ارشيف من :أخبار لبنانية

فيلتمان الأميركي يهرب من فيلتمان اللبناني!

فيلتمان الأميركي يهرب من فيلتمان اللبناني!
حسين حمية

عندما سألت جريدة الوسط البحرينية جيفري فيلتمان في حوار أجرته معه أثناء زيارته المنامة مطلع هذا الشهر (4|3|2011)، عما إذا كان دوره في البحرين سيكون على غرار دوره السابق في الأزمة اللبنانية، فإذ به يستعين بكامل مهارته الكلامية ليطمئن البحرانيين بأنه ليس فيلتمان اللبناني! ولإبعاد هذا الشبح المخيف والمقزز في التاريخ الديبلوماسي، قفز عن الدفاع عما كان يتباهى بصناعته في بيروت، وتحاشى أن يذكر كلمة عن ذلك الدور ولو للتوضيح مخافة تهييج الذاكرة على ارتكاباته، ولكي ينقي "وساطته" في المنامة من أي عيب أو شائنة، كان قوله، بأن مهمته ليست لها علاقة بشخصية جيفري فيلتمان.


يحار المتابع للسياسة الأميركية في المنطقة العربية في الدوافع التي جعلت إدارة أوباما تكافىء فيلتمان وترفّعه من سفير إلى مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، علما أن هذا الرجل هو من عداد تركة بوش الثقيلة. ولو كان ادنى مستوى من دونالد رامسفيلد وبول ولفويتز وديك تشيني وغيرهم ممن يتهمهم الأميركيون بإلحاق أسوأ كارثة ببلدهم، فإن فيلتمان من ذات السلالة السياسية، وهو مسؤول عن انحطاط النموذج الأميركي وتدهور صورته عند المخدوعين بالسياسات الأميركية من الشعوب العربية.


فهو من أوهم إدارته بالرهان على أن "ثورة الأرز" ستشق الطريق أمام الأميركيين إلى قلوب العرب بعد إقفالها بوجههم إثر احتلالهم العراق، وهو من استدرج سياسات واشنطن إلى زواريب الطوائف والمذاهب في بيروت، وهو من أغوى حكومته بتبرير عدوان 2006 وإطالة أمده، وإظهار هذا العدوان على أنه مطلب شعبي لبناني مزكيا هذا الإدعاء بتغريره لسياسيين لبنانيين (يذكرهم الويكيليكس) ليفصحوا عن رغباتهم المشينة في التواطؤ على أبناء جلدتهم لقاء حساباتهم الضيقة والصغيرة.


صدّق جورج بوش أيضا فيلتمان، واعتبر أن وجود المقاومة في لبنان هي مسألة إعلامية لا علاقة لها بكرامة الشعوب والتعلق بالأرض وحق الأمم في التحرر من ربقة القهر والاستعباد، وأن عملية شطبها لا تحتاج سوى استئجار أقلام وإصدار مطبوعات وتلفيق تهم بكلفة 500 مليون دولار. كما صدّقه على قابلية بيروت لاحتمال قرضاي لبناني في السراي، وعلى صحة الاستثمار على هذا القرضاي والإفادة من مؤهلاته ليتحول إلى أنور سادات ولو صغيرا في اللحظة المناسبة.


أكثر من هذا، جرّ فيلتمان إدارته إلى سلوك وضيع يحط من مكانتها الدولية المعروفة وتترفع عن ممارسته دول أقل شأنا منها، فأقنعها بضرورة تدخلها في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي وإسقاط المرشح العوني كميل خوري لتعزيز معسكر عرب الاعتدال بوجه محور دول الممانعة، والطلب من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بذل مساعيه لحلحلة العقد الانتخابية بين بطرس حرب ونايلة معوض وسمير فرنجية وسائر مرشحي 14 آذار، إضافة إلى تجميد أموال لا أثر لها في البنوك الأميركية لشخصيات لبنانية معارضة من أمثال الوزير السابق وئام وهاب وغيره.


كل إنجازات فيلتمان في لبنان والتي بناها بكلفة باهظة نالت من سمعة بلاده وهيبتها والتي كان يفاخر بها في واشنطن، ذهبت أدراج الرياح، فكان عدوان 2006 مناسبة لتحقيق أعظم انتصار للمقاومة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وضع العدو في مواجهة صعوبات استراتيجية ما زال عاجزا عن معالجتها، في حين ذهبت الـ 500 مليون دولار إلى جيوب الانتهازيين وصيادي الفرص دون أن تنال من صورة المقاومة التي ازدادت تألقا في عيون اللبنانيين والعرب والعالم، والأكثرية النيابية في لبنان لم تعد موالية لواشنطن، وعادت السراي إلى غابر عهدها تحمي ظهر المقاومة وتصون انتصاراتها.


قد يكون فيلتمان، كما نجح في تسويق "ثورة" الأرز لتفعيل دوره في إدارة بوش، نجح أيضا في اتخاذ المحكمة الدولية بطاقة لتثبيت الموقع الذي يحتله راهنا في وزارة الخارجية الأميركية، لكن بعد اندلاع الانتفاضات العربية، وكما ظهر من جولاته الأخيرة في عواصم الاحتجاجات أو المرشحة لمثل هذه الاحتجاجات، تحوّل هذا الديبلوماسي إلى عبء على إدارته، فكان كافيا للسيد حسن نصرالله أن يقطع الطريق على مهمته في أكثر من عاصمة بسطرين في إحدى خطبه عندما قال: " بالأمس سمعنا أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السيد جيفري فيلتمان عزيز بعض اللبنانيين الذين يسمونه جيف، أنه سافر إلى تونس وهذه علامة شؤم وعلى الشعب التونسي أن يكون واعياً عندما يأتي فيلتمان ويقول أنه يريد أن يتحدث مع الحكومة المؤقتة عن الإجراءات والانتخابات والحريات فعلينا أن نعرف أن هناك مؤامرة أميركية جديدة تحاك بالخفاء وبالعلن على انتفاضة وقيامة هذا الشعب." ، فكان أن طالبه ثوار تونس قبل وصوله إلى عاصمتهم بالعودة إلى بلاده، ورفضوا اقتراحاته لتكوين السلطة الجديدة، وهي اقتراحات أراد منها انتزاع فسحة من الوقت لتثبيت بقايا نظام بن علي والتغطية على ارتكابات بلاده المخالفة للقوانين الدولية الإنسانية لجهة تعاونها مع أجهزة الأمن التونسية في تعذيب المعتقلين.


وإذ تم إبعاده من قبل إدارته عن الثورة المصرية نظرا لانكشافه أمام الثوار المصريين ونظام مبارك، وعلى اعتبار أن كلا الطرفين لن يأخذه على محمل الجد، فإن دخوله على خط الأزمة البحرينية ارتد توسعا للأزمة وانفتاحها على احتمالات تتجاوز أخطارها الحيز الداخلي لتهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، فكان تشاطره على المعارضة البحرينية بدعوتها إلى إنهاء تحركها والدخول مع السلطة في حوار غائم لا ضمانات تسنده، بمثابة تكرار لسيناريو غلاسبي (سفيرة واشنطن في بغداد سابقا) الذي شجع صدام حسين على غزو الكويت، فقرأ النظامان السعودي والبحريني في دعوته إجازة أميركية لقمع الاحتجاج الشعبي بطريقة وحشية وهمجية زادت من تعميق الأزمة ورفعت من حدة تأجيجها، ولم يعد فيلتمان يفي بالغرض.


لكن مع كل الكساد الذي يواجه بضاعته الديبلوماسية، هناك في بيروت، ما يعزي فيلتمان، فنصائحه ما زالت نافذة ولو كان ثمنها الخروج من رئاسة الحكومة.


2011-03-18