ارشيف من :آراء وتحليلات

لكي لا تسقط الثورات العربية... ثمرة ناضجة في الحضن الأميركي !

لكي لا تسقط الثورات العربية... ثمرة ناضجة في الحضن الأميركي !
عقيل الشيخ حسين

"ما فعله الشعب المصري أكبر من الأهرامات !". هذا ما قالته هيلاري كلينتون أثناء تجولها في "ميدان التحرير". رسالة متعددة الأبعاد :

أولاً، وبما أن حسني مبارك قد أصبح من الماضي، إلى أمثال حسني مبارك ممن جعلوا من أنفسهم خدماً للسياسات الأميركية والصهيونية، بمهام في طليعتها تدمير شعوبهم اقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً : كل ما فعلتموه وتفعلونه في خدمة سياساتنا لا يمنع، عندما تقضي المصلحة، من رميكم كأي شيء يرمى بعد الاستعمال.


ثانياً إلى أصحاب ميدان التحرير : ثورتكم، هي ـ بدليل وجودي في ميدان التحريرـ هي إعادة إنتاج، مثلاً، للثورة العربية الكبرى عندما طردت العثمانيين من الجزيرة العربية وبلاد الشام، وسلمت مفاتيح البلاد للجنرال البريطاني، اللنبي، ولفيالقه التي غنمت البلاد بغير حرب، وفي طليعتها الفيلق اليهودي، الذي كان نواة ما أصبح فيما بعد، "جيش الدفاع الإسرائيلي".


من الآن، وحتى تقوم الثورة المصرية، طالما أن هيلاري وطأت بقدميها، ميدان التحرير، وقبله مطار القاهرة، باكتشاف معيار ثوريتها المتمثل بإعادة مصر إلى موقعها الريادي، إقليمياً ودولياً، عبرالتصدي للسياسات الأميركية ـ الصهيونية، فإن كلام كلينتون يظل صحيحاً، خصوصاً وأنه تزامن مع إعادة ضخ الغاز المصري إلى "إسرائيل"، مع كل ما يعنيه ذلك من أخطار منها خطر البحث عن اسم آخر لـ "ميدان التحرير".


وبوسع كلينتون أن توجه إلى أصحاب الثورة الليبية كلاماً مشابهاً، من نوع أن ما فعلتموه كبير، وأن ما فعلتموه لم يكن ليتم لولا وقوف أميركا في صفكم، بدليل أن الحظر الجوي الذي طبخته أميركا ببطء وعناية، هو ما بفضله تحتشدون في ساحات بنغازي وتطلقون العنان لفرحكم الطاغي وترقصون حتى مطلع الفجر، كما ولو أنكم حررتم طرابلس من قبضة القذافي.


ما الذي يعنيه هذا الفرح الطاغي في ساحات بنغازي غير تعبير عن الاعتراف بجميل أميركا، بعدما قال بعض الناطقين باسم الثورة الليبية، بالفم الملآن، "شكراً فرنسا"، رداً على اعتراف هذه الأخيرة بالمجلس الوطني كممثل شرعي للشعب الليبي ؟ أميركا وفرنسا اللتان بات بإمكانهما، وهما من هما في طبيعتهما الاستعمارية، وفي دعمهما للحكام الفاسدين والطغاة، أن تلمعا صورتيهما وأن تظهرا بمظهر المنافحين عن حرية الشعوب.


من الآن، وحتى يدرك أصحاب الثورة الليبية أن المراوغة الأميركية هي التي سمحت لقوات القذافي بالوصول إلى مشارف بنغازي، بعد أن كانت الثورة قد حاصرت القذافي في قاعدة عسكرية في طرابلس، وأن الحظر الجوي لن ينفذ إلا في إطار "تثبيت" خط لوقف إطلاق النار، يصلح كأساس لترسيم حدود "دولية" بين شرق ليبيا وغربها...


وأن المرحلة التالية ستكون مرحلة قطف الثمار أميركياً : إطلاق حرب باردة بين الدولتين الليبيتين، عبر استخدام كل منهما كأداة ترهيب ضد الآخرى بشكل يسمح لأميركا باستنزاف الفريقين، على طريقة الهرين اللذين اختلفا على قطعة جبن فاحتكما إلى قرد أكل قطعة الجبن من خلال استراتيجية اقتسام محكمة...


دون استثناء سيناريوهات مفتوحة أخرى قد تؤول إلى عودة القذافي إلى إحكام قبضته على كامل الوضع، أو إلى "انتصار" الثورة، تبعاً لقدرة كل فريق على تسليم مفاتيح البلاد لأميركا...


من الآن وحتى يدرك أصحاب الثورة الليبية ذلك، طالما أنهم باتوا مدينين في بقائهم لحظر جوي خرج من المطبخ الأميركي، وطالما أن بعض الناطقين باسمها يرفعون أصواتهم بمطالبة أميركا بالإجهاز على قوات القذافي، عارضين بذلك استعدادهم لمبايعة أميركا...


يكون على الجماهير الليبية التي تحركت بدافع تحرري محض أن تعلم بأن ثورتها تقف على شفا منزلق بالغ الخطورة : رغم الحظر الجوي، فيما لو استبعد سيناريو التقسيم، لا شيء يمنع أميركا من الاستمرار في المراوغة وصولاً إلى تمكين قوات القذافي من تنفيذ تهديداته وتدمير بنغازي لتحقق بذلك هدفاً مهماً هو إجبار الجماهير على إعلان التوبة عن كل تفكير بالثورة.


وما يقال عن الثورة الليبية يقال عن سائر الثورات العربية. ولا سيما عن الثورة التونسية التي رأت كلينتون، بعد أن فرغت من زيارتها لمصر، تنتقل إلى تونس، لتعرض الاستعداد لـ "شرائها" تحت عناوين التنمية والاستثمار في القطاع الخاص.


لقد بات من الواضح، بعد دروس ليبيا واليمن والبحرين، أن الأنظمة لا تتورع عن ضرب شعوبها العزلاء حتى الإبادة، وأن أميركا تعرب أثناء ذلك عن القلق، وقد توجه إدانات لفظية مخادعة أو تنزع الشرعية لهذا وتمنحها لذاك، على طريق إنضاج الظروف لقطف الثمار ولو كلفها ذلك رمي الأنظمة بعد استعمالها لاستبدالها بأنظمة "ديموقراطية" أكثر قدرة على خدمة سياسات الهيمنة بقفازات مخملية يمكن نزعها في أية لحظة لإبراز المخالب الأكثر حدة من مخالب ما يسمى بالدكتاتوريات.

قد تتعثر هذه الثورة العربية هنا أو هناك. وقد تتراجع خطوة إلى الوراء، وهذا ليس بدعاً من بدع التاريخ. فالمهم هو أن الشعوب العربية لن تعود إلى السجن بعد حطمت أبوابه وخرجت من ظلمته. ربما يكون عليها أن تحد النظر لتعتاد الرؤية في النور ولتتمكن من تلمس سبيل خلاصها الوحيد وسط اختلاط المعايير وتشابك السبل : الطريق القويم والصراط المستقيم والاهتداء بالخط الذي، من البداية، يتخذ لنفسه معياراً هو التصدي لأميركا والكيان الصهيوني.

2011-03-18