ارشيف من :ترجمات ودراسات
السنيورة .. القذافي المقنع
حسين حمية
ليس وحده معمر القذافي من يحفظ المقولة التي أهدرت عقودا من الزمن العربي "إما أنا أو الطوفان"، معظم الحكام العرب مصابون بهذا الداء، وإن تباينت أعراضه عليهم تبعا لظروف بلدانهم السياسية والاقتصادية. وقد التقط لبنان فيروس هذا الداء الذي لم تنفع معه مضادات ديمقراطيته الطائفية، ولا حاجة لإخضاع لبنان للفحوص المخبرية لتقصي تدهور صحته السياسية والوطنية، فيكفي النظر إلى خطاب قوى 14 آذار والذي أخذ في الانتفاخ والتورم لحدود تفجير البلد منذ خروج هذا الفريق من السلطة.
وإذا كان القذافي ترك الليبيين يغرقون في طوفان الرصاص والدم لأنهم ضاقوا ذرعا من دولته التي لم يفهموا كوعها وبوعها ولم يصدقوا نظرياته التافهة والمضحكة التي جرت عليهم الفقر والقهر، فإن فريق 14 آذار بقيادته الفعلية المؤلفة من الثنائي فؤاد السنيورة وسمير جعجع يهددون اللبنانيين بطوفان الفوضى المذهبية ما لم يصدق اللبنانيون افتراءاتهم على سلاح المقاومة ويعيدوهم إلى السلطة، ليحكم الأول مباشرة أو من وراء ستارة سعد الحريري، والثاني ليلتحف غطاء رسميا عبر قواته في مجلس الوزراء لتنفيذ أجندته القديمة ـ المشبوهة.
يستطيع السنيورة أن يخدع البسطاء والسذج ويقمع هذا الرعب الداخلي الذي يتملكه من نجاح الرئيس نجيب ميقاتي في مهمته، فالسنيورة يدرك أن مقتله السياسي والأخلاقي فيما لو أعطت القوى السياسية في لبنان الرئيس المكلف فترة السماح المتعارف عليها كما طالب السيد حسن نصرالله في إحدى خطبه، لذا ساق فريقه إلى المعارضة قبل انطلاق صفارة عمل الحكومة الجديدة وحتى تشكيلها، وهذه سابقة لا يقدم عليها إلا من يقول "أنا أو لا أحد".
وكما يعلم السنيورة (ومعه 14 آذار) أهمية وجوده بشخصه في السراي، يدرك أيضا خطورة اقتراب شخصية سنية أخرى من طراز ميقاتي إلى هذا المكان، وللذكرى، لقد قبل فريق 14 آذار على مضض بترؤس سعد الحريري الحكومة، واقترن هذا القبول بأن تبقى شياطين السنيورة في الأمكنة التي اندست إليها منذ 2005 في مؤسسات الدولة، لذا هو يعرف معنى حضور ميقاتي و"ملائكته" إلى السراي، وكيف ستتحول رئاسة الوزراء (أقله) إلى منطقة عازلة تفصل بين تطلعات فئات لبنانية تسعى لتعزيز حصصها في الكعكة اللبنانية، وبين أفخاخ ودسائس أجنبية تحاول توطين مشروع إسرائيلي خالص ضمن اللعبة السياسية في البلد.
في بيان البريستول أمس (27|2|2011)، كان فقط ينقص السنيورة عن القذافي ليعود رئيسا للوزراء، أنه لم ينه خطابه، بدعوة أهل السنة بما دعا الأخير أنصاره في طرابلس، عندما قال لهم بشكل مسعور كلامه الفارغ: "إلى الأمام، إلى الأمام، لا تراجع لا تراجع، ثورة ثورة"، وإن لم يقل السنيورة، لأن شخصيته البكاءة لا تسعفه وسيكون الناس أمام مشهد أكثر كاريكاتورية من إطلالات "قائد" ليبيا، فانحدر إلى حرفة ترفع عن استخدامها أكثر السياسيين تعطشا للسلطة، وهي حرفة تقوم على تحريف الوقائع وتزييفها ليسهل دبغ المطامع الذاتية والمشاريع المشبوهة بألوان المكاسب المذهبية وتغالب العصبيات والغرائز.
يريد السنيورة ببيان فريقه أن يصدق اللبنانيون (طبعا هو يريد السنّة فقط) أن تكليف ميقاتي جاء عبر الانقلاب، وبالوقت نفسه لا يريد أن يذكّرهم أن فوز فريقه في انتخابات ال2005، كان حصيلة مؤامرة استخبارية كبيرة شارك في حياكتها كل من جاك شيراك وجورج بوش في النورماندي بالعام 2004، وأنه منذ ذلك التاريخ سمي هو رئيسا للوزراء قبل أن يقتل رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ولا يريد أن يذكر اللبنانيون بأن هذا الفوز الانتخابي جاء على ظهر كذبة محمد زهير الصديق، كما لا يريد أن يذكروا أن صعود هذا الفريق على متن السلطة وتفرده بها كان بالخداع ونكث العهود والانقلاب على بنود التحالف الرباعي غير المأسوف على انفراطه.
كما يريد السنيورة أن ننسى أن حيازة فريقه الأكثرية في انتخابات ال 2009، لم تكن ببلاغة سعد الحريري الخطابية أو بالديكورات البراقة لقاعات البيال أو لاستغفار سمير جعجع في جونية عن مجازره الوحشية التي وزّعها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وحصد فيها الاف الشهداء، إنما كانت هذه الحيازة من صنع موازنات انتخابية فلكية كانت موضع استهجان الصحافة الغربية عندما تخطت المليار دولار، وتساوت فيها قيمة حملة انتخاب أوباما رئيسا لأميركا مع حملة انتخاب نائب في عكار أو زحلة أو المتن.
لا أحد يصدق السنيورة عندما يقول أن سلاح حزب الله هو من نقل الأكثرية النيابية من ضفة 14 آذار إلى 8آذار، ولو كان السنيورة يخاف من سلاح المقاومة ما كان ليتجرأ على ركوب العار عندما شكك بانتصارها في تموز 2006، ولو كان يخاف من سلاح المقاومة، ما كان ليجرأ على استقبال كونداليزا رايس وتوني بلير وهما الراعيان الرئيسيان لمذبحة أكثر من ألف شهيد في عدوان تموز، وأيضا لما تجرأ فريقه على تكريم جون بولتون وهو الذئب الذي كان يتلذذ بآلام أكثر من مليون ونصف المليون لبناني ويراوغ زملاءه في مجلس الأمن لتمديد هذه الالام لأطول فترة ممكنة.
لا يختلف المعنى بين القذافي عندما يصف شعبه بالجرذان وبين السنيورة الذي يقول أن جفنه لا يرف لأكثر من مليون متظاهر، فالخطاب واحد، ويصدر عن مريض واحد، وكلاهما على استعداد لأن يجعلا بلديهما نارا حمراء، الأول بفتنة القبائل والثاني بفتنة المذاهب، لكن ما يعزي ويخفف من هذا البلاء، أن في زمن ثورات الشعوب العربية يجوز اللجوء إلى آخر دواء.
ليس وحده معمر القذافي من يحفظ المقولة التي أهدرت عقودا من الزمن العربي "إما أنا أو الطوفان"، معظم الحكام العرب مصابون بهذا الداء، وإن تباينت أعراضه عليهم تبعا لظروف بلدانهم السياسية والاقتصادية. وقد التقط لبنان فيروس هذا الداء الذي لم تنفع معه مضادات ديمقراطيته الطائفية، ولا حاجة لإخضاع لبنان للفحوص المخبرية لتقصي تدهور صحته السياسية والوطنية، فيكفي النظر إلى خطاب قوى 14 آذار والذي أخذ في الانتفاخ والتورم لحدود تفجير البلد منذ خروج هذا الفريق من السلطة.
وإذا كان القذافي ترك الليبيين يغرقون في طوفان الرصاص والدم لأنهم ضاقوا ذرعا من دولته التي لم يفهموا كوعها وبوعها ولم يصدقوا نظرياته التافهة والمضحكة التي جرت عليهم الفقر والقهر، فإن فريق 14 آذار بقيادته الفعلية المؤلفة من الثنائي فؤاد السنيورة وسمير جعجع يهددون اللبنانيين بطوفان الفوضى المذهبية ما لم يصدق اللبنانيون افتراءاتهم على سلاح المقاومة ويعيدوهم إلى السلطة، ليحكم الأول مباشرة أو من وراء ستارة سعد الحريري، والثاني ليلتحف غطاء رسميا عبر قواته في مجلس الوزراء لتنفيذ أجندته القديمة ـ المشبوهة.
يستطيع السنيورة أن يخدع البسطاء والسذج ويقمع هذا الرعب الداخلي الذي يتملكه من نجاح الرئيس نجيب ميقاتي في مهمته، فالسنيورة يدرك أن مقتله السياسي والأخلاقي فيما لو أعطت القوى السياسية في لبنان الرئيس المكلف فترة السماح المتعارف عليها كما طالب السيد حسن نصرالله في إحدى خطبه، لذا ساق فريقه إلى المعارضة قبل انطلاق صفارة عمل الحكومة الجديدة وحتى تشكيلها، وهذه سابقة لا يقدم عليها إلا من يقول "أنا أو لا أحد".
وكما يعلم السنيورة (ومعه 14 آذار) أهمية وجوده بشخصه في السراي، يدرك أيضا خطورة اقتراب شخصية سنية أخرى من طراز ميقاتي إلى هذا المكان، وللذكرى، لقد قبل فريق 14 آذار على مضض بترؤس سعد الحريري الحكومة، واقترن هذا القبول بأن تبقى شياطين السنيورة في الأمكنة التي اندست إليها منذ 2005 في مؤسسات الدولة، لذا هو يعرف معنى حضور ميقاتي و"ملائكته" إلى السراي، وكيف ستتحول رئاسة الوزراء (أقله) إلى منطقة عازلة تفصل بين تطلعات فئات لبنانية تسعى لتعزيز حصصها في الكعكة اللبنانية، وبين أفخاخ ودسائس أجنبية تحاول توطين مشروع إسرائيلي خالص ضمن اللعبة السياسية في البلد.
في بيان البريستول أمس (27|2|2011)، كان فقط ينقص السنيورة عن القذافي ليعود رئيسا للوزراء، أنه لم ينه خطابه، بدعوة أهل السنة بما دعا الأخير أنصاره في طرابلس، عندما قال لهم بشكل مسعور كلامه الفارغ: "إلى الأمام، إلى الأمام، لا تراجع لا تراجع، ثورة ثورة"، وإن لم يقل السنيورة، لأن شخصيته البكاءة لا تسعفه وسيكون الناس أمام مشهد أكثر كاريكاتورية من إطلالات "قائد" ليبيا، فانحدر إلى حرفة ترفع عن استخدامها أكثر السياسيين تعطشا للسلطة، وهي حرفة تقوم على تحريف الوقائع وتزييفها ليسهل دبغ المطامع الذاتية والمشاريع المشبوهة بألوان المكاسب المذهبية وتغالب العصبيات والغرائز.
يريد السنيورة ببيان فريقه أن يصدق اللبنانيون (طبعا هو يريد السنّة فقط) أن تكليف ميقاتي جاء عبر الانقلاب، وبالوقت نفسه لا يريد أن يذكّرهم أن فوز فريقه في انتخابات ال2005، كان حصيلة مؤامرة استخبارية كبيرة شارك في حياكتها كل من جاك شيراك وجورج بوش في النورماندي بالعام 2004، وأنه منذ ذلك التاريخ سمي هو رئيسا للوزراء قبل أن يقتل رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ولا يريد أن يذكر اللبنانيون بأن هذا الفوز الانتخابي جاء على ظهر كذبة محمد زهير الصديق، كما لا يريد أن يذكروا أن صعود هذا الفريق على متن السلطة وتفرده بها كان بالخداع ونكث العهود والانقلاب على بنود التحالف الرباعي غير المأسوف على انفراطه.
كما يريد السنيورة أن ننسى أن حيازة فريقه الأكثرية في انتخابات ال 2009، لم تكن ببلاغة سعد الحريري الخطابية أو بالديكورات البراقة لقاعات البيال أو لاستغفار سمير جعجع في جونية عن مجازره الوحشية التي وزّعها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وحصد فيها الاف الشهداء، إنما كانت هذه الحيازة من صنع موازنات انتخابية فلكية كانت موضع استهجان الصحافة الغربية عندما تخطت المليار دولار، وتساوت فيها قيمة حملة انتخاب أوباما رئيسا لأميركا مع حملة انتخاب نائب في عكار أو زحلة أو المتن.
لا أحد يصدق السنيورة عندما يقول أن سلاح حزب الله هو من نقل الأكثرية النيابية من ضفة 14 آذار إلى 8آذار، ولو كان السنيورة يخاف من سلاح المقاومة ما كان ليتجرأ على ركوب العار عندما شكك بانتصارها في تموز 2006، ولو كان يخاف من سلاح المقاومة، ما كان ليجرأ على استقبال كونداليزا رايس وتوني بلير وهما الراعيان الرئيسيان لمذبحة أكثر من ألف شهيد في عدوان تموز، وأيضا لما تجرأ فريقه على تكريم جون بولتون وهو الذئب الذي كان يتلذذ بآلام أكثر من مليون ونصف المليون لبناني ويراوغ زملاءه في مجلس الأمن لتمديد هذه الالام لأطول فترة ممكنة.
لا يختلف المعنى بين القذافي عندما يصف شعبه بالجرذان وبين السنيورة الذي يقول أن جفنه لا يرف لأكثر من مليون متظاهر، فالخطاب واحد، ويصدر عن مريض واحد، وكلاهما على استعداد لأن يجعلا بلديهما نارا حمراء، الأول بفتنة القبائل والثاني بفتنة المذاهب، لكن ما يعزي ويخفف من هذا البلاء، أن في زمن ثورات الشعوب العربية يجوز اللجوء إلى آخر دواء.