ارشيف من :آراء وتحليلات
التدخل العسكري الأميركي في ليبيا: قنابل دخان لا تفيد حيث أخفقت قنابل الحديد والنار!
عقيل الشيخ حسين
في البدء، اعتبرت الدوائر الأميركية والقوى المرتبطة بها أن ما يجري في ليبيا هو شأن داخلي. وكان ذلك بمثابة تفويض منح للقذافي بأن يأخذ كامل حريته في قمع انتفاضة الشعب الليبي. وفي الوقت الذي دخل فيه القذافي ميدان المعركة من بابه العسكري الواسع، وما أسفر عنه ذلك من تحول الحرب إلى حرب إبادة (ورد هذا التعبير على ألسنة العديد من المراقبين)، صدر عن تلك الدوائر سيل من الإدانات الموجهة إلى نظام القذافي، بالتوزي مع سيل من تعابير التعاطف مع الشعب الليبي.
ومع تصاعد القمع الوحشي، دخل في التداول كلام عن ضرورة التدخل، الأميركي أو الأطلسي، لـ "حماية" الشعب الليبي. لكن هذه الفكرة استبعدت سريعاً بذرائع شتى، منها ممانعة روسيا والصين صدور قرار بهذا الشأن عن مجلس الأمن، ورفض الفكرة من قبل المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا.
وبما أن أداة القمع الأكثر فاعلية في يد نظام القذافي هي سلاح الطيران، طفت على السطح فكرة فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا. لكن هذا الطرح اصطدم بمعيقات ابرزها ما عبر عنه وزير الحرب الأميركي روبرت غيتس عندما قال بأن تنفيذ الحظر يستلزم التدمير المسبق للدفاعات الجوية... وما قد يعنيه ذلك من إمكانية الانزلاق نحو مواجهات أكثر اتساعاً.
ومع ذلك، تسمع تصريحات غربية كثيرة تتحدث عن دراسة كافة الاحتمالات، ومراقبة الوضع عن كثب، ما يشيع الانطباع بأن كل ما يقال عن صعوبات التدخل والحظر الجوي يظل مجرد قنابل دخانية للتغطية على حيرة أصحاب القرار الأميركي وعجزهم عن اتخاذ القرار المناسب.
لا لأنهم لا يعرفون ما يريدون: يريدون أن تفشل الثورة الليبية لأنها تهدد واحداً من أهم أركان النظام الذي تسعى أميركا إلى إقامته في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولأن فشلها ستكون له تداعيات سلبية على الثورتين التونسية والمصرية، وعلى مخاض الثورات التي بدأت تهز بقية أركان هذا النظام، من اليمن إلى البحرين، مروراً بالأردن وعمان والسعودية...
ولأن نجاحها سيدفع باتجاه المزيد من تجذر الثورات العربية وتصاعدها، وما يؤدي إليه ذلك من قيام شرق أوسط جديد لا مكان فيه لأميركا وأتباعها.
من هنا يتبين كم هو ثمين بالنسبة للمعسكر الأميركي أن يتمكن نظام القذافي من ضرب الثورة الليبية. وكم هو مهم، في وقت يبدي فيه هذا النظام قدرة على الصمود في وجه الثورة، أن تستنزف ليبيا أقصى ما يمكن من طاقتها في هذه الحرب التي تأمل أميركا في تحولها إلى حرب أهلية طويلة الأمد، في حال لم يتمكن القذافي من حسمها لمصلحته في المدى المنظور.
إذاً، ما دام القذافي قادراً على استخدام قوته الضاربة، فإن شيئاً لا يحفز المعسكر الأميركي على الخروج من دائرة الانتظار والتسويف تحت دخان مراقبة الوضع ودراسة الاحتمالات بما فيها الاحتمال العسكري.
ومع الانتظار، وما دام أن سقوط القذافي هو واحد من احتمالين، تتجه أنظار المعسكر الأميركي نحو المعارضة الليبية والمجلس الوطني، في حركة اتصالات لمعرفة ما إذا كان من الممكن عقد صفقات من النوع الملائم لمتطلبات السياسة الأميركية.
وإذا ما فشل هذا الرهان بشقيه، ينقشع الدخان ويكف الكلام عن التدخل عن أن يكون مجرد كلام، ليجد المعسكر الأميركي نفسه أمام استحقاق البحث عن وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها من أجل إفشال الثورة الليبية.
الوسيلة التقليدية المفضلة التي دأبت الولايات المتحدة على اللجوء إليها، من أجل فرض سيطرتها على العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هي التدخل العسكري المباشر، مع أو بدون إذن المجتمع الدولي.
وقد "تخصصت" الولايات المتحدة في خلق شروط التدخل، حتى ولو كان ذلك عن طريق افتعالات كتفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر التي بررت بها غزو أفغانستان، أو عن طريق الكذب الذي تسلحت به لغزو العراق.
لكن الفشل غير المتوقع للحربين الأميركيتين على أفغانستان والعراق، وهو الفشل الذي يندرج في سلسة أخرى من الهزائم، غير المتوقعة أيضاً، التي مني بها المعسكر الأميركي في المنطقة على يد قوى المقاومة والممانعة، يحوّل فكرة التدخل العسكري في ليبيا من حلم وردي، كما كان عليه الشأن في الجارب السابقة، إلى كابوس مرعب.
قبيل حربي أفغانستان والعراق، كان استراتيجيو أميركا العسكريون يباهون بقدرتهم على شن حربين كبيرتين في وقت واحد. هل تستطيع الولايات المتحدة بعد أن أفضى شن هاتين الحربين إلى هزيمتين زعزعتا أركان أميركا، أن تشن حرباً ثالثة من شأن فشلها أن يزلزل أميركا؟
سؤال لا يبدو أن أميركا تملك جواباً عليه غير الارتباك والحيرة. وكفى بالارتباك والحيرة دليلين على مدى ما وصلت إليه أميركا من الضعف المفتوح على الانهيار.
في البدء، اعتبرت الدوائر الأميركية والقوى المرتبطة بها أن ما يجري في ليبيا هو شأن داخلي. وكان ذلك بمثابة تفويض منح للقذافي بأن يأخذ كامل حريته في قمع انتفاضة الشعب الليبي. وفي الوقت الذي دخل فيه القذافي ميدان المعركة من بابه العسكري الواسع، وما أسفر عنه ذلك من تحول الحرب إلى حرب إبادة (ورد هذا التعبير على ألسنة العديد من المراقبين)، صدر عن تلك الدوائر سيل من الإدانات الموجهة إلى نظام القذافي، بالتوزي مع سيل من تعابير التعاطف مع الشعب الليبي.
ومع تصاعد القمع الوحشي، دخل في التداول كلام عن ضرورة التدخل، الأميركي أو الأطلسي، لـ "حماية" الشعب الليبي. لكن هذه الفكرة استبعدت سريعاً بذرائع شتى، منها ممانعة روسيا والصين صدور قرار بهذا الشأن عن مجلس الأمن، ورفض الفكرة من قبل المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا.
وبما أن أداة القمع الأكثر فاعلية في يد نظام القذافي هي سلاح الطيران، طفت على السطح فكرة فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا. لكن هذا الطرح اصطدم بمعيقات ابرزها ما عبر عنه وزير الحرب الأميركي روبرت غيتس عندما قال بأن تنفيذ الحظر يستلزم التدمير المسبق للدفاعات الجوية... وما قد يعنيه ذلك من إمكانية الانزلاق نحو مواجهات أكثر اتساعاً.
ومع ذلك، تسمع تصريحات غربية كثيرة تتحدث عن دراسة كافة الاحتمالات، ومراقبة الوضع عن كثب، ما يشيع الانطباع بأن كل ما يقال عن صعوبات التدخل والحظر الجوي يظل مجرد قنابل دخانية للتغطية على حيرة أصحاب القرار الأميركي وعجزهم عن اتخاذ القرار المناسب.
لا لأنهم لا يعرفون ما يريدون: يريدون أن تفشل الثورة الليبية لأنها تهدد واحداً من أهم أركان النظام الذي تسعى أميركا إلى إقامته في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولأن فشلها ستكون له تداعيات سلبية على الثورتين التونسية والمصرية، وعلى مخاض الثورات التي بدأت تهز بقية أركان هذا النظام، من اليمن إلى البحرين، مروراً بالأردن وعمان والسعودية...
ولأن نجاحها سيدفع باتجاه المزيد من تجذر الثورات العربية وتصاعدها، وما يؤدي إليه ذلك من قيام شرق أوسط جديد لا مكان فيه لأميركا وأتباعها.
من هنا يتبين كم هو ثمين بالنسبة للمعسكر الأميركي أن يتمكن نظام القذافي من ضرب الثورة الليبية. وكم هو مهم، في وقت يبدي فيه هذا النظام قدرة على الصمود في وجه الثورة، أن تستنزف ليبيا أقصى ما يمكن من طاقتها في هذه الحرب التي تأمل أميركا في تحولها إلى حرب أهلية طويلة الأمد، في حال لم يتمكن القذافي من حسمها لمصلحته في المدى المنظور.
إذاً، ما دام القذافي قادراً على استخدام قوته الضاربة، فإن شيئاً لا يحفز المعسكر الأميركي على الخروج من دائرة الانتظار والتسويف تحت دخان مراقبة الوضع ودراسة الاحتمالات بما فيها الاحتمال العسكري.
ومع الانتظار، وما دام أن سقوط القذافي هو واحد من احتمالين، تتجه أنظار المعسكر الأميركي نحو المعارضة الليبية والمجلس الوطني، في حركة اتصالات لمعرفة ما إذا كان من الممكن عقد صفقات من النوع الملائم لمتطلبات السياسة الأميركية.
وإذا ما فشل هذا الرهان بشقيه، ينقشع الدخان ويكف الكلام عن التدخل عن أن يكون مجرد كلام، ليجد المعسكر الأميركي نفسه أمام استحقاق البحث عن وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها من أجل إفشال الثورة الليبية.
الوسيلة التقليدية المفضلة التي دأبت الولايات المتحدة على اللجوء إليها، من أجل فرض سيطرتها على العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هي التدخل العسكري المباشر، مع أو بدون إذن المجتمع الدولي.
وقد "تخصصت" الولايات المتحدة في خلق شروط التدخل، حتى ولو كان ذلك عن طريق افتعالات كتفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر التي بررت بها غزو أفغانستان، أو عن طريق الكذب الذي تسلحت به لغزو العراق.
لكن الفشل غير المتوقع للحربين الأميركيتين على أفغانستان والعراق، وهو الفشل الذي يندرج في سلسة أخرى من الهزائم، غير المتوقعة أيضاً، التي مني بها المعسكر الأميركي في المنطقة على يد قوى المقاومة والممانعة، يحوّل فكرة التدخل العسكري في ليبيا من حلم وردي، كما كان عليه الشأن في الجارب السابقة، إلى كابوس مرعب.
قبيل حربي أفغانستان والعراق، كان استراتيجيو أميركا العسكريون يباهون بقدرتهم على شن حربين كبيرتين في وقت واحد. هل تستطيع الولايات المتحدة بعد أن أفضى شن هاتين الحربين إلى هزيمتين زعزعتا أركان أميركا، أن تشن حرباً ثالثة من شأن فشلها أن يزلزل أميركا؟
سؤال لا يبدو أن أميركا تملك جواباً عليه غير الارتباك والحيرة. وكفى بالارتباك والحيرة دليلين على مدى ما وصلت إليه أميركا من الضعف المفتوح على الانهيار.