ارشيف من :خاص
أميركا والثورة الليبية: زمن المناورات الفاشلة
عقيل الشيخ حسين
على طريقة خاطفي الطائرات (وبالمناسبة أول عملية من هذا النوع جرى تنفيذها من قبل الاستخبارات الأميركية، وكانت ضحيتها طائرة كوبية)، وقفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، لتضع ليبيا بين خيارين : إما أن تصبح بلداً ديموقراطياً، وإما أن تنزلق إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
خياران كلاهما مر لأنهما في نهاية المطاف خيار واحد تحت إسمين مختلفين : الدكتاتورية التي طالما نعت بها القذافي أيام إغراقه في الغرائبيات الثورية والتي ينعت بها اليوم، لم تشكل ـ خلال الفترة الفاصلة بين المرحلتين، أي في الفترة التي دخل فيها إلى بيت الطاعة الأميركي ـ هي بالذات الديموقراطية المنشودة أميركياً والتي استحق عليها القذافي تقبيل يديه من قبل برلسكوني، أو تبجيله باشكال تأخذ المعنى نفسه من قبل أمثال شيراك وساركوزي وبوش وأوباما.
لا ضير إذن في أن يكون القذافي ديكتاتورياً طالما أنه، كأمثاله من زعماء العرب، يغرق سوق النفط بالطاقة التي يعيش عليها الغرب، وطالما أنه يكدس عائدات النفط في مصارف الغرب، ويصرف بعضها في كل ما يعود بالمنفعة على الغرب.
أما الخيار الآخر فهو الحرب الأهلية الطويلة الأمد. من أين تعرف هيلاري كلينتون بأن هذه الحرب ستقع فعلاً، وبأنها ستكون طويلة الأمد، إذا ما فهمنا كلامها لا بمعنى التبصير بل بمعناه كتهديد من الصنف نفسه الذي أطلقه القذافي عندما عمد إلى تخويف الثورة الليبية من التدخل الأميركي بداعي أن أميركا لا تقبل بقيام إمارة إسلامية في ليبيا ؟
بكلام آخر، ما تنبأت به هيلاري كلينتون هو بالضبط ما تخطط له الولايات المتحدة طبقاً لاستراتيجيتها الهادفة إلى إخضاع ليبيا، وإعادتها إلى الحظيرة الأميركية تحت طائل إغراقها في تلك الحرب الأهلية الطويلة الأمد، وهي الحرب التي تمتلك الولايات المتحدة ما يكفي من الأجهزة الاستخباراتية والشركات الأمنية والتنظيمات المشبوهة لإطلاقها بالطريقة التي نشهدها في بلدان كأفغانستان والعراق والصومال والسودان وغيرها.
فأفغانستان والعراق، البلدان اللذان حاولت أميركا أن تنزل عليهما رؤيتها للديموقراطية، يعيش كل منهما، منذ لحظة غزوه من قبل الجيوش الأميركية والحليفة، في ظل حرب ـ إذا لم نقل بأنها تحوز على جميع مواصفات الحرب الأهلية ـ فإنها ألحقت بالبلدين أضراراً تتجاوز أضرار الحروب الأهلية المعروفة.
أما البلدان اللذان جرت فيهما عمليات انتخابية ديموقراطية لا تشوبها شائبة (الجزائر، عام 1989، وفلسطين، عام 2006، فقد انزلقا بدورهما إلى ما يشبه الحرب الأهلية، لا لشيء إلا لأن نتائجهما جاءت لصالح كل من جبهة الخلاص الإسلامية في الحالة الأولى، وحركة حماس في الحالة الثانية، ولأنهما لم تحظيا لهذا السبب بالذات، برضا أميركا وامتداداتها السرطانية في المنطقة.
وعليه، فإن كلام كلينتون هو، بشكل أو بآخر، بمثابة إعلان نوع من الحرب الأميركية على ليبيا، وإن كانت تختلف حتى الآن عن الحرب التي أعلنتها على كل من أفغانستان والعراق، لجهة أن الأحداث التي تعيشها ليبيا حالياً شبيهة بتلك التي أثارتها واشنطن في هذين البلدين بعدما تحققت من فشل حربها عليهما.
هنالك من جهة، ثورة ليبية تمكنت حتى الآن من تحقيق مكتسبات ميدانية كبيرة، ومن جهة أخرى نظام حاكم ما يزال يمتلك أوراقاً هجومية رغم اندحاره إلى بعض المواقع المحدودة. وكل من هذين المعطيين يسمح للإدارة الأميركية بالرهان على وصول ليبيا إلى حالة من توازن القوى تسمح بالحديث عن حرب أهلية طويلة الأمد.
فمن قرار مجلس الأمن الذي يسمح بالتدخل في ليبيا تحت الفصل السابع، إلى مجلس حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية، ومن تجميد بعض الأرصدة المالية إلى التهويلات العسكرية المتمثلة بإعادة نشر قطع بحرية أميركية قريباً من السواحل الليبية، ومن قمة الاتحاد الأوروبي واجتماعات وزراء دفاع وقيادات الحلف الطلسي شبه المتواصلة، إلى التصريحات التي تطالب القذافي بالتنحي... كل ذلك يظل قعقعة بلا طحين إذا نظرنا إليه على أنه ضغط غربي على نظام القذافي.
لسبب بسيط هو ارتفاع منسوب شراسة النظام بالتوازي مع تصاعد هذا النوع من الضغوطات التي لم تحل دون استمرار نظام القذافي في تحشيد المرتزقة بكل حرية من بلدان جلها يدين بالطاعة لواشنطن. وقد يأتي يوم قريب يتبين فيه، بعد أن ظهر ضلوع تل أبيب في مد يد المساعدة إلى نظام القذافي، أن الكثير من الأيدي الغربية ما تزال تزود هذا النظام بالوسائل الضرورية للبقاء وللاستمرار في ممارسة القمع الوحشي بحق الشعب الليبي.
وبعد هيلاري كلينتون، برزت سوزان رايس، مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة لتؤكد، بقولها أن الولايات المتحدة "ستضغط" على القذافي من أجل أن يتنحى في نهاية المطاف، أن ما تفعله الولايات المتحدة، لا يزال، بغض النظر عن الضغوط المصطنعة، تعبيراً عن الانتظار الذي عبر عنه كبار المسؤولين الأميركيين عندما قالوا بأن ما يجري في ليبيا هو شأن داخلي.
والانتظار هو انتظار وصول ليبيا إلى حالة التوازن في القوى الضروري لإشعال الحرب الأهلية الطويلة الأمد. ولكنه انتظار كانتظار غودو، لأن ليبيا لن تكون في نهاية المطاف غير ساحة من الساحات العربية والإسلامية التي تتكسر على صخورها، كما هو الشأن من إيران وسوريا وفلسطين وأفغانستان والعراق ولبنان، أنياب مشاريع الهيمنة الأميركية وغير الأميركية.
على طريقة خاطفي الطائرات (وبالمناسبة أول عملية من هذا النوع جرى تنفيذها من قبل الاستخبارات الأميركية، وكانت ضحيتها طائرة كوبية)، وقفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، لتضع ليبيا بين خيارين : إما أن تصبح بلداً ديموقراطياً، وإما أن تنزلق إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
خياران كلاهما مر لأنهما في نهاية المطاف خيار واحد تحت إسمين مختلفين : الدكتاتورية التي طالما نعت بها القذافي أيام إغراقه في الغرائبيات الثورية والتي ينعت بها اليوم، لم تشكل ـ خلال الفترة الفاصلة بين المرحلتين، أي في الفترة التي دخل فيها إلى بيت الطاعة الأميركي ـ هي بالذات الديموقراطية المنشودة أميركياً والتي استحق عليها القذافي تقبيل يديه من قبل برلسكوني، أو تبجيله باشكال تأخذ المعنى نفسه من قبل أمثال شيراك وساركوزي وبوش وأوباما.
لا ضير إذن في أن يكون القذافي ديكتاتورياً طالما أنه، كأمثاله من زعماء العرب، يغرق سوق النفط بالطاقة التي يعيش عليها الغرب، وطالما أنه يكدس عائدات النفط في مصارف الغرب، ويصرف بعضها في كل ما يعود بالمنفعة على الغرب.
أما الخيار الآخر فهو الحرب الأهلية الطويلة الأمد. من أين تعرف هيلاري كلينتون بأن هذه الحرب ستقع فعلاً، وبأنها ستكون طويلة الأمد، إذا ما فهمنا كلامها لا بمعنى التبصير بل بمعناه كتهديد من الصنف نفسه الذي أطلقه القذافي عندما عمد إلى تخويف الثورة الليبية من التدخل الأميركي بداعي أن أميركا لا تقبل بقيام إمارة إسلامية في ليبيا ؟
بكلام آخر، ما تنبأت به هيلاري كلينتون هو بالضبط ما تخطط له الولايات المتحدة طبقاً لاستراتيجيتها الهادفة إلى إخضاع ليبيا، وإعادتها إلى الحظيرة الأميركية تحت طائل إغراقها في تلك الحرب الأهلية الطويلة الأمد، وهي الحرب التي تمتلك الولايات المتحدة ما يكفي من الأجهزة الاستخباراتية والشركات الأمنية والتنظيمات المشبوهة لإطلاقها بالطريقة التي نشهدها في بلدان كأفغانستان والعراق والصومال والسودان وغيرها.
فأفغانستان والعراق، البلدان اللذان حاولت أميركا أن تنزل عليهما رؤيتها للديموقراطية، يعيش كل منهما، منذ لحظة غزوه من قبل الجيوش الأميركية والحليفة، في ظل حرب ـ إذا لم نقل بأنها تحوز على جميع مواصفات الحرب الأهلية ـ فإنها ألحقت بالبلدين أضراراً تتجاوز أضرار الحروب الأهلية المعروفة.
أما البلدان اللذان جرت فيهما عمليات انتخابية ديموقراطية لا تشوبها شائبة (الجزائر، عام 1989، وفلسطين، عام 2006، فقد انزلقا بدورهما إلى ما يشبه الحرب الأهلية، لا لشيء إلا لأن نتائجهما جاءت لصالح كل من جبهة الخلاص الإسلامية في الحالة الأولى، وحركة حماس في الحالة الثانية، ولأنهما لم تحظيا لهذا السبب بالذات، برضا أميركا وامتداداتها السرطانية في المنطقة.
وعليه، فإن كلام كلينتون هو، بشكل أو بآخر، بمثابة إعلان نوع من الحرب الأميركية على ليبيا، وإن كانت تختلف حتى الآن عن الحرب التي أعلنتها على كل من أفغانستان والعراق، لجهة أن الأحداث التي تعيشها ليبيا حالياً شبيهة بتلك التي أثارتها واشنطن في هذين البلدين بعدما تحققت من فشل حربها عليهما.
هنالك من جهة، ثورة ليبية تمكنت حتى الآن من تحقيق مكتسبات ميدانية كبيرة، ومن جهة أخرى نظام حاكم ما يزال يمتلك أوراقاً هجومية رغم اندحاره إلى بعض المواقع المحدودة. وكل من هذين المعطيين يسمح للإدارة الأميركية بالرهان على وصول ليبيا إلى حالة من توازن القوى تسمح بالحديث عن حرب أهلية طويلة الأمد.
فمن قرار مجلس الأمن الذي يسمح بالتدخل في ليبيا تحت الفصل السابع، إلى مجلس حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية، ومن تجميد بعض الأرصدة المالية إلى التهويلات العسكرية المتمثلة بإعادة نشر قطع بحرية أميركية قريباً من السواحل الليبية، ومن قمة الاتحاد الأوروبي واجتماعات وزراء دفاع وقيادات الحلف الطلسي شبه المتواصلة، إلى التصريحات التي تطالب القذافي بالتنحي... كل ذلك يظل قعقعة بلا طحين إذا نظرنا إليه على أنه ضغط غربي على نظام القذافي.
لسبب بسيط هو ارتفاع منسوب شراسة النظام بالتوازي مع تصاعد هذا النوع من الضغوطات التي لم تحل دون استمرار نظام القذافي في تحشيد المرتزقة بكل حرية من بلدان جلها يدين بالطاعة لواشنطن. وقد يأتي يوم قريب يتبين فيه، بعد أن ظهر ضلوع تل أبيب في مد يد المساعدة إلى نظام القذافي، أن الكثير من الأيدي الغربية ما تزال تزود هذا النظام بالوسائل الضرورية للبقاء وللاستمرار في ممارسة القمع الوحشي بحق الشعب الليبي.
وبعد هيلاري كلينتون، برزت سوزان رايس، مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة لتؤكد، بقولها أن الولايات المتحدة "ستضغط" على القذافي من أجل أن يتنحى في نهاية المطاف، أن ما تفعله الولايات المتحدة، لا يزال، بغض النظر عن الضغوط المصطنعة، تعبيراً عن الانتظار الذي عبر عنه كبار المسؤولين الأميركيين عندما قالوا بأن ما يجري في ليبيا هو شأن داخلي.
والانتظار هو انتظار وصول ليبيا إلى حالة التوازن في القوى الضروري لإشعال الحرب الأهلية الطويلة الأمد. ولكنه انتظار كانتظار غودو، لأن ليبيا لن تكون في نهاية المطاف غير ساحة من الساحات العربية والإسلامية التي تتكسر على صخورها، كما هو الشأن من إيران وسوريا وفلسطين وأفغانستان والعراق ولبنان، أنياب مشاريع الهيمنة الأميركية وغير الأميركية.