ارشيف من :خاص
الدساتير العربية مادة دسمة للثورات: ثغرات ونواقص في النص والتطبيق وتغطية لفرعونية الحاكم
أحمد شعيتو
في خضم الثورات تقفز الى واجهة الاهتمام الدساتير العربية.. هي تشكل محور مطالب الشعوب بموازاة تغيير الحاكم كما تتمحور حولها مبادرات ـ أو مناورات ـ الحلول التي يطرحها الحاكم اثناء الثورة ليدفع عن نفسه بعضا من المآزق او تكون التعديلات او حتى طرح العمل على دستور جديد "طرحا وقائيا" من قبل بعض الانظمة.. هذه الدساتير بمثابة "وقود" يشعل الثورات ـ بما تحمل من الثغرات ـ وان بعد زمن طويل.. وبعض الدساتير تحمل ايجابيات في بعض المواد لكن لا يتم تطبيقها او تحمل مواد "مطاطة" يتصرف بتفسيرها وتطبيقها الحاكم كيفما يشاء ووفق مزاجه ورؤيته الخاصة. وهي بقيت واستمرت رغم الثغرات ردحا طويلا من الزمن في ظل قوانين طوارئ وفي ظل انظمة قمعية وكم للافواه وعوامل خارجية اخرى كثيرة..
ملاحظات حولها
ويتلاعب الحكام بتلك الدساتير ويفصلونها كالثوب على مقاسهم وهي ان تم التمعن فيها يمكن ادراج العديد من الملاحظات حولها:
ـ معظم الدساتير العربية تؤكد على أن دين الدولة هو الإسلام و أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية ولكن يبقى الخلل في التفسيرات القانونية و التشريعية الوضعية وفي تحديد وتفسير ثوابت العروبة وثوابت الدين الإسلامي .
ـ كل الدساتير العربية، وبلا استثناء، لا تحدد مفهوم الوطن القطري بشكل حاسم ونهائي
ـ في الدول التي شهدت ثورات والتي لم تشهد بعد استمر الحاكم عقودا على كرسيه متحصنا ومحتميا بالدستور الذي تارة يفسره على قياسه وتارة اخرى يضع اسسه المناسبة لاستمرارية حكمه ونهجة واعادة انتاج طغيانه..
ـ تؤكد معظم الدساتير على حقوق الانسان لكن لا تطبيق لهذا الامر بتاتا..
ـ تبقى الثغرات واضحة في امور الانتخابات والاحزاب حيث كانت المطالبات دوما كما في مصر نموذجا بتعديلات دستورية تشمل مواد تتعلق بالانتخابات والترشح وفترة الرئاسة وقانون الانتخاب وتشكيل الاحزاب.
"اي دستور هو دستور فاشل اذا لم يراع امرين: الحرية والعدالة"... هذا ما يؤكده لـ"الانتقاد" الوزير الدكتور عدنان السيد حسين استاذ العلوم السياسية والقانون الدولي وهو يعتبر ان "الثغرات الاساسية ليست في النص وانما عدم تطبيقه فأحيانا كثيرة تتحدث معظم الدساتير عن حقوق الانسان، ووردت عبارات ان الشعب مصدر السلطات مما يعني ان المواطنين يجب ان يكونوا متساوين في الشأن السياسي وتداول السلطة واحترام الحقوق لكن هذا لم يحصل"..
وفي حديثه عن الثغرات يضيف "لم تتطور هذه الدساتير بشكل مرن فمعظمها يتصف بالصيغة الجامدة التي يصبح معها التعديل محتاجا الى جهود مضنية وشبه استحالة كمثل موضوع حرية الاحزاب وتعدده".
كما يلفت الى ان "موضوع العدالة الاجتماعية ومسألة التنمية لم تأخذ حيزا كافيا في الدساتير رغم النقلة العالمية في هذا المجال".
نموذج الكتاب الأخضر
وكما الدساتير العربية فيها الكثير من النواقص وان كانت الثغرات في النص حينا او في تطبيق النص حينا اخر فإن ذلك يعطي مثالا على كيفية سير العملية الدستورية والحياة السياسية في الدول العربية. وهنا يمكن التساؤل كيف يكون "الكتاب الاخضر" في ليبيا وهو نموذج عن دستور دولة عربية كيف يكون هو الدستور وهو من وضع شخص واحد وهو الحاكم اي يفصل اسس الحكم على حسب رايه وهو الحاكم فيكون بذلك كالحاكم بأمره، مع العلم ان وضع الدساتير يحتاج الى لجان خاصة وبحوث واستشارات وجلسات مطولة ومؤسسات قائمة وليس لفكر رجل واحد فكيف اذا كان هذا الرجل هو نفسه الحاكم فحدث ولا حرج عن السلبيات.
فالكتاب الاخضر يعتبره القذافي دستور ليبيا وهو الذي وضعه وهو مؤلف من الركن السياسي ويتناول فيه مشاكل السياسة والسلطة في المجتمع وكيفية حلها بحسب نظرته.. كما يتناو ل في الفصل الثاني الركن الاقتصادي ويتضمن حلول المشاكل الاقتصادية التاريخية بين العامل ورب العمل. وفي الفصل الثالث الركن الاجتماعي وفيه طروحات عن الاسرة والام والطفل والمراة والثقافة والفنون.
وكتب الكثير عن ثغرات هذا الكتاب وعن الغرابة في افكاره. ويؤكد دارسون له ان هذا الكتاب الذي يجبر القذافي الطلاب على درسه هو في افكاره مثار الكثير من التهكم. وكمثال على ذلك منها جملة واردة في الكتاب تقول "الرجل ذكر والمرأة أنثى"..
وهذا الكتاب لا يتضمن حقوق المواطنين أو التزامات الدولة ولا يتضمن الفصل بين السلطات كما لا يتضمن دستورا بالمعنى الحقيقي للكلمة بل نظرة للحكم من تأليف القذافي يسميها "النظرية العالمية الثالثة" وهو وضعها بعد ان سيطر على السلطة في ليبيا في انقلاب أبيض في ايلول سبتمبر 1969 .
وبحسب نظرية القذافي فيمكن التوفيق بين منهج التعاليم الاسلامية وبين الاشتراكية وهذه النظرية تقدم في هذا الكتاب توجيهات سياسية واقتصادية فضفاضة بشأن ادارة ليبيا.
وقد جاء احراق الكتاب الاخضر من قبل المتظاهرين الليبييين ودعوتهم الى انهاء "الحكم العسكري" و"احتكار السلطة" من جانب القذافي دليلا على الكره الذي يكنونه للكتاب الاخضر وافكاره وتأكيدا على ضرورة تبني دستور مناسب .
أسباب استمرارية الدساتير
الدكتور السيد حسين يلفت في موضوع عوامل استمرارية الدساتير العربية رغم الثغرات الى عدة امور:
أ– "اذا اردت اليوم ان تعدل الدساتير يحتاج الامر لتغطية ارادة سياسية وهذا متوفر الان الى حد ما في مصر وتونس ويمكن ان يتوفر في دول عربية اضافية، حتى في لبنان موضوع الدستور بحاجة لبعض التعديل في ضوء الارادة السياسية للشعب اللبناني لكن هذا الامر ـ أي تغطية الارادة السياسية ـ لم يكن متاحا في العقود الاخيرة وهذا ما اجل علمية الاصلاح السياسي".
ويستطرد السيد حسين في الموضوع المصري مشيرا الى انه "في مسألة الثورة المصرية والتعديل على الدستور مهما عدلت فالامر يحتاج الى استبداله بدستور جديد لأن الشعب يريد ان يغير كل شيء في السياسة والاقتصاد والاجتماع فهو في مرحلة ثورة وليس اصلاح، وكذلك الامر بالنسبة الى الشعب التونسي".
ب ـ عمر السلطة السياسية في العالم العربي هو الأطول في التاريخ السياسي المعاصر بمعنى ان الحاكم العربي هو الأطول عمرا في الحكم قياسا بكل الدول النامية فلا تجد في بلدان العالم حاكما يستمر في سدة الحكم 40 و30 و25 سنة ثم يأتي ابنه او الحاشية او الاقربون فهذا امر مخجل في السياسة العربية، حتى انه في اربعينات القرن الماضي بعد استقلال اكثرية الدول وقيام بعض الدول العربية المستقلة لم يكن الأمر بهذا السوء بالنسبة للسلطة.. فهناك دكتاتورية وفرعونية سياسية من نوع جديد تطغى على الحياة السياسية العربية"..
ويخلص السيد حسين الى اننا "بسبب ذلك نلاحظ النزعة الثورية الشبابية وانه لأول مرة في التاريخ المعاصر يشارك في الثورة الاغنياء والفقراء والمسلمون والمسيحيون واهل المدن والصعيد مما يعني ان هناك ضيقا وشعورا بالقهر الاجتماعي"..
في خضم الثورات تقفز الى واجهة الاهتمام الدساتير العربية.. هي تشكل محور مطالب الشعوب بموازاة تغيير الحاكم كما تتمحور حولها مبادرات ـ أو مناورات ـ الحلول التي يطرحها الحاكم اثناء الثورة ليدفع عن نفسه بعضا من المآزق او تكون التعديلات او حتى طرح العمل على دستور جديد "طرحا وقائيا" من قبل بعض الانظمة.. هذه الدساتير بمثابة "وقود" يشعل الثورات ـ بما تحمل من الثغرات ـ وان بعد زمن طويل.. وبعض الدساتير تحمل ايجابيات في بعض المواد لكن لا يتم تطبيقها او تحمل مواد "مطاطة" يتصرف بتفسيرها وتطبيقها الحاكم كيفما يشاء ووفق مزاجه ورؤيته الخاصة. وهي بقيت واستمرت رغم الثغرات ردحا طويلا من الزمن في ظل قوانين طوارئ وفي ظل انظمة قمعية وكم للافواه وعوامل خارجية اخرى كثيرة..
ملاحظات حولها
ويتلاعب الحكام بتلك الدساتير ويفصلونها كالثوب على مقاسهم وهي ان تم التمعن فيها يمكن ادراج العديد من الملاحظات حولها:
ـ معظم الدساتير العربية تؤكد على أن دين الدولة هو الإسلام و أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية ولكن يبقى الخلل في التفسيرات القانونية و التشريعية الوضعية وفي تحديد وتفسير ثوابت العروبة وثوابت الدين الإسلامي .
ـ كل الدساتير العربية، وبلا استثناء، لا تحدد مفهوم الوطن القطري بشكل حاسم ونهائي
ـ في الدول التي شهدت ثورات والتي لم تشهد بعد استمر الحاكم عقودا على كرسيه متحصنا ومحتميا بالدستور الذي تارة يفسره على قياسه وتارة اخرى يضع اسسه المناسبة لاستمرارية حكمه ونهجة واعادة انتاج طغيانه..
ـ تؤكد معظم الدساتير على حقوق الانسان لكن لا تطبيق لهذا الامر بتاتا..
ـ تبقى الثغرات واضحة في امور الانتخابات والاحزاب حيث كانت المطالبات دوما كما في مصر نموذجا بتعديلات دستورية تشمل مواد تتعلق بالانتخابات والترشح وفترة الرئاسة وقانون الانتخاب وتشكيل الاحزاب.
"اي دستور هو دستور فاشل اذا لم يراع امرين: الحرية والعدالة"... هذا ما يؤكده لـ"الانتقاد" الوزير الدكتور عدنان السيد حسين استاذ العلوم السياسية والقانون الدولي وهو يعتبر ان "الثغرات الاساسية ليست في النص وانما عدم تطبيقه فأحيانا كثيرة تتحدث معظم الدساتير عن حقوق الانسان، ووردت عبارات ان الشعب مصدر السلطات مما يعني ان المواطنين يجب ان يكونوا متساوين في الشأن السياسي وتداول السلطة واحترام الحقوق لكن هذا لم يحصل"..
وفي حديثه عن الثغرات يضيف "لم تتطور هذه الدساتير بشكل مرن فمعظمها يتصف بالصيغة الجامدة التي يصبح معها التعديل محتاجا الى جهود مضنية وشبه استحالة كمثل موضوع حرية الاحزاب وتعدده".
كما يلفت الى ان "موضوع العدالة الاجتماعية ومسألة التنمية لم تأخذ حيزا كافيا في الدساتير رغم النقلة العالمية في هذا المجال".
نموذج الكتاب الأخضر
وكما الدساتير العربية فيها الكثير من النواقص وان كانت الثغرات في النص حينا او في تطبيق النص حينا اخر فإن ذلك يعطي مثالا على كيفية سير العملية الدستورية والحياة السياسية في الدول العربية. وهنا يمكن التساؤل كيف يكون "الكتاب الاخضر" في ليبيا وهو نموذج عن دستور دولة عربية كيف يكون هو الدستور وهو من وضع شخص واحد وهو الحاكم اي يفصل اسس الحكم على حسب رايه وهو الحاكم فيكون بذلك كالحاكم بأمره، مع العلم ان وضع الدساتير يحتاج الى لجان خاصة وبحوث واستشارات وجلسات مطولة ومؤسسات قائمة وليس لفكر رجل واحد فكيف اذا كان هذا الرجل هو نفسه الحاكم فحدث ولا حرج عن السلبيات.
فالكتاب الاخضر يعتبره القذافي دستور ليبيا وهو الذي وضعه وهو مؤلف من الركن السياسي ويتناول فيه مشاكل السياسة والسلطة في المجتمع وكيفية حلها بحسب نظرته.. كما يتناو ل في الفصل الثاني الركن الاقتصادي ويتضمن حلول المشاكل الاقتصادية التاريخية بين العامل ورب العمل. وفي الفصل الثالث الركن الاجتماعي وفيه طروحات عن الاسرة والام والطفل والمراة والثقافة والفنون.
وكتب الكثير عن ثغرات هذا الكتاب وعن الغرابة في افكاره. ويؤكد دارسون له ان هذا الكتاب الذي يجبر القذافي الطلاب على درسه هو في افكاره مثار الكثير من التهكم. وكمثال على ذلك منها جملة واردة في الكتاب تقول "الرجل ذكر والمرأة أنثى"..
وهذا الكتاب لا يتضمن حقوق المواطنين أو التزامات الدولة ولا يتضمن الفصل بين السلطات كما لا يتضمن دستورا بالمعنى الحقيقي للكلمة بل نظرة للحكم من تأليف القذافي يسميها "النظرية العالمية الثالثة" وهو وضعها بعد ان سيطر على السلطة في ليبيا في انقلاب أبيض في ايلول سبتمبر 1969 .
وبحسب نظرية القذافي فيمكن التوفيق بين منهج التعاليم الاسلامية وبين الاشتراكية وهذه النظرية تقدم في هذا الكتاب توجيهات سياسية واقتصادية فضفاضة بشأن ادارة ليبيا.
وقد جاء احراق الكتاب الاخضر من قبل المتظاهرين الليبييين ودعوتهم الى انهاء "الحكم العسكري" و"احتكار السلطة" من جانب القذافي دليلا على الكره الذي يكنونه للكتاب الاخضر وافكاره وتأكيدا على ضرورة تبني دستور مناسب .
أسباب استمرارية الدساتير
الدكتور السيد حسين يلفت في موضوع عوامل استمرارية الدساتير العربية رغم الثغرات الى عدة امور:
أ– "اذا اردت اليوم ان تعدل الدساتير يحتاج الامر لتغطية ارادة سياسية وهذا متوفر الان الى حد ما في مصر وتونس ويمكن ان يتوفر في دول عربية اضافية، حتى في لبنان موضوع الدستور بحاجة لبعض التعديل في ضوء الارادة السياسية للشعب اللبناني لكن هذا الامر ـ أي تغطية الارادة السياسية ـ لم يكن متاحا في العقود الاخيرة وهذا ما اجل علمية الاصلاح السياسي".
ويستطرد السيد حسين في الموضوع المصري مشيرا الى انه "في مسألة الثورة المصرية والتعديل على الدستور مهما عدلت فالامر يحتاج الى استبداله بدستور جديد لأن الشعب يريد ان يغير كل شيء في السياسة والاقتصاد والاجتماع فهو في مرحلة ثورة وليس اصلاح، وكذلك الامر بالنسبة الى الشعب التونسي".
ب ـ عمر السلطة السياسية في العالم العربي هو الأطول في التاريخ السياسي المعاصر بمعنى ان الحاكم العربي هو الأطول عمرا في الحكم قياسا بكل الدول النامية فلا تجد في بلدان العالم حاكما يستمر في سدة الحكم 40 و30 و25 سنة ثم يأتي ابنه او الحاشية او الاقربون فهذا امر مخجل في السياسة العربية، حتى انه في اربعينات القرن الماضي بعد استقلال اكثرية الدول وقيام بعض الدول العربية المستقلة لم يكن الأمر بهذا السوء بالنسبة للسلطة.. فهناك دكتاتورية وفرعونية سياسية من نوع جديد تطغى على الحياة السياسية العربية"..
ويخلص السيد حسين الى اننا "بسبب ذلك نلاحظ النزعة الثورية الشبابية وانه لأول مرة في التاريخ المعاصر يشارك في الثورة الاغنياء والفقراء والمسلمون والمسيحيون واهل المدن والصعيد مما يعني ان هناك ضيقا وشعورا بالقهر الاجتماعي"..