ارشيف من :آراء وتحليلات

اليابان وسائر العالم بين كارثتين: طبيعية ونووية !

اليابان وسائر العالم بين كارثتين: طبيعية ونووية !
عقيل الشيخ حسين

الأرخبيل الياباني هو، قبل أن يكون هذه المجموعة من الجزر التي تظهر على الخرائط، جبال راسية تمتد سفوحها تحت مياه المحيط الهاديء. وهذه الجبال سيرها الزلزال الذي ضرب اليابان قبل يومين لمسافة مترين ونصف، على ما أكدته المراصد العلمية.


هذا على المستوى الذي لا يشعر به الإنسان، بمستوى عدم شعوره بانزياح كوكب الأرض عن مساره لمسافة سنتيمترات قليلة، لكنها قد تكون مهولة لجهة خطرها، نظراً لكون حركة الأرض هي نتاج توازنات كونية دقيقة يعلم الإنسان أن اختلالها قد يرفع درجة حرارة الأرض، في وقت لا يتجاوز جزأً من الثانية، إلى ثلاثة آلاف درجة مئوية، أو يخفضها إلى ثلاثة آلاف درجة تحت الصفر.


أما على المستوى الذي يشعر به الإنسان، وهو المستوى الذي تظل أهواله مجرد تفاصيل بسيطة بالمقارنة مع المستوى الذي لا يشعر به، فإنه من السابق لأوانه، أو من غير اللائق، أن توجه الأسئلة إلى من عايشوا الكارثة وأسعفهم الحظ بالبقاء على قيد الحياة. لأن الجميع منشغلون بما هو أدحى من التحليلات ومن الإجابة على الأسئلة.


لكن الناس شاهدوا على شاشات التلفزة صورة لمدينة كانت عامرة قبل أن يضربها التسومامي الذي أحدثه الزلزال، وإلى جانبها صورة تلك المدينة التي لم يبق منها غير مبنى لمستشفى ينتصب وسط الوحول التي جرفتها المياه وغمرت بها سائر الأبنية.


وشاهدوا في أمكنة أخرى سفناً منقلبة على الطرقات، وسيارات وشاحنات تتقاذفها المياه، وقطارات تناثرت عرباتها في الغابات، وبيوتاً تهاجر نحو المحيط، وجسوراً تتحطم وأعمدة كهرباء تنقصف، وحرائق في معامل البتروكيماويات... وحواسيب داخل قاعات المكاتب تتطاير وتتحطم على الجدران.


عدد البيوت التي دمرت يزيد عن مليون ونصف. والخسائر المادية الأخرى، وفق توقعات شركات التأمين قد تزيد على ثلاثمئة مليار دولار. أما الضحايا البشرية، فإن أعدادهم ترتفع باستمرار، وآخر التقارير يتحدث عن عشرة آلاف قتيل، وهنالك كلام عن عشرات الألوف من المفقودين.


الأخطر من ذلك، هو قبل الإنفجار الذي يخشى من وقوعه في المفاعل النووي الثالث، الإنفجار الذي وقع فعلاً في المفاعل النووي الأول : دوي الإنفجار سمع على بعد 250 كلم. والمخاوف الآن، بعد أن ثبت وجود إشعاعات نووية على بعد عشرين كلم من موقع الانفجار، هي من توسع دائرة النشاط الإشعاعي، وسط مقارنات بدأت تعقد بين هذا الانفجار وانفجار مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا عام 1986، وهو الإنفجار الذي قتل عشرات الألوف، ولا تزال إشعاعاته تحدث تأثيراتها القاتلة على بعد آلاف الكيلومترات من مركز الانفجار.


ما يجري في اليابان هو كارثة لم تعرف حدود ضخامتها بعد. وتمكن قراءتها من خلال سيول من الأرقام حول الخسائر. لكن الأهم من ذلك هو أن تقرأ، كدرس، كآية.

خلال اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال وانفجار المفاعل، بدأت قنوات التلفزة باستطلاع آراء المختصين حول التداعيات الممكنة. وسمعت، من بعض "كهنة" العلم آراء هونت من شأن المخاطر، على اساس أن اليابان بلد متقدم تخضع فيه أعمال البناء العادية لمعايير صارمة لجهة احتساب الزلازل، فكيف بتلك المعايير عندما يتعلق الأمر بأبنية تحوي معامل نووية !


ليست هي المرة الأولى التي تخطيء فيه حسابات العلماء، وليست هي المرة الأولى التي ترتفع فيها الأصوات محذرة من لا مسؤولية البشر في إدارة شؤون حياتهم، وخصوصاً في تلك المجالات التي يضعها البعض تحت عناوين التطويع الاستكباري للطبيعة، خدمة لمقتضيات رفاه ينكشف كل يوم عن آفات ومآس أهون منها شظف العيش ومكابدة المتاعب.


وإذا، لم نشأ قراءة ما يجري في اليابان، وهو على كل حال، من صنف ما يجرى بأشكال مشابهة، أو مصغرة، لكن كثيرة العدد، في غير اليابان، كآية من الآيات الأخيرة التي تتحدث عنها الأديان السماوية، فلا شيء يمنع من قراءتها "علمانياً" على ضوء أسطورة "بروموثي" الإغريقية، والتي منها اشتق وصف الحضارة العالمية، أي الغربية، السائدة بأنه حضارة "بروميثية" : بيندار، إحدى شخصيات الأسطورة، هي الإلهة المسؤولة عن صندوق البلايا والمصائب والكوارث. صندوق مقفل. لكن السلوك البشري الطائش والمستكبر يدفعها إلى فتح صندوقها وإلقاء محتوياته الملتهبة على رؤوس البشر.


ما يجري في اليابان الآن، هو واحدة من تلك اللحظات التي تأتي على غير ميعاد لتذهل المتناقشين عن نقاشاتهم، والمتآمرين عن مؤامراتهم، وأصحاب الصفقات عن صفقاتهم والمتحاربين عن حروبهم، عندما يكتشفون ـ غالباً بعد فوات الأوان ـ أن هنالك ما هو أشد إثارة للرعب من جميع البلايا السياسية وما تثيره من قلاقل وحروب قاتلة ومدمرة !


لكن القراءة لا يبدو أن ظروفها قد نضجت بعد: ألا ترون إلى هذه المذيعة التلفزيونية وهي تفصل بابتسامة تلفزيونية مدروسة، بين كل جملة وجملة، في تغطيتها الإخبارية لمشاهد الكارثة اليابانية التي تسحب ذيولها على العالم !؟


2011-03-15