ارشيف من :خاص

هل يحاكم القضاء اللبناني الطاغية القذافي في قضية السيد المغيّب قبل سقوط النظام الليبي؟

هل يحاكم القضاء اللبناني الطاغية القذافي في قضية السيد المغيّب قبل سقوط النظام الليبي؟
عادت قضية الإمام المغيّب السيد موسى الصدر الى الواجهة مجددا في ضوء تطورات الأحداث الجارية في ليبيا، ومعها تجددت الأمال لدى قلوب اللبنانيين والمحبين بامكانية حسم مصير الإمام الصدر ورفيقيه بعد غياب دام لثلاث وثلاثين عاماً، في وقت ترد فيه الكثير من المعلومات المتضاربة وغير المؤكدة رسميا بين قائل بأن السيد ورفيقيه لا زالوا على قيد الحياة وموجودون في السجون الليبية، وقائل بأنه تم تصفيتهم جسديا بمجرد وصولهم الى طرابلس الغرب.
الضبابية إذا هي سر الموقف في المعلومات الواردة من ليبيا حول قضية شغلت الكثير من الأوساط اللبنانية والعربية، الاسلامية والمسيحية، وفي هذا الإطار، نقلت إحدى الصحف العربية مؤخرا عن الرائد عبد المنعم الهوني أحد أبرز رفاق الطاغية معمر القذافي القدامى وشريكه في حركة الفاتح من "أيلول 1969" والذي كان وزيرا للداخلية والخارجية ومديرا للمخابرات حينذاك أن الإمام المغيّب السيد موسى الصدر قتل خلال زيارته الشهيرة الى ليبيا ودفن في منطقة "سبها" جنوب البلاد".
إلا أن مصدر دبلوماسي ليبي إنشق عن نظام القذافي كشف مؤخرا أن السيد موسى الصدر ما زال على قيد الحياة وأنه في عهدة الأجهزة الليبية وفي مكان خاص جدا. ونقل موقع "الجزيرة تايمز" عن الديبلوماسي المنشق، أن ملف السيد موسى الصدر ورفيقيه في يد العقيد القذافي شخصيا وثلاثة أشخاص من دائرة نظامه الضيقة.
هل يحاكم القضاء اللبناني الطاغية القذافي في قضية السيد المغيّب قبل سقوط النظام الليبي؟من جهتها، كشفت قناة "المنار" عن تسجيل قديم للرئيس الليبي معمر القذافي يتحدّث فيه عن إختفاء الإمام موسى الصدر ويقول فيه: "هذا إختفى لا نعرف كيف إختفى، يا ريت نعرف من الجهة التي تتحمّل المسؤولية، فقدناه من جهة وشوّه سمعة ليبيا، يعني إختفى وشوّه صورة ليبيا".
بدورها، ذكرت قناة "العالم" التي تغطّي الثورة الليبية مؤخرا أن طائرة صغيرة نقلت شخصًا يشبه الى حدّ كبير الامام السيد موسى الصدر، من دون الاشارة الى وجهة الطائرة.
إذن فالغموض سيد الموقف بشأن مصير السيد المغيب، وفي هذا السياق أكدت مصادر مقربة جداً من السيدة رباب الصدر أنه "لا يوجد أية معطيات حتى الآن".
وأشارت المصادر إلى أن "هناك متابعة حثيثة للموضوع وأن آل الصدر بإنتظار أخبار ومعلومات أكثر عن مصير الإمام الصدر ورفيقيه". ولفتت المصادر إلى أن "السيدة رباب الصدر وآل الصدر لا يريدون الحديث الآن لأنهم لا يملكون معطيات مؤكدة، وهم لا يبغون فقط الظهور الإعلامي، وبالتالي يجب على الجميع أن يقدّروا شعور العائلة في هذا الظرف الصعب".
حسن يعقوب: كلام عبد المنعم الهوني عن مقتل الإمام الصدر هو لتبرئته
من جهته، نفى نجل الشيخ محمد يعقوب النائب السابق حسن يعقوب في حديث لـ"الانتقاد"، كلام الرائد عبد المنعم الهوني أحد أبرز رفاق الطاغية معمر القذافي القدامى عن أن الامام المغيّب السيد موسى الصدر قتل خلال زيارته الشهيرة الى ليبيا ودفن في منطقة "سبها" جنوب البلاد"، مؤكداً ان "كلام الهوني هو لتبرئته من قضية تغييب الإمام الصدر ورفيقيه"، ومشيرا الى أن "الصحيفة التي نقلت الخبر حاولت من خلال ذلك إجراء سبق صحافي وهي بالفعل باعت جميع أعدادها الصادرة قبل الساعة 12 ظهراً".
وأشار يعقوب الى مدى حساسية التعاطي الإعلامي مع قضية الإمام المغيب ورفيقيه، قائلا :" نحن في وضع حساس جداً ويجب أن يكون الجميع على قدر المسؤولية لأن أولى الأولويات هي سلامتهم". مضيفا "نحن متحفظون في الحديث عن قضية تغييب الإمام الصدر ورفيقيه في هذه الأوقات الحرجة وليس هناك معلومات جديدة بشكل كبير". لافتا في الوقت ذاته الى أن "النظام الليبي عندما قام بهذه الجريمة قام بها بناءً لمصالح بعض الدول وبعض الأنظمة التي أظهرت ثورة الشعب الليبي تخليها عن القذافي، ما قد يكون رد فعل من قبل الأخير على ذلك يدفعه لكشف مصير الإمام الصدر ورفيقيه".
محاكمة القذافي أمام المحاكم اللبنانية
الى ذلك، ينتظر أن يشهد هذا الأسبوع بدء محاكمة الزعيم الليبي معمر القذافي في قضية تغييب الإمام الصدر ورفيقيه أمام المحاكم اللبنانية، وذلك بعدما حدد رئيس المجلس العدلي القاضي غالب غانم الرابع من آذار 2011 موعداً لبدء المحاكمات في القضية. وكان سبق للمحقّق العدلي القاضي سميح الحاج أن أصدر قراراً اتهامياً أحال بموجبه على المحاكمة أمام المجلس العدلي كلاً من الفارين من وجه.
إلا أن السؤال يبقى هل يتمكّن القضاء اللبناني من محاكمة القذافي في قضية السيد الصدر ورفيقيه قبل سقوط زعيم ليبيا (لمدة 42 عاما) بمحاكمة شعبه التي باتت قاب قوسين أو أدنى وبعدما باتت أقدام الثوار على عتبة آخر الحصون التي يختبئ بها "ملك ملوك افريقيا".
الإختفاء في ليبيا
يشار الى أن الإمام الصدر كان قد إختفى في ليبيا بعد أن وصل إليها بتاريخ 25/8/1978 يرافقه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، في زيارة رسمية، وبعد إنقطاع أخباره مع رفيقيه، والضجة الاعلامية التي أثيرت حول إختفاءه معهما، أعلنت السلطات الليبية بتاريخ 18/9/1978 أنهم سافروا من طرابلس الغرب مساء يوم 31/8/1978 إلى ايطاليا على متن طائرة إيطالية.
وأجرى القضاء الايطالي تحقيقاً واسعاً في القضية، وأبلغت الحكومة الإيطالية رسمياً، كلاً من الحكومة اللبنانية والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، وحكومة الجمهورية العربية السورية، وحكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية، أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الايطالية ولم يمروا بها "ترانزيت".
سيرته: عالم جليل
ويعتبر الإمام السيد موسى الصدر من كبار علماء المسلمين الشيعة في جبل عامل الذين إنخرطوا في العمل من أجل الإنسان وخيره. فلم يكتف الإمام الصدر بالنظريات والكلام المجرَّد بل عايش الناس وخاض في مشاكلهم.
ولد الإمام الصدر في 15 نيسان/ أبريل 1928م في مدينة "قم" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدارسها الحديثة، كما تلقى دراسات دينية في كلية "قم" للفقه. وتابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة طهران، وصار أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق في جامعة "قم" الدينية.
السيد الصدر في لبنان: مقاوم للعدو الصهيوني.. مؤسس للوحدة ونبذ الفتنة
قدم الإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان أول مرة سنة 1955، ليعود ويعيش فيه بعد وفاة الإمام المقدس السيد عبد الحسين شرف الدين، وكان سماحته من أوائل الذين ساهموا في إطلاق الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان، وتابع سماحته في لبنان الرعاية الدينية والخدمة العامة في صور وتحرّك في مختلف قرى جبل عامل ثم في قرى منطقة بعلبك ـ الهرمل، وعايش سكانها ومعاناتهم وحرمانهم. ودعا سماحته إلى نبذ التفرقة الطائفية باعتبار أن وظيفة الدين هي الاستقامة الأخلاقية.
الى ذلك، قاوم سماحته العدو الصهيوني وقاد حملة مطالبة من السلطات اللبنانية بتحصين قرى الحدود وتسليح أبناء الجنوب وتدريبهم للدفاع ووضع قانون خدمة العلم وتنفيذ مشاريع إنمائية في المنطقة.
تأسيس حركة المحرومين
بتاريخ 2/2/1974 أعلن الإمام الصدر عن معارضته للحكام المسؤولين في لبنان "لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين وواجب تعمير المناطق المتخلفة ويهددون بسلوكهم أمن الوطن وكيانه". ثم صعد الإمام الصدر حملته من أجل المحرومين، بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ 17/3/74 ومهرجان صور بتاريخ 5/5/74 اللذين ضم كل منهما أكثر من مائة ألف مواطن أقسموا مع الإمام "على أن يتابعوا الحملة، وأن لا يهدأوا إلى أن لا يبقى محروم في لبنان أو منطقة محرومة".
وهكذا ولدت " حركة المحرومين" التي رسم مبادئها الإمام الصدر بقوله: " إن حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله وبالإنسان وحريته الكاملة وكرامته. وهي ترفض الظلم الاجتماعي ونظام الطائفية السياسية. وتحارب بلا هوادة الاستبداد والاقطاع والتسلط وتصنيف المواطنين. وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان".
وكان السيد موسى الصدر أيضا خلف إنشاء مجلس يرعى شؤون الطائفة الإسلامية الشيعية أسوة بالطوائف الأخرى، وقد أتت دعوته نتائجها بإجماع نواب الطائفة الإسلامية الشيعية على تقديم إقتراح قانون بالتنظيم المنشود، أقره مجلس النواب بالاجماع في جلسة 16/5/67، وصدقه رئيس الجمهورية بتاريخ 19/12/1967، وبمقتضاه أُنشئ "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ليتولى شؤون الطائفة ويدافع عن حقوقها ويحافظ على مصالحها ويسهر على مؤسساتها ويعمل على رفع مستواها، وبتاريخ 69/5/23 انتخب الإمام السيد موسى الصدر أول رئيس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
علي مطر
2011-02-28