ارشيف من :أخبار لبنانية

حملة الحريري على المقاومة.... أبعد من المحكمة ورئاسة الحكومة

حملة الحريري على المقاومة.... أبعد من المحكمة ورئاسة الحكومة
هيلدا المعدراني

يتراءى لأوساط سياسية مراقبة، أن الهبّة التي يقودها سعد الحريري وحلفاؤه في فريق 14 آذار تحت شعار نزع سلاح المقاومة، تتجاوز بأبعادها الأسباب المعلنة لتفجيرها، وهي لا ترتبط حصراً بخروج الحريري من رئاسة الحكومة وخسارته الأكثرية النيابية، كما أنها ليست حرباً استباقية يخوضها هذا الفريق لحماية محكمته الدولية أو لتخويف الحكومة الجديدة من مغبة إقدامها على خطوات إجرائية تفك ارتباط لبنان بهذه المحكمة، إنما ترتبط بلعبة دولية كبيرة موضوعها هندسة المنطقة وفقا لخطة أميركية إسرائيلية، هدفها التحكم باتجاهات الثورات الإصلاحيّة في العالم العربي، وملء الفراغات المرتقبة التي ستنجم عن الانسحاب الأميركي من العراق.


وتقول هذه الأوساط إن الحريري منذ نحو اسبوعين أو ثلاثة، كان في اتصالاته غير العلنية مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ومع رئيس الجمهورية قد استحصل على ضمانات بتأليف حكومة ثلاثينية لكنها تبددت ضمن توازنات هذه الحكومة، والخلاف على الحصص بين الأطراف المشاركة فيها (حصص الرئيسين سليمان وميقاتي وجنبلاط) وما يزعمه عن مخاوف لدى أبناء الطائفة السنية.

كما اضافت الاوساط أن الادارة الاميركية استحصلت عبر السفيرة مورا كونيللي وعبر الموفدين من الكونغرس الاميركي الذين أتوا الى لبنان على ضمانات بأن تكون هناك كتلة وسطية بين رئيس الجمهورية وبين نجيب ميقاتي، وهذه الكتلة تضم 11 وزيرا وتشكل الثلث الضامن الذي يحفظ الخطوط السياسية العريضة التي يطالب بها سعد الحريري والادارة الاميركية.

وبكلام آخر، اذا كان هناك من مخاوف لدى الاميركيين ولدى سعد الحريري والمملكة السعودية بأن هذه الحكومة هي حكومة حزب الله، وان ميقاتي يحمل دفتر شروط يسعى لتطبيقه، ويتضمن الغاء المحكمة والنزاع معها من أجل ابطال قراراتها ومفاعيلها، فهذا امر غير صحيح، لأن ميقاتي نفى هذا الأمر، وليس مطلوبا منه اساساً الغاء المحكمة، ولأن ميقاتي قال للسفيرة الاميركية وللمبعوثين الاوروبيين، انه لن يدخل في نزاع مع المحكمة، لأنه بعد صدور القرارات الاتهامية سيحول هذه القرارات الى مجلس الوزراء ومجلس النواب وربما الى طاولة الحوار، اي انه سيطرح هذه القرارات على الحوار الداخلي لتقرر المؤسسات الرسمية في الدولة مصيرها، وهذا لا يمنع في المقابل، أن حزب الله والأكثرية الجديدة قد حصلوا على ضمانات من ميقاتي بحماية المقاومة وانه لن يسمح بأي استهداف للمقاومة ولقياداتها في لبنان.

وتقول الأوساط إياها إن المناخ السياسي العاصف الذي يصنعه اليوم سعد الحريري وحلفاؤه لا علاقة له بالضمانات حول المحكمة او حول عنوان العدالة، فهم يقولون ان هذه الحكومة ستمنع تطبيق العدالة، وهذا ليس صحيحا، لأن هناك ضمانات كافية من ميقاتي، كما أن هذا الأخير يعرف أن حكومته لا مصلحة لها في الدخول في مواجهة مع الغرب المعني الحقيقي بوجود المحكمة الدولية والتي أوجدها من أجل مصالحه ومشاريعه، ووصل الأمر لدى ميقاتي بتحاشي هذه المواجهة وتدقيقه في أسماء الوزراء حتى لا يحسبوا على النواة الصلبة لفريق 8 آذار، ولو كان حزب الله يؤلف الحكومة برعاية سوريا كما تروج بروباغندا المستقبل و14 آذار لكانت أسماء الوزراء معروفة، وعليه، لا يوجد أي سبب لدى الأميركيين او لدى سعد الحريري للقول ان نجيب ميقاتي سيأتي بحكومة من لون واحد او موالية بشكل كبير ومطلق لحزب الله وسوريا.

وهنا تطرح الأوساط سؤالا: هل يا ترى احداث الخليج او احداث المنطقة فرضت على واشنطن وتل أبيب والرياض تشجيع الحريري على خيار يا قاتل يا مقتول لنقل لبنان الى مربع آخر ينقلب فيه كل المشهد السياسي الداخلي، وربما يفرض على الأكثرية الجديدة وسوريا تغيير تكتيكهم وتغيير مقاربتهم وتصورهم للتركيبة الحكومية العتيدة.


وبرأي هذه الأوساط فإن سعد الحريري وامين الجميل وبطرس حرب لا ينتقلون الى المعارضة بدون غطاء أميركي، وبتقديرها هناك رغبة اميركية بأن تنتقل كل 14 آذار في جبهة متراصة إلى موقع المعارضة الجديدة، وهذا يعني ان هناك خطة سياسية جديدة لدى الادارة الاميركية، والا لماذا هي ستطلب من امين الجميل وبطرس حرب عدم قبول توزيرهما في حكومة ميقاتي، ولماذا تريد ان تغطي معارضة سعد الحريري، وهل يجرؤ هذا الأخير ان ينتقل الى المعارضة بدون غطاء اقليمي على الاقل سعودي واميركي، حتما ان مثل هذا الغطاء هو موجود وهذا يعني اننا دخلنا في خطة جديدة وهذه الخطة لا تزال غير معروفة الملامح، ولكن اذكاء الصراع السني الشيعي من جديد تحت عنوان سلاح حزب الله والدخول الى هذا الصراع من جديد له علاقة بالخطة الاميركية الجديدة وليس له علاقة بسعد الحريري وبالصراع الداخلي في الحكومة وبالضمانات الداخلية التي يطلبها الاميركيون وسعد الحريري حيال المحكمة.

وتضيف الأوساط المذكورة، ليس هناك ما يبرر النبرة المذهبية العالية للحريري إن في حملته الإعلامية لمهرجانه الأخير أو لكلمته في 13 آذار، كما أن الحريري تعمد عن سبق الإصرار والتصميم على تنفير الطائفة السنية من الرئيس ميقاتي لتعطيل أي مسعى يقوم به الأخير لتبريد الأجواء الأهلية، واستخدم الحريري المحكمة وسلاح المقاومة ذريعة لتسميم الأجواء السياسية وتوتيرها عبر اصطناع مظلومية لا وجود لها عند أهل السنّة، فدرجة السعار المذهبي الذي نفخ فيه الحريري تتعدى حاجته لبناء عصبية شعبية تحمي مطالبه أو مخاوفه، لا بل هي تستجيب لضرورات أميركية وإسرائيلية وسعودية للتلاعب بحركة الاحتجاجات الشعبية في الخليج وحرفها عن وجهتها الإصلاحية وتحويلها إلى صراع مذهبي عريض يستدرج إيران إلى أتونه، وليفسح الطريق أمام "إسرائيل" للدخول إلى قلب المنطقة من بوابة اختلاف مكوناتها المذهبية بعد افتقادها بوابة كمب ديفيد التي تشرع الثورة المصرية يإيصادها.


2011-03-17