ارشيف من :خاص

عش الدبابير الليبي ... في حال التدخل العسكري الأطلسي !

عش الدبابير الليبي ... في حال التدخل العسكري الأطلسي !
عقيل الشيخ حسين

مع القوة المتزايدة التي يكتسبها الاعتقاد بأن التدخل العسكري الغربي في الشأن الليبي بات قريباً جداً، يتعزز الاعتقاد الموازي بأن الغرب يقف الآن على مشارف مأزق يذكر بالمأزق الذي وقع فيه في العراق، منذ العام 1991، ولم يخرج منه بعد، في ظل الهزيمة التي حلت بأميركا ومعسكرها، وهي الهزيمة التي لعبت الدور الأول في دفعها نحو حالة الانهيار التي تعيشها حالياً باعتراف أعداد متزايدة من المراقبين والمحللين.

وهنا فقط يصح قول القائلين بأن ليبيا ليست تونس أو مصر، حيث تمكن التظاهر السلمي وحده، وإن مر بتقديم أعداد غالية من الشهداء، من إجبار الطاغيتين على التنحي والهرب. أما في الحالة الليبية فإن التظاهر السلمي تطور إلى مواجهة بالسلاح تبين من خلالها أن الطاغية مستعد لأن يحرق ليبيا قبل أن يرحل.

مشكلة فتحت الباب أمام مشكلة أكبر : بالتوازي مع اشتداد المواجهات على الأرض، بدأت التغطيات الإعلامية للأحداث والتصريحات الصادرة عن طرفي النزاع الليبي، وعن العديد من المسؤولين الغربيين وغير الغربيين، تفسح مجالاً متزايد الاتساع للحديث  عن الغرب بوصفه لاعباً من شأنه أن يقوم بدور حاسم في حل المشكلة الليبية.

ومن البداية، وضعت الولايات المتحدة ممثلة بوزيرة خارجيتها، ليبيا أمام خيارين هما الديموقراطية أو الحرب الأهلية الطويلة الأمد. والظاهر أن ليبيا ما تزال موضوعة أمام هذين الخيارين، رغم مايبدو اقتراباً من قبل الغرب من لحظة البدء بتنفيذ العمليات العسكرية التي يفترض أنها ستفضي بسرعة إلى إزالة بقايا نظام القذافي من الوجود.

والإشارة مفيدة هنا إلى عدة معطيات. منها ذلك التشديد الغربي على أن يكون التدخل مستنداً إلى تفويض دولي من مجلس الأمن أو –في حال تعذر ذلك بسبب الممانعة الروسية والصينية- من أكبر عدد ممكن من الدول والمنظمات الدولية.

والظاهر أن الغرب قد حصل على هذا التفويض من خلال إجماع الحلف الأطلسي والاتحادين الأوروبي والإفريقي، وقرارات الإدانة الموجهة إلى القذافي من قبل منظمات كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي.

المنظمات الأخيرة و، إلى حد ما الإتحاد الإفريقي، وأوساط المعارضة الليبية، تتوسم تدخلاً غربياً يستند ربما إلى اعتبارات من النوع المستند بدوره إلى التوهم بأن أميركا والحلف الأطلسي قد تحولا إلى "مقيل لعثرات الكرام" : تمنع طائرات القذافي من التحليق، وتضرب قواه الضاربة، وتنفذ –إذا لزم الأمر- عمليات إنزال برية، ثم تنسحب قوات التدخل سريعأ من حيث أتى، بعد أن تقدم السلطة على طبق من ذهب إلى المجلس الوطني الانتقالي، وتكافأ بمظاهرات شكر شبيهة بتلك التي خرجت تحت شعارات "شكراً فرنسا"، رداً على اعتراف ساركوزي بالمجلس الوطني.

مثل هذا السيناريو يمكن له أن يتحقق فقط فيما لو حصلت الولايات المتحدة والحلف الأطلسي من المجلس المذكور على ضمانات مؤكدة بأنه سيكون منفذاً، في ليبيا، لما يملى عليه من سياسات أميركية وأطلسية، من نوع السياسات التي حاز بفضلها نظام القذافي، بعد طول جفاء وخصام، على الرضا الغربي.

والأكيد أن رسم خارطة ليبيا، من هذا المنظور بالذات، هو ما يجري في الأعداد المتكاثرة من اللقاءات التي تتم بين المسؤولين والمبعوثين الغربيين، من جهة، وبين عناصر من أعضاء المجلس الوطني، ومسؤولين في الجوار العربي، من جهة أخرى. وكل ذلك إضافة إلى ما لا يحصى من وسطاء وسماسرة وعملاء أجهزة مخابرات ممن يسرحون ويمرحون في ليبيا في ظل صفاتهم الرسمية كممثلين لهذه أو تلك من المنظمات والجمعيات غير الحكومية.   

وحتى لو حصلت الولايات المتحدة والحلف الأطلسي على تلك الضمانات، فإن شيئاً لا يضمن انسحابها من ليبيا بعد تنفيذ المهمة، فيما لو نفذت. إذ لا شيء يمنع من أن تكون المهمة الضمنية هي شيء آخر غير إزالة نظام القذافي وتقديم السلطة على طبق من ذهب للمجلس الوطني وللشعب الليبي.

فجميع تجارب التاريخ المشابهة دللت على أن مثل هذه التدخلات إنما تجري تحت محتلف أنواع التزويقات والزركشات، لتكون شكلاً من أشكال إدارة الصراعات لا حسمها. ألم يكن هذا بالذات خيار بوش الأب، عندما أدار، وأدار بعده بوش الابن، الصراعات العراقية طيلة الفترة الممتدة بين بدء الحرب في العام 1991، وحسمها بإسقاط صدام، في العام 2003، أي طيلة الفترة التي أعطي فيه صدام ما يكفي من الوقت لإبادة ما يمكن إبادته من الشعب العراقي، بالحرب أو بالتجويع الذي مورس في ظل العقوبات الدولية والحظر الجوي ؟

قد يفاجأ المهللون للتدخل، غداً أو بعد غد، في حال عدم الحسم بإسقاط القذافي وبإقامة حكم موال للغرب في ليبيا، بتمخض التدخل، لسبب أو لآخر، عن إرساء نوع من الستاتيكو الذي يسمح ببقاء القذافي على عرش قسم من ليبيا، بينما يعطى القسم الآخر لعرش آخر، وفق صيغة فيدرالية، أو تقسيمية، يصبح فيها حفظ الأمن والاستقرار والمصالح مبرراً مشروعاً لبقاء القوات الأجنبية في ليبيا، لا بل مطلباً مشروعاً لأطراف الصراعات الليبية التي لا يعجز الغرب وشركاته الأمنية وأجهزة استخباراته عن استنباتها بألف شكل وشكل من أجل إدخال ليبيا في منطق الخيارين بين الديموقراطية ـ لا فرق ـ والحرب الأهلية الطويلة الأمد.

ولا ينبغي إغفال الثمن المالي للتدخل. إذ لا شك بأن هذه المسألة هي في صميم المسائل التي يتفاوض بشأنها، مع المجلس الوطني، وربما أيضاً مع أصحاب أموال العرب ممن لهم كامل المصلحة في تعثر الثورة الليبية. والثمن قد يكون نقداً أو على شكل استثمارات مستقبلية مضمونة.

لكن، ولأن الغباء والطيش والسعي المرضي الأهوج لتحقيق انتصار، أي انتصار، في غمرة ما حل بالمعسكر الأميركي من هزائم خلال السنوات الأخيرة، هي أمور قد أصبحت من ثوابت سياسات هذا المعسكر، فإن القوى التي ستتدخل عسكرياً في ليبيا، ستجد نفسها عاجلاً وسط عش للدبابير، في ظل النهوض الشعبي الراهن في العالم العربي، أشد نكاية بكثير من أعشاش الدبابير التي وقع فيها المعسكر المذكور في أكثر من بلد عربي وإسلامي.
2011-03-12