التصريح، من أن مصر قد تشهد اضطرابات خطيرة في حال عدم الإسراع في نقل السلطة، لأن المفاوضات المزعومة التي قال بأنها وصلت إلى البحث في التفاصيل يعني أن الانتقال المنشود قد أصبح في متناول اليد.
إنه الارتباك المفتوح على الهلع الذي أصبح سمة غالبة على السياسات الأميركية نتيجة لإخفاقها في كل ما شنته من حروب، وما حبكته من مؤامرات، وما مارسته من ضغوط وفرضته من عقوبات على بلدان العالم العربي والإسلامي وقواه الحية.
وعندما تقحم الولايات المتحدة نفسها بكل هذه الحدة في الشأن المصري، فإنها تدلل على مدى عدائها للشعب المصري وثورته، وهو العداء الذي لا يمكن لثورة الشعب المصري إلا أن تأخذه بعين الاعتبار من أجل التصويب الصحيح على الأهداف.
والكلام على الولايات المتحدة ينسحب على الكيان الإسرائيلي المفجوع، على لسان أحد مسؤوليه، إزاء الخطر الذي تشكله الثورة المصرية على هذا الكيان، وعلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تلك المحكمة التي تعقد عليها "إسرائيل" آمالها الخائبة كملاذ أخير في ظل الانهيارات التي تشهدها ساحة حلفائها من عرب الاعتدال والشراكة مع أميركا والكيان الصهيوني.