ارشيف من :آراء وتحليلات

ثروات مبارك وبن علي وعائلتهما ونظام المراقبة العالمية لأموال المواطنين: تواطؤ او غض طرف؟

ثروات مبارك وبن علي وعائلتهما ونظام المراقبة العالمية لأموال المواطنين: تواطؤ او غض طرف؟
عبد الحسين شبيب

كاتب هذه السطور مثله مثل اي مواطن عربي او مسلم الى اي جنسية انتمى ملزم بان يقدم اثباتا خطياً قانونياً ومعترف به عن كيفية حصوله على مبلغ وقدره عشرة آلاف دولار اميركي وما فوق يريد ان يضعه نقدا في حسابه في اي مصرف محلي او خارجي. وعندما يودع المبلغ في حسابه تتحرك شبكة المعلومات الدولية بين البنك المحلي والمصارف العالمية لفحص حركة اموال المودع بدعوى انها يمكن ان تكون جزءا من عملية "تمويل الارهاب العالمي". تم سن هذا القانون واعتماده في النظام المصرفي العالمي برعاية الامم المتحدة كجزء من الحرب المزعومة على الارهاب. وتحت هذا العنوان اصبحت ودائع اي مواطن عربي ومسلم من عشرة آلاف دولار وما فوق محل مراقبة ليس فقط محلية انما عالمية ايضاً تبدأ من بلده الاصلي ولا تنتهي في نيويورك.

مناسبة هذا الكلام هو الاخبار المهولة التي تم تداولها منذ ثورة الياسمين في تونس الى ثورة مصر المستمرة حالياً. ارقام كبيرة تحدثت عن ثروات ضخمة تم جمعها فقط من خلال ممارسة مجموعة اشخاص للسلطة في بلادهم. اعتبرت هذه الارقام احد اوجه الفساد الذي شكل مع القمع السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي الثلاثية التي اتكأت عليها حركة الاعتراض الشعبي في تونس ومصر وحاليا ليبيا ودول عربية اخرى. واذا كان الفساد محل تنديد مستمر من جمعيات محلية واقليمية ودولية ونقيض عنيف للنظم الديمقراطية فان ما حصل مؤخراً بين منسوب الدجل العالمي حول نشر هذه الاخيرة المسماة ديمقراطية، التي تم العبث بتعريفها الى اقصى الحدود وتم تكييف هذه التعريفات بحسب متطلبات مصالح الدول التي تزعم قيادة عملية نشرها في العالم. في راس هذه القيادة تقف اليوم الولايات المتحدة، ليتبين لاحقا ان هذا البلد المهووس بنشر نظرية حكم الشعب وممارسة حرياته هي التي ترعى اعتى الانظمة القمعية في العالم، وبينها العالم العربي، ومثال تونس ومصر افصحا عن فضائح تحتاج البشرية الى عقود لهضمها.
مثلا الثروات التي جمعها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي وافراد عائلتها والفريق المقرب من بن علي بينت ان هناك رعاية خارجية لعملية النهب المنظم لثروة الشعب التونسي فضلا عن رعاية عملية قمع حرياته ومنعه من ممارسة حقوقه الاساسية في المشاركة بادارة شؤونه وانتخاب ممثليه.

ارقام كبيرة تظهرت في الايام الاخيرة لحكم هذه المجموعة الفاسدة تحدثت عن مبالغ بمليارات الدولارات جمعت طيلة الفترة التي تولى فيها بن علي الحكم وختمت بخبرين كبيرين تصدرا وسائل الاعلام العالمية، الاول يقول ان زوجة بن علي اخذت معها قبل مغادرتها البلاد ما مجموعه طن ونصف الطن من الذهب من بنك تونس المركزي، وهو ما اكده مجلس الذهب العالمي عندما تحدث عن فقدان هذا الوزن من الذهب من اصل 6 اطنان وثمانمئة كيلوغرام من سبائك الذهب قدر وجودها في البنك المركزي التونسي في كانون الاول الماضي. وثبت هذه الوقائع ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية عن اشتباه"قصر الاليزيه بان عائلة بن علي هربت من تونس ومعها طن ونصف الطن من الذهب"، وذلك استنادا الى تقاطع معلومات لأجهزة الاستخبارات الفرنسية". وتظهر رواية اجهزة الاستخبارات الفرنسية حجم الوقاحة في سرقة المال العام التونسي في وضح النهار حيث قالت ان ليلى الطرابلسي "زارت البنك المركزي بنفسها لاخذ سبائك الذهب"، وان زوجها بن علي تحدث مباشرة مع حاكم هذا المصرف لكي يعطيها ما تريد لتفر بها جوا الى دبي ومن هناك الى جدة.
الخبر الثاني قال ان بن علي نفسه غادر ومعه ما مجموعه عشرة مليارات يورو نقداً.

مظاهر منظومة الفساد التونسية موثقة وتشمل تبييض الاموال واستخدام ممتلكات عامة لاغراض شخصية. ويحفل الشارع التونسي بوقائع كثيرة ابصرت النور مؤخرا في ريعان ثورة الياسمين ليطلع الراي العام الغربي على واحدة من اسوأ مظاهر الاستيلاء على ثروات بلاد باكملها.

اما في مصر فانتهت مسيرة ثلاثين عاما من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك الى تجميع ثروة قدرتها المصادر الغربية المتعددة الجنسيات بنحو سبعين مليار دولار موزعة عليه وعلى زوجته سوزان ونجليه علاء وجمال، الجزء المالي منها مودع في كبريات المصارف العالمية باسماء الاربعة مباشرة وليس مواربة عبر اسماء وهمية، والجزء العيني منها اسهم وشركات وعقارات في الداخل والخارج. والوقائع المنشورة ايضا تتحدث باسهاب عن كيفية استغلال السلطة لتجميع هذا المبلغ والاستيلاء على املاك عامة وفرض خوات واجبار المستثمرين على دفع نسب لافراد عائلة الرئيس وغيرها من الاساليب المبتكرة في النهب والاحتيال، وكل هذه العمليات القذرة تجري تحت ضوء الشمس ومردودها المالي يحركه مبارك وعائلته اينما شاءوا وفي اي بلد وامام شاشات المراقبة التي تقوم بها الاجهزة المختصة بمكافحة الفساد او بمكافحة الارهاب، دون ان يطرح احد من الخبراء الماليين المعتمدين في دولة الوصاية الاميركية عن كيفية تجميع ثروات بهذا الحجم فقط من خلال ممارسة السلطة السياسية وليس ممارسة التجارة، علما ان كبار الاغنياء في العالم ممن اجتهدوا في جني الاموال لم يحققوا طيلة عمرهم ما حققته هاتين العائلتين السياسيتين في تونس ومصر وبهذه السهولة.

مظاهر عديدة موجودة في العالم العربي ليس يتم غض النظر عنها بل يتم رعايتها. المعارض الاردني ليث شبيلات تحدث في مقابلة تلفزيونية مؤخرا معه عن الشراكة القائمة بين الملك الاردني عبد الله الثاني ونجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي يقوم باستثمار منطقة عقارية ضخمة على شكل مدينة في العاصمة الاردنية عمان، اذ تم بيعه المتر المربع الواحد بثلاثمئة دينار اردني فيما شركته تبيع المتر المربع الواحد اليوم بثلاثين الف دينار اردني. العملية شبيهة بنتائجها بما حصدته شركة سوليدير التي دفعت لاصحاب الاملاك الخاصة بضع دولارات ثمنا لعقارتهم وباتت اثمانها اليوم بملايين الدولارات، وهو امر ضجت وسائل الاعلام اللبنانية من الحديث عنه دون نتيجة. وكما هو معروف فانه تم تاخير انشاء المجلس الدستوري في لبنان ريثما ابصر قانون سوليدير النور، ونزعت عن المجلس الدستوري صلاحية النظر بالقوانين بمفعول رجعي ما اتاح تنفيذ اكبر عملية استيلاء غير مشروعة على املاك المواطنين لصالح مواطنين آخرين وباثمان بخسة، فيما نص الدستور ينص صراحة على منع استملاك اي املاك خاصة الا للمنفعة العامة، اي للدولة، وليس لافراد.

اليوم يضج لبنان بالحديث عن 11 مليار دولار ضائعة من حسابات الخزينة اللبنانية ولا يعرف كيف تم انفاقها، وقد اشترط الرئيس سعد الحريري انجاز تسوية لها في اطار اي حل للازمة الراهنة يريد ان يكون جزءا منه، ليتم اسدال الستار على واحدة من اقذر عمليات وضع اليد مباشرة على مال المواطنين من خزينتهم.

هل ما تقدم من امثلة واقعية وفاضحة يكفي لكي لا تنطوي على احد بعد اليوم ما يسمى حروب مكافحة الفساد ومكافحة الارهاب، بعدما تبين ان هذا النظام العالمي السياسي والمصرفي الذي تديره واشنطن يغض النظر بل يتواطأ في عمليات سرقة كبيرة لثروات شعوب باكملها، ويسمح باستثمار الاموال المسروقة وتحريكها كيفما يشاء السارقون ودون اي رقابة، فيما اي مواطن عربي ومسلم يجني مبلغا من المال بعرق جبينه يتعين عليه تقديم اثبات خطي انه من تعبه؟ وهل يبرئ ذمة الاتحاد الاوروبي وغيره من الدول ما يزعمونه من لوائح وتجميد ودائع ام ان حجم الفضيحة يمكن ان يطال قيادات كبيرة في العالم الغربي. لا ينبغي ان تميط ثورتا تونس ومصر فقط اللثام عن سنوات القمع والارهاب السياسي بل ان تعري شبكة هذا القمع المحلي المدعوم خارجياً، والذي واكبته واشنطن بقمع لرغبة اي شعب بالتحرر ولعل وصمها حركات المقاومة بالارهاب اكبر دليل على هذا التواطؤ.
2011-02-22