ارشيف من :خاص

الثورات العربية: قلق اسرائيلي قبل "اختبار معاهدات السلام"

الثورات العربية: قلق اسرائيلي قبل "اختبار معاهدات السلام"
إعداد: علي شهاب
لا تجد "اسرائيل" بديلا عن الانتظار ومتابعة نتائج الحراك السياسي الثوري في المنطقة، مع إدراكها بأن أتفاقيات السلام مع حلفائها العرب ستمرّ في اختبارات جدّية خلال فترة قصيرة، مع إستقرار المشهد النهائي في الدول المحيطة بها.
وتعوّل تل أبيب بالتأكيد على الدور الأميركي لضمان استمرار التعاون الاسرائيلي – العربي، من خلال حملات دبلوماسية تشرح للأنظمة المنبثقة عن الثورات أن معاهدة "كامب دايفيد لم تنتهِ بعد"، وأن معاهدات السلام "تصب في مصلحة الديمقراطيات الجديدة"، بحسب تقرير وضعه الكاتب الإسرائيلي "إيهود يعاري" لصالح برنامج الدراسات "ليفر" المشترك بين الولايات المتحدة و"إسرائيل".
ــــــــــــــــــــــــــ
" تراقب "إسرائيل" الاضطرابات المستمرة في العالم العربي بقلق يتزايد باطراد. ففي حين يأمل الإسرائيليون في رؤية نهاية ديمقراطية سعيدة للاحتجاجات الشعبية والاستياء ضد الأنظمة الدكتاتورية، يعدون أنفسهم في الوقت نفسه لسلسلة من النتائج الأقل تفاؤلاً.
هناك شرق أوسط جديد آخذ في الظهور، يمكن أن يُطلق عليه مؤقتاً "ديمقراطية الميادين" أو انتقال السلطة من الحكومات إلى جموع المتظاهرين في الشوارع. فالحكام ينحنون للمطالب الشعبية، ويخشون مجابهة مصير الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرئيس المصري السابق حسني مبارك. ولكن لا يزال الغموض يكتنف من سيقود هذه البلدان على المدى الطويل، وفي أي اتجاه سيتحرك زعماؤها، وما نوع "الحرية" التي ستظهر. ومن المحتمل أن تنتظرنا فترة طويلة من عدم اليقين وعدم الاستقرار، مما سيرغم "إسرائيل" على التكيف مع بيئة شديدة التقلب والتغير وعلى إعادة تقييم بعض افتراضاتها الكائنة منذ فترات طويلة بشأن طبيعة علاقاتها مع بعض الدول المجاورة.
ويقيناً، تم بالكاد ذكر إسرائيل أثناء المظاهرات الضخمة والمبكرة التي جرت في مصر ودول أخرى. إلا أنه بمرور الوقت، بدأت بعض الشعارات المناهضة لإسرائيل تأخذ طريقها إلى مخزون حركة الاحتجاج. فعلى سبيل المثال، هلّل عشرات الآلاف في "ميدان التحرير" بالقاهرة عندما حثهم الزعيم الإسلامي الذي كان منفياً في السابق، الشيخ يوسف القرضاوي على الزحف نحو القدس. وقد تم تصوير مبارك على أنه عميل صهيوني مع تلطيخ وجهه بـ "نجمة داود". كما ترددت كثيراً أثناء المظاهرات في عمان دعوات بتعليق اتفاقية السلام الثنائية وطرد موظفي السفارة الإسرائيلية. أما في اليمن فقد وجه المتظاهرون أثناء هتافاتهم اتهامات بأن الرئيس علي عبد الله صالح كان يتعاون مع "إسرائيل". وفي ليبيا، غالباً ما وصف المتمردون معمر القذافي بأنه يهودي.
واختصاراً، هناك درجة من المشاعر المناهضة لإسرائيل امتزجت ببطء بالأجندة الداخلية الغامرة للمتظاهرين العرب. ومن الواضح أن إسرائيل لا تأتي على قمة هذه الأجندة، لكنها أصبحت جزءاُ من الخطاب الثوري. وفيما يلي قائمة مختصرة لمخاوف "إسرائيل" الأكثر إلحاحاً بشأن الاضطرابات المستمرة.
مبيعات الغاز المصرية ومراجعة المعاهدة
يبذل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" المصرية بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي جهداً هادئاً لطمأنة "إسرائيل" بعدم تغيّر سياسة القاهرة تجاهها، وأن مصر ما زالت تعتبر السلام الثنائي كأصل استراتيجي رئيسي. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يبدو أن القيادة العليا للجيش تتردد بشأن استئناف صادرات الغاز إلى "إسرائيل" خشية رد فعل الجمهور. وفي هذه المرحلة، فإن التردد هو سياسي بطبيعته، ولا يرجع إلى صعوبات فنية. وينتاب "المجلس" قلق خاص بشأن التحقيق الحالي في تهم الفساد التي انطوى عليها آخر عقد يحكم مبيعات الغاز المصرية إلى إسرائيل، والذي وقف وراءه صديق مبارك المقرب، حسين سالم، أحد أوائل المصريين الذين فروا من البلاد عندما اكتسبت الثورة زخماً. وكلما طال هذا التعليق، زادت صعوبة إعلان القاهرة عن استئناف المبيعات. وتفيد آخر الأخبار التي وردت عن الحكومة الجديدة بأنه سيتم قريباً استئناف إمدادات الغاز لكن سيعاد التفاوض على الأسعار.
ومهما كانت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من المرجح أن تسعى الحكومة المقبلة إلى "مراجعة" بنود عديدة في معاهدة السلام مع إسرائيل من عام 1979. فعلى سبيل المثال، أشار بعض السياسيين المصريين إلى رغبتهم في ربط التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية باستمرار تنفيذ المعاهدة. وقد دعت جماعة "الإخوان المسلمين" بالفعل إلى إعادة تقديم المعاهدة لاستفتاء وطني.
وفي الواقع، مع الإلغاء الرسمي لـ "مباحث أمن الدولة"، الهيئة المصرية التي كانت تضطلع في العادة بمهمة تقليص أنشطة "الإخوان المسلمين"، أصبحت "الجماعة" أكثر جرأة يوماً بعد يوم. وبالتأكيد سوف تستخدم نفوذها للمنافسة على ربع المقاعد في البرلمان، إلى جانب التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية. يبدو أن قوة "الإخوان" المتزايدة، إلى جانب البيانات السياسية من قبل المرشحين الرئاسيين المحتملين، تشير إلى أن زعماء مصر القادمين سيتّبعون سياسة جديدة تجاه "حماس" في قطاع غزة. وباختصار، إن احتمال مجيء حكومة في القاهرة تكون أقل ودية وتعاوناً هو أمر شبه مؤكد.
عدم الاستقرار في سيناء
من المرجح أن تركز الحكومة المصرية القادمة أيضاً على إزالة "القيود على السيادة" التي فرضتها معاهدة السلام، ويعني ذلك النصوص التي تتطلب نزع شرق سيناء من السلاح. لقد سمحت "إسرائيل" بالفعل لمصر بنشر ثلاث كتائب في المناطق منزوعة السلاح، لحماية "شرم الشيخ" ومنطقة "العريش – رفح" المجاورة لحدود قطاع غزة. ويمكن تصور أيضاً قبول "إسرائيل" مراجعة محدودة لـ "البروتوكول العسكري" للسماح بتواجد عسكري مصري بالقرب من الحدود على أمل تحسين سيطرة القاهرة على سيناء.
ومنذ اندلاع الثورة، فقدت السلطات المصرية فعلاً سيطرتها على معظم أجزاء شبه الجزيرة وبعض قبائل البدو التي تقطنها. وقام الجيش المصري بإخلاء المواقع التي كان يشغلها من قبْل في وسط سيناء، مُركِّزاً بدلاً من ذلك على تأمين الطريق الساحلي الشمالي والطريق على طول خليج العقبة. ونتيجة لذلك، تتحول سيناء بسرعة إلى جبهة جامحة وملاذ آمن لمهربي الأسلحة المحليين والجماعات الجهادية المهاجرة. وتستغل "حماس" هذا الوضع من خلال تطوير شبكة من الحلفاء بين القبائل المسلحة بهدف زيادة الهجمات الإرهابية ضد "إسرائيل" عن طريق شبه الجزيرة. كما يضاعف "حزب الله" وإيران من جهودهما الرامية إلى الحصول على موطئ قدم قوي هناك.
وسوف تتسارع وتيرة هذه الأنشطة إذا ما غيرت القاهرة من سياستها الرسمية تجاه نظام «حماس» في قطاع غزة. ففي الاتصالات الأولى بين الجيش المصري ومسؤولي "حماس"، نوقش موضوع إعادة فتح معبر رفح بشكل دائم ليس فقط لسفر الأفراد، بل أيضاً كممر تجاري. وتقع الآن مسؤولية هذا الموضوع على عاتق مراد موافي، الذي حل محل عمر سليمان كرئيس لـ "المخابرات العامة". وفي منصبه السباق كمحافظ لشمال سيناء، تعامل موافي مع قضايا "حماس" بصورة يومية.
وفي ضوء هذه العوامل، قد تواجه "إسرائيل" قريباً معضلة رئيسية ألا وهي: كيف يمكنها إحباط الهجمات الإرهابية التي تنطلق من سيناء "على سبيل المثال، تنفيذ محاولات جديدة لإسقاط الصواريخ على إيلات" إذا ثبت أن مصر غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك. إن العمليات الإسرائيلية الوقائية عبر الحدود سوف تثير بلا شك أزمة كبيرة بين البلدين.
من زاوية فلسطينية ـ اردنية
هناك مؤشرات مختلفة توضح أن بعض الجماعات الفلسطينية ربما تنظر إلى عاصفة المظاهرات الناجحة التي اجتاحت العالم العربي على أنها نموذج للاضطرابات ضد "إسرائيل". وفعلاً تجري مناقشات هادئة بين الجماعات الفلسطينية المختلفة بشأن الهيكل والصيغة المحتملة للمسيرات من قبل آلاف الأشخاص نحو مواقع الجيش الاسرائيلي ومستوطنات الضفة الغربية وحواجز الأمن الإسرائيلية، والأهم من ذلك، القدس. وبالفعل، يتخذ الجيش الإسرائيلي تدابير استعداداً لهذه الاحتمالات.
ومن جانبها، حصلت السلطة الفلسطينية على معلومات بشأن خطط للدعوة إلى مظاهرات حاشدة في الضفة الغربية للحث على إنهاء الانقسام بين "فتح" و"حماس". وقد سمحت "حماس" بالفعل بقيام مظاهرة مماثلة في غزة. ويصعب التنبؤ في هذه المرحلة فيما إذا كان الفلسطينيون في الضفة الغربية سيستجيبون لتلك الدعوات بأعداد ضخمة أم لا. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، قد تظهر مخاطر أخرى بالإضافة إلى تحدي التعامل مع المظاهرات ذاتها. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي الضغط من الشارع إلى قبول محمود عباس باتفاق "وحدة قبل المصالحة" يمنح "حماس" سيطرة أمنية كاملة على غزة، ويتيح لها المشاركة في "حكومة وحدة وطنية" ويمكِّنها من مواجهة "فتح" في انتخابات الضفة الغربية. ومن شأن هذا الاتفاق أن يضفي الصبغة الشرعية على "حماس" بدون تأمين أي تنازلات جوهرية من قبل الحركة.
على المسار الأردني، وفي ظل الضغوط المتواصلة من الالتماسات والمظاهرات المحتملة، وعد الملك عبد الله بتعجيل الإصلاحات في المملكة. وهناك جماعات معارضة مختلفة؛ من بينها جماعة "الإخوان المسلمين" ومواطنين فلسطينيين وآخرين في شرق الأردن من المنتقدين لتصرفات الملك، تعبّر جميعها عن تحفظات بشأن السلام مع "إسرائيل". واهتماماً منه بهذا الاتجاه، عيّن العاهل الأردني بعض السياسيين المعروفين جيداً والمناهضين لـ"إسرائيل" في الحكومة الجديدة التي شكلها رئيس الوزراء معروف البخيت. كما عيّن أيضاً أحد أشد المنتقدين لـ"إسرائيل" خالد الكركي رئيساً لـ "الديوان الملكي"، وهو منصب في غاية الأهمية.
من الواضح إذاً أن عمان تتجه نحو سياسة تفتير العلاقات مع "إسرائيل"، بالرغم من استمرار التنسيق حول قضايا الأمن والمياه. وفي الواقع، قد تكون هذه الفترة الأسوأ في التاريخ القصير للسلام بين الدولتين. ويخشى المسؤولون الإسرائيليون الآن من أن يقبل العاهل الأردني الدعوات الإيرانية لتحسين العلاقات بين بلاده وإيران ويقوم بزيارة طهران".
2011-03-19