ارشيف من :آراء وتحليلات
الكارثة اليابانية: أبعد من حدث بيئوي
صوفيا ـ جورج حداد*
في مطلع شهر اذار /مارس الجاري كانت الجزيرة اليابانية على موعد مع كارثة "بيئية" مشؤومة، وصفها رئيس الوزراء الياباني بأنها اسوأ كارثة تحل باليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي انتهت برمي قنبلتين نوويتين اميركيتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي، أودتا بحياة مئات الوف اليابانيين ولا يزال مئات الوف اخرين يعانون من اثارها الصحية والتشويهية الى اليوم.
في حين قال محافظ طوكيو العجوز شينتارو ايشيهارا، ذو الـ78 عاما، ان الكارثة كانت "عقابا من السماء". واتخذت الكارثة ثلاثة اشكال مرة واحدة:
ـ1ـ هزة ارضية مخيفة بلغت 8،9 درجات على مقياس ريختر. وكانت اقوى هزة ضربت اليابان قبل ذلك بقوة 8،3 درجات سنة 1928.
ـ2ـ موجة تسونامي (الامواج البحرية العاتية) لم يسبق لليابان ان شهدت مثلها في تاريخها المعروف.
ـ3ـ انفجار احد المفاعلات النووية بسبب توقف جهاز التبريد نتيجة انقطاع كابل الكهرباء الخاص به بفعل التسونامي.
ومع ان اليابان هي من أرقى البلدان الرأسمالية واغناها، فإن الكارثة كشفت تماما عدم استعدادها لمواجهة مثل هذه الحوادث سواء كانت "طبيعية" او "غير طبيعية":
فأولا ـ تقع اليابان في منطقة معرضة دائما للهزات؛ والأبنية والمنشآت والمرافق فيها مجهزة لتحمل هزات بقوة 7،0 درجات على مقياس ريختر. ولهذا فإن كل الهزات السابقة في التاريخ القريب كانت ضعيفة او شبه معدومة او معدومة الاثر. وقد اختلف الأمر تماما هذه المرة بسبب شدة الهزة. وانكشف تماما عدم الاستعداد لتلقي مثل هذه الهزة فوق الـ 7،0 درجات. وفي برنامج "حديث البلد" في احدى القنوات اللبنانية قال احد رجال الاعمال اللبنانيين صودف وجوده في طوكيو اثناء الهزة، انه كان ينزل في فندق يقع في الطوابق العليا (فوق 30 طابقا) لاحد الابنية، ولدى وقوع الهزة خرج النزلاء من غرفهم وصوت مذياع الطوارئ يدعوهم الى المغادرة، ولكن في الوقت نفسه كان المذياع يرجو الجميع عدم استخدام المصاعد الكهربائية علما ان النزول على السلالم يقتضي وقتا طويلا، فوقع النزلاء في حيرة من امرهم، ولم يبق الا ان يلبثوا في امكنتهم مسلمين امرهم لله. ولحسن الحظ ان البناء لم ينهر. الا ان احياء ومدنا بكاملها انهارت بفعل الهزة.
ثانيا ـ لم تكن اليابان مستعدة لمواجهة كارثة التسونامي، بل فوجئت بها تماما، وهذا ما ضاعف حجم الخسائر المادية والبشرية.
ثالثا ـ كما انها لم تكن مستعدة بما فيه الكفاية ومستوى الحدث ان تواجه كارثة انفجار المفاعل النووي. اذ لم يكن يوجد نظام لتجنب الانفجار قبل وقوعه، اي وجود بدائل لتشغيل جهاز التبريد ومنع حصول الانفجار، ومن ثم وجود اجهزة تعامل سريعة في حال حصول الانفجار. ومع كل التطور التكنولوجي الذي تتمتع به اليابان فإنها واجهت الانفجار والحريق الذي اعقبه بوسائل تقليدية لا تكاد تعلو عن مستوى مواجهة الحرائق في اي بلد متوسط الغنى والتطور او حتى بلد عالمثالثي فقير.
وقد ادت الكارثة، حتى الان، الى:
ـ وقوع اكثر من 25 الف ضحية حسب التقديرات شبه الرسمية غير النهائية.
ـ ان عشرات الالوف لا يزالون في عداد المفقودين.
ـ تشرد ملايين اليابانيين الذين ذاقوا مرارة التهجير في بلدهم.
ـ انتشرت الاشعاعات الذرية بشكل خطير في دائرة نصف قطرها 30 كلم، وتم اجلاء السكان منها. وتم سحب الخضار واللحوم المهددة بالتلوث، من الاسواق.
ـ بلغت الخسائر المادية المباشرة حتى الآن مئات مليارات الدولارات.
ـ شرعت بعض البلدان في التضييق على سفر المواطنين اليابانيين، واستيراد السلع اليابانية، بسبب التخوف من نقل الاشعاعات النووية. وهو ما سينعكس سلبا على الاقتصاد الياباني ويزيد من معاناة المواطنين اليابانيين.
ماذا يمكن ان نستنتج من ذلك كله؟
XXX
ـ1ـ هناك تقصير لا يغتفر من جانب الدولة اليابانية والنظام الرأسمالي الياباني والعالمي برمته، حيال مخاطر الهزات الارضية والتسونامي والحرائق النووية وغيرها التي يقع ضحيتها المواطنون، "عبيد الرأسمالية" المعاصرون، الذين يعطون الرأسمالية كل جهودهم الخلاقة طوال حياتهم، دون ان يشاركوها في الثروات التي ينتجونها هم انفسهم. وحينما تحل مثل هذه الكوارث يطير الرأسماليون في كل الاتجاهات الى المناطق الآمنة، بينما الناس العاديون يتحملون الموت والاصابات وتهديم بيوتهم فوق رؤوسهم والامراض والتشرد والفقر والجوع والبرد والاذلال والتعامل معهم على قاعدة الاحسان، بينما هم اصحاب حقوق معتدى عليهم من قبل الرأسماليين ـ المحسنين انفسهم.
ومؤسسات الدولة اليابانية، وخصوصا مؤسسات المجتمع المدني، بالاضافة الى جميع المؤسسات الدولية المعنية، هي مطالبة بأن تجري تحقيقات واسعة وشاملة حول التقصير في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع مثل هذه الكوارث التي تهدد البشرية بأسرها، أو على الاقل التخفيف من عواقبها الى الحد الادنى، والتعويض على المواطنين العاديين المتضررين.
XXX
-2- في الحسابات الرأسمالية البحت، فإن اليابان هي احدى الدول الرأسمالية الكبرى الاوائل، وكانت تزاحم اميركا في عقر دارها. واذا كان اغلاق قناة السويس (كشريان اقتصادي رئيسي كانت تستفيد منه الرأسمالية الاوروبية والاميركية اكثر من الرأسمالية اليابانية) سنة 1967، هو احد الاسباب الرئيسية لظهور الاعجوبة الاقتصادية اليابانية، فإن الكارثة الحالية، وذيولها اللاحقة، سترجع اليابان الرأسمالية الى ما قبل 1967، وتحديدا الى صباح 10 اب 1945، اي صباح اليوم التالي لالقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما (6 اب) وناكازاكي (9 اب). وطبعا ان المستفيد الاكبر (اقتصاديا ورأسماليا) من الكارثة اليابانية الحالية هو نفسه الطرف الذي القى القنبلتين النوويتين على اليابان سنة 1945، اي الولايات المتحدة الاميركية واحتكاراتها الامبريالية ـ الصهيونية. واذا كانت اليابان قد استطاعت في المرحلة السابقة التخلص من وضع التابع للامبريالية الاميركية وتحقيق "الاعجوبة اليابانية" بعد حرب حزيران/يونيو واغلاق قناة السويس في 1967، فإن الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية (التي تعلمت الدرس طبعا) بالكاد ستسمح هذه المرة بتكرار "الاعجوبة اليابانية" على حسابها، اي على حساب الولايات المتحدة الاميركية، زعيمة ما كان يسمى "العالم الحر". والارجح من الان فصاعداً ان يجري العمل على تحويل اليابان الى شبه مستعمرة اميركية ـ صهيونية، سياسيا واقتصاديا و ـ خصوصا! ـ عسكريا، بحجة حمايتها من الدب الروسي ومن التنين الصيني اللذين يقبعان على ابواب اليابان ولا يكنان اي ود للامبريالية العدوانية اليابانية التي خانت منذ زمن بعيد "شرقيتها" وتحولت الى جسم سرطاني في الشرق الاقصى معاد لروسيا والصين وكوريا والشعوب الهندوصينية وتتطلع لان تصبح "شريكا" وجزءا لا يتجزأ من الامبريالية الغربية سواء كانت النازية الالمانية او الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية.
وبناء على القاعدة البوليسية الكلاسيكية "من هو المستفيد من الجريمة؟"، فإن كون الولايات المتحدة الاميركية، كدولة واجهزتها، والامبريالية الاميركية ـ الصهيونية كنظام، او كمنظومة سياسية ـ اقتصادية ـ امنية ـ عسكرية، هي المستفيد الاكبر من الكارثة اليابانية؛ ـ بناء على هذه القاعدة ينبغي طرح السؤال التالي:
ـ هل ان الكارثة اليابانية هي مجرد "عقاب من السماء" حسب رأي محافظ طوكيو؟؟؟ وعلى القياس نفسه هي "ضربة حظ من السماء ايضا" لصالح الولايات المتحدة الاميركية واحتكاراتها الامبريالية ـ الصهيونية؟؟؟ وبشكل عام هل هي حادث "طبيعي" (بما في ذلك انفجار المفاعل النووي)، لا يد للانسان فيها، اي ليس هناك اي عمل تخريبي مقصود، سواء بإجراء تفجير مصطنع في قاع المحيط لاصطناع الهزة الارضية والتسونامي، او على الاقل في انفجار المفاعل النووي؟؟؟
ان هذه التساؤلات المشروعة والواقعية تقتضي بشكل الزامي تطوير التحقيق في التقصير، باتجاه البحث ايضا عن ادلة جرمية فيما اذا كانت الكارثة، كلها او في أجزاء منها، ليست من فعل فاعل!!
XXX
اخيرا لا آخر: اذا برأنا "السماء" (وهي طبعا بريئة) من هذه الكارثة، واذا اثبتت التحقيقات الميدانية براءة الرأسمالية اليابانية من التقصير ذي البعد الجرمي الواعي او غير الواعي، وبراءة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية من النية والفعل الجرميين ضد اليابان، شعبا ودولة ونظاما، يبقى ان نطرح السؤال التالي:
ـ هل ان هذه المأساة (والآتي اعظم) هي قدر محتوم تعود مسؤوليته على الام ـ الطبيعة؟؟؟ ام ان عقوق النظام الرأسمالي ـ الامبريالي العالمي تجاه الطبيعة، وسكوت البشر عن هذا العقوق، هو المسؤول عما حدث وسيحدث من مآس تبدو في الظاهر "طبيعية" فقط؟؟؟
ـ ان آلة البروباغندا العالمية الضخمة الامبريالية ـ الصهيونية تحاول ان تضع المسؤولية على الطبيعة وان توحي للناس بهذا الاستنتاج الظالم للطبيعة وللبشر معا.
انا شخصيا اصوّت دائما ضد الامبريالية والصهيونية، في كل ما تقوله وتفعله. وطالما ان المنظومة الامبريالية ـ الصهيونية هي التي تضع المسؤولية على الطبيعة، ففي رأيي المتواضع ان المسؤولية تقع اولا واساسا على المنظومة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية خاصة، وعلى النظام الرأسمالي المتوحش عامة.
ان الرأسمالية تستنزف المجتمع البشري كله لصالح اقلية برجوازية فاجرة متبطرة، تقف على رأسها النخبة الاحتكارية الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية. وهذه الاقلية تستنزف وتستغل البشرية بأسرها، والطبيعة بأسرها، الا انها ـ للاسف ـ لا تزال قادرة على غسل دماغ وتضليل قسم كبير من البشر تحت شعارات: الحرية وحقوق الانسان والدمقراطية والمزاحمة الحرة واقتصاد السوق وما اشبه. ونرى بأم اعيننا كيف سارت جموع يهودية خلف الصهيونية لايجاد "اسرائيل"، وكيف تسير قطعان بشرية خلف جوقة 14 أذار في لبنان، جوقة الحريري ـ السنيورة ـ الجميل ـ جعجع، التي ايدت العدوان الاسرائيلي على لبنان في 2006 والتي سرقت لبنان والشعب اللبناني ورتبت عليه دينا عاما بحوالى 60 مليار دولار.
وتسوق الرأسمالية والامبريالية البشرية نحو استنزاف الطبيعة بدون رحمة وبدون عقلانية، وتوصل الامور الى حدود التصادم الكارثي بين الوجود البشري على سطح الكرة الارضية وبين العناصر الطبيعية الاساسية المكونة للكرة الارضية: الهواء والماء والتراب والنار.
والرأسمالية تستهلك، بدون اي تعقل، خيرات الطبيعة كلها: النفط والغاز والمياه الجوفية والغابات والحيوانات والمعادن والبحار والهواء والفضاء الكوني، حتى الرمق الاخير.
وطبعا انه لا يمكن "تضليل الطبيعة" كما يمكن، يطول الزمن او يقصر، تضليل البشر. كما ان الطبيعة ليست شركة رأسمالية احتكارية يمكن التحكم بها وطرح اسهمها في بورصة نيويورك ولندن وباريس ودبي الخ.
ولكن الطبيعة لها ايضا قوانينها ونواميسها التي لا تخضع لقوانين الرأسمالية، والتي لا يمكن لاحد تجاوزها، او تغييرها او تبديلها، الا من ضمن هذه النواميس بالذات.
وها ان الطبيعة بدأت تنتقم ضد الاستغلال الرأسمالي الوحشي لها، وضد الاستهتار بقوانينها ونواميسها.
وعلى العلم، الانساني المنزه عن الاغراض الرأسمالية، ان يجيب: الا توجد علاقة سببية بين تفريغ جوف الارض من المياه الجوفية والغاز والنفط والفحم الحجري والمعادن، بشكل وحشي وعشوائي غير مدروس النتائج، والاستخدام اللاعقلاني للطاقة واطلاق الغازات الضارة، والتجارب النووية والصاروخية، واستخدام المبيدات الكيميائية وغير ذلك! أليس هناك من علاقة سببية بين هذه الممارسات السلبية وبين الاحتباس الحراري وثغرة الاوزون وتغييرات الحقل المغناطيسي، والجاذبية الارضية، والمد والجزر في المحيطات، والتغيرات المناخية، والاعاصير والحرائق والزلازل والتسوناميات وانتشار الاوبئة وما الى ذلك من كوارث "طبيعية" في الظاهر، رأسمالية ـ امبريالية ـ صهيونية في الاساس والجوهر.
وفي رأينا المتواضع ان كارثة اليابان هي "انذار بسيط" للبشرية بأسرها مفاده: اما ان تستطيع البشرية، وقبل فوات الاوان، ان تضع حدا للنظام الرأسمالي العالمي، بدءا بتحطيم رؤوس المنظومة الامبريالية ـ الصهيونية وكل من يواليها، وان يبدأ عصر "ترشيد علاقة الانسان بالطبيعة" كامتداد ملازم لعصر "ترشيد علاقة الانسان بالانسان"؛ واما ان الكرة الارضية ستتحول، في زمن أقرب مما يتصور اي متشائم، الى قبر جماعي لكل من عليها...
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل
في مطلع شهر اذار /مارس الجاري كانت الجزيرة اليابانية على موعد مع كارثة "بيئية" مشؤومة، وصفها رئيس الوزراء الياباني بأنها اسوأ كارثة تحل باليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي انتهت برمي قنبلتين نوويتين اميركيتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي، أودتا بحياة مئات الوف اليابانيين ولا يزال مئات الوف اخرين يعانون من اثارها الصحية والتشويهية الى اليوم.
في حين قال محافظ طوكيو العجوز شينتارو ايشيهارا، ذو الـ78 عاما، ان الكارثة كانت "عقابا من السماء". واتخذت الكارثة ثلاثة اشكال مرة واحدة:
ـ1ـ هزة ارضية مخيفة بلغت 8،9 درجات على مقياس ريختر. وكانت اقوى هزة ضربت اليابان قبل ذلك بقوة 8،3 درجات سنة 1928.
ـ2ـ موجة تسونامي (الامواج البحرية العاتية) لم يسبق لليابان ان شهدت مثلها في تاريخها المعروف.
ـ3ـ انفجار احد المفاعلات النووية بسبب توقف جهاز التبريد نتيجة انقطاع كابل الكهرباء الخاص به بفعل التسونامي.
ومع ان اليابان هي من أرقى البلدان الرأسمالية واغناها، فإن الكارثة كشفت تماما عدم استعدادها لمواجهة مثل هذه الحوادث سواء كانت "طبيعية" او "غير طبيعية":
فأولا ـ تقع اليابان في منطقة معرضة دائما للهزات؛ والأبنية والمنشآت والمرافق فيها مجهزة لتحمل هزات بقوة 7،0 درجات على مقياس ريختر. ولهذا فإن كل الهزات السابقة في التاريخ القريب كانت ضعيفة او شبه معدومة او معدومة الاثر. وقد اختلف الأمر تماما هذه المرة بسبب شدة الهزة. وانكشف تماما عدم الاستعداد لتلقي مثل هذه الهزة فوق الـ 7،0 درجات. وفي برنامج "حديث البلد" في احدى القنوات اللبنانية قال احد رجال الاعمال اللبنانيين صودف وجوده في طوكيو اثناء الهزة، انه كان ينزل في فندق يقع في الطوابق العليا (فوق 30 طابقا) لاحد الابنية، ولدى وقوع الهزة خرج النزلاء من غرفهم وصوت مذياع الطوارئ يدعوهم الى المغادرة، ولكن في الوقت نفسه كان المذياع يرجو الجميع عدم استخدام المصاعد الكهربائية علما ان النزول على السلالم يقتضي وقتا طويلا، فوقع النزلاء في حيرة من امرهم، ولم يبق الا ان يلبثوا في امكنتهم مسلمين امرهم لله. ولحسن الحظ ان البناء لم ينهر. الا ان احياء ومدنا بكاملها انهارت بفعل الهزة.
ثانيا ـ لم تكن اليابان مستعدة لمواجهة كارثة التسونامي، بل فوجئت بها تماما، وهذا ما ضاعف حجم الخسائر المادية والبشرية.
ثالثا ـ كما انها لم تكن مستعدة بما فيه الكفاية ومستوى الحدث ان تواجه كارثة انفجار المفاعل النووي. اذ لم يكن يوجد نظام لتجنب الانفجار قبل وقوعه، اي وجود بدائل لتشغيل جهاز التبريد ومنع حصول الانفجار، ومن ثم وجود اجهزة تعامل سريعة في حال حصول الانفجار. ومع كل التطور التكنولوجي الذي تتمتع به اليابان فإنها واجهت الانفجار والحريق الذي اعقبه بوسائل تقليدية لا تكاد تعلو عن مستوى مواجهة الحرائق في اي بلد متوسط الغنى والتطور او حتى بلد عالمثالثي فقير.
وقد ادت الكارثة، حتى الان، الى:
ـ وقوع اكثر من 25 الف ضحية حسب التقديرات شبه الرسمية غير النهائية.
ـ ان عشرات الالوف لا يزالون في عداد المفقودين.
ـ تشرد ملايين اليابانيين الذين ذاقوا مرارة التهجير في بلدهم.
ـ انتشرت الاشعاعات الذرية بشكل خطير في دائرة نصف قطرها 30 كلم، وتم اجلاء السكان منها. وتم سحب الخضار واللحوم المهددة بالتلوث، من الاسواق.
ـ بلغت الخسائر المادية المباشرة حتى الآن مئات مليارات الدولارات.
ـ شرعت بعض البلدان في التضييق على سفر المواطنين اليابانيين، واستيراد السلع اليابانية، بسبب التخوف من نقل الاشعاعات النووية. وهو ما سينعكس سلبا على الاقتصاد الياباني ويزيد من معاناة المواطنين اليابانيين.
ماذا يمكن ان نستنتج من ذلك كله؟
XXX
ـ1ـ هناك تقصير لا يغتفر من جانب الدولة اليابانية والنظام الرأسمالي الياباني والعالمي برمته، حيال مخاطر الهزات الارضية والتسونامي والحرائق النووية وغيرها التي يقع ضحيتها المواطنون، "عبيد الرأسمالية" المعاصرون، الذين يعطون الرأسمالية كل جهودهم الخلاقة طوال حياتهم، دون ان يشاركوها في الثروات التي ينتجونها هم انفسهم. وحينما تحل مثل هذه الكوارث يطير الرأسماليون في كل الاتجاهات الى المناطق الآمنة، بينما الناس العاديون يتحملون الموت والاصابات وتهديم بيوتهم فوق رؤوسهم والامراض والتشرد والفقر والجوع والبرد والاذلال والتعامل معهم على قاعدة الاحسان، بينما هم اصحاب حقوق معتدى عليهم من قبل الرأسماليين ـ المحسنين انفسهم.
ومؤسسات الدولة اليابانية، وخصوصا مؤسسات المجتمع المدني، بالاضافة الى جميع المؤسسات الدولية المعنية، هي مطالبة بأن تجري تحقيقات واسعة وشاملة حول التقصير في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع مثل هذه الكوارث التي تهدد البشرية بأسرها، أو على الاقل التخفيف من عواقبها الى الحد الادنى، والتعويض على المواطنين العاديين المتضررين.
XXX
-2- في الحسابات الرأسمالية البحت، فإن اليابان هي احدى الدول الرأسمالية الكبرى الاوائل، وكانت تزاحم اميركا في عقر دارها. واذا كان اغلاق قناة السويس (كشريان اقتصادي رئيسي كانت تستفيد منه الرأسمالية الاوروبية والاميركية اكثر من الرأسمالية اليابانية) سنة 1967، هو احد الاسباب الرئيسية لظهور الاعجوبة الاقتصادية اليابانية، فإن الكارثة الحالية، وذيولها اللاحقة، سترجع اليابان الرأسمالية الى ما قبل 1967، وتحديدا الى صباح 10 اب 1945، اي صباح اليوم التالي لالقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما (6 اب) وناكازاكي (9 اب). وطبعا ان المستفيد الاكبر (اقتصاديا ورأسماليا) من الكارثة اليابانية الحالية هو نفسه الطرف الذي القى القنبلتين النوويتين على اليابان سنة 1945، اي الولايات المتحدة الاميركية واحتكاراتها الامبريالية ـ الصهيونية. واذا كانت اليابان قد استطاعت في المرحلة السابقة التخلص من وضع التابع للامبريالية الاميركية وتحقيق "الاعجوبة اليابانية" بعد حرب حزيران/يونيو واغلاق قناة السويس في 1967، فإن الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية (التي تعلمت الدرس طبعا) بالكاد ستسمح هذه المرة بتكرار "الاعجوبة اليابانية" على حسابها، اي على حساب الولايات المتحدة الاميركية، زعيمة ما كان يسمى "العالم الحر". والارجح من الان فصاعداً ان يجري العمل على تحويل اليابان الى شبه مستعمرة اميركية ـ صهيونية، سياسيا واقتصاديا و ـ خصوصا! ـ عسكريا، بحجة حمايتها من الدب الروسي ومن التنين الصيني اللذين يقبعان على ابواب اليابان ولا يكنان اي ود للامبريالية العدوانية اليابانية التي خانت منذ زمن بعيد "شرقيتها" وتحولت الى جسم سرطاني في الشرق الاقصى معاد لروسيا والصين وكوريا والشعوب الهندوصينية وتتطلع لان تصبح "شريكا" وجزءا لا يتجزأ من الامبريالية الغربية سواء كانت النازية الالمانية او الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية.
وبناء على القاعدة البوليسية الكلاسيكية "من هو المستفيد من الجريمة؟"، فإن كون الولايات المتحدة الاميركية، كدولة واجهزتها، والامبريالية الاميركية ـ الصهيونية كنظام، او كمنظومة سياسية ـ اقتصادية ـ امنية ـ عسكرية، هي المستفيد الاكبر من الكارثة اليابانية؛ ـ بناء على هذه القاعدة ينبغي طرح السؤال التالي:
ـ هل ان الكارثة اليابانية هي مجرد "عقاب من السماء" حسب رأي محافظ طوكيو؟؟؟ وعلى القياس نفسه هي "ضربة حظ من السماء ايضا" لصالح الولايات المتحدة الاميركية واحتكاراتها الامبريالية ـ الصهيونية؟؟؟ وبشكل عام هل هي حادث "طبيعي" (بما في ذلك انفجار المفاعل النووي)، لا يد للانسان فيها، اي ليس هناك اي عمل تخريبي مقصود، سواء بإجراء تفجير مصطنع في قاع المحيط لاصطناع الهزة الارضية والتسونامي، او على الاقل في انفجار المفاعل النووي؟؟؟
ان هذه التساؤلات المشروعة والواقعية تقتضي بشكل الزامي تطوير التحقيق في التقصير، باتجاه البحث ايضا عن ادلة جرمية فيما اذا كانت الكارثة، كلها او في أجزاء منها، ليست من فعل فاعل!!
XXX
اخيرا لا آخر: اذا برأنا "السماء" (وهي طبعا بريئة) من هذه الكارثة، واذا اثبتت التحقيقات الميدانية براءة الرأسمالية اليابانية من التقصير ذي البعد الجرمي الواعي او غير الواعي، وبراءة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية من النية والفعل الجرميين ضد اليابان، شعبا ودولة ونظاما، يبقى ان نطرح السؤال التالي:
ـ هل ان هذه المأساة (والآتي اعظم) هي قدر محتوم تعود مسؤوليته على الام ـ الطبيعة؟؟؟ ام ان عقوق النظام الرأسمالي ـ الامبريالي العالمي تجاه الطبيعة، وسكوت البشر عن هذا العقوق، هو المسؤول عما حدث وسيحدث من مآس تبدو في الظاهر "طبيعية" فقط؟؟؟
ـ ان آلة البروباغندا العالمية الضخمة الامبريالية ـ الصهيونية تحاول ان تضع المسؤولية على الطبيعة وان توحي للناس بهذا الاستنتاج الظالم للطبيعة وللبشر معا.
انا شخصيا اصوّت دائما ضد الامبريالية والصهيونية، في كل ما تقوله وتفعله. وطالما ان المنظومة الامبريالية ـ الصهيونية هي التي تضع المسؤولية على الطبيعة، ففي رأيي المتواضع ان المسؤولية تقع اولا واساسا على المنظومة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية خاصة، وعلى النظام الرأسمالي المتوحش عامة.
ان الرأسمالية تستنزف المجتمع البشري كله لصالح اقلية برجوازية فاجرة متبطرة، تقف على رأسها النخبة الاحتكارية الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية. وهذه الاقلية تستنزف وتستغل البشرية بأسرها، والطبيعة بأسرها، الا انها ـ للاسف ـ لا تزال قادرة على غسل دماغ وتضليل قسم كبير من البشر تحت شعارات: الحرية وحقوق الانسان والدمقراطية والمزاحمة الحرة واقتصاد السوق وما اشبه. ونرى بأم اعيننا كيف سارت جموع يهودية خلف الصهيونية لايجاد "اسرائيل"، وكيف تسير قطعان بشرية خلف جوقة 14 أذار في لبنان، جوقة الحريري ـ السنيورة ـ الجميل ـ جعجع، التي ايدت العدوان الاسرائيلي على لبنان في 2006 والتي سرقت لبنان والشعب اللبناني ورتبت عليه دينا عاما بحوالى 60 مليار دولار.
وتسوق الرأسمالية والامبريالية البشرية نحو استنزاف الطبيعة بدون رحمة وبدون عقلانية، وتوصل الامور الى حدود التصادم الكارثي بين الوجود البشري على سطح الكرة الارضية وبين العناصر الطبيعية الاساسية المكونة للكرة الارضية: الهواء والماء والتراب والنار.
والرأسمالية تستهلك، بدون اي تعقل، خيرات الطبيعة كلها: النفط والغاز والمياه الجوفية والغابات والحيوانات والمعادن والبحار والهواء والفضاء الكوني، حتى الرمق الاخير.
وطبعا انه لا يمكن "تضليل الطبيعة" كما يمكن، يطول الزمن او يقصر، تضليل البشر. كما ان الطبيعة ليست شركة رأسمالية احتكارية يمكن التحكم بها وطرح اسهمها في بورصة نيويورك ولندن وباريس ودبي الخ.
ولكن الطبيعة لها ايضا قوانينها ونواميسها التي لا تخضع لقوانين الرأسمالية، والتي لا يمكن لاحد تجاوزها، او تغييرها او تبديلها، الا من ضمن هذه النواميس بالذات.
وها ان الطبيعة بدأت تنتقم ضد الاستغلال الرأسمالي الوحشي لها، وضد الاستهتار بقوانينها ونواميسها.
وعلى العلم، الانساني المنزه عن الاغراض الرأسمالية، ان يجيب: الا توجد علاقة سببية بين تفريغ جوف الارض من المياه الجوفية والغاز والنفط والفحم الحجري والمعادن، بشكل وحشي وعشوائي غير مدروس النتائج، والاستخدام اللاعقلاني للطاقة واطلاق الغازات الضارة، والتجارب النووية والصاروخية، واستخدام المبيدات الكيميائية وغير ذلك! أليس هناك من علاقة سببية بين هذه الممارسات السلبية وبين الاحتباس الحراري وثغرة الاوزون وتغييرات الحقل المغناطيسي، والجاذبية الارضية، والمد والجزر في المحيطات، والتغيرات المناخية، والاعاصير والحرائق والزلازل والتسوناميات وانتشار الاوبئة وما الى ذلك من كوارث "طبيعية" في الظاهر، رأسمالية ـ امبريالية ـ صهيونية في الاساس والجوهر.
وفي رأينا المتواضع ان كارثة اليابان هي "انذار بسيط" للبشرية بأسرها مفاده: اما ان تستطيع البشرية، وقبل فوات الاوان، ان تضع حدا للنظام الرأسمالي العالمي، بدءا بتحطيم رؤوس المنظومة الامبريالية ـ الصهيونية وكل من يواليها، وان يبدأ عصر "ترشيد علاقة الانسان بالطبيعة" كامتداد ملازم لعصر "ترشيد علاقة الانسان بالانسان"؛ واما ان الكرة الارضية ستتحول، في زمن أقرب مما يتصور اي متشائم، الى قبر جماعي لكل من عليها...
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل