ارشيف من :آراء وتحليلات

يا شباب الثورة المصرية.... انقذوا ليبيا وثورتها

يا شباب الثورة المصرية.... انقذوا ليبيا وثورتها
لؤي توفيق حسن*

"عندما تكون الحقيقة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، فإن عليها أن تتحول إلى الهجوم"
بريخت (كاتب ألماني)

إنه الحرص على ثورة 25 يناير المصرية يدفعنا كيّما تظل أنظارنا شاخصة إليها باستمرار. يقيناً منا بأنه على ضوء نجاحاتها سيتحدد مستقبل المنطقة. كيف لا، ومصر - (أم العرب) - الدينامو المحرك لقاطرة الأحداث، ومسارها، في المنطقة العربية.

تفرض الأحداث والتحديات الداهمة أمام الثورة المصرية ان تستعيد حقيقةً غابت طويلاً عن دليل السياسية المصرية. والمسمى بالمجال الحيوي (للأمن القومي المصري). إذ على ضوئها قد تسترشد الثورة بالمهمات الملحة عليها والعاجلة حيال الثورة الشعبية في جوارها الليبي. هذا الجوار الذي يعتبر أحد المجالات الحيوية الثلاث للأمن المذكور وهي: وادي النيل. (بر الشام) كما درجت تسميته في مصر. والبعد الثالث الإمتداد الليبي.

للعلم فإن هذه الحقيقة الإستراتيجية كانت ماثلة في عقل قادة أعلام كبار حكموا مصر فاسترشدوا بها منذ تحوتمس الأول مروراً بمحمد علي الكبير، وانتهاءً بجمال عبد الناصر.

قبل تحديد المهمات العاجلة للثورة المصرية حيال شقيقتها الليبية نطرح السؤال الإفتراضي: ماذا كان يمكن لمبارك ان يفعل لو جاءت الثورة الليبية سابقة للمصرية؟.
بالرغم من أن مبارك وقبله السادات لم يكونا موهوبين في السياسة، والإستراتيجيا. إلا أننا نستطيع تقدير ما يمكن لحسني مبارك ان يفعل انطلاقاً من (غريزة) الدفاع عن النفس.وهي بلا شك كانت ستدفع بالقذافي سلفاً كي يستنجد (بصديقه) مبارك. فيما هذا الأخير ما كان ليتردد في ارسال ما يلزم من القوات المسلحة المصرية ـ برية ، بحرية، ووجوية ـ لوأد الثورة قبل أن تصيب عدواها نظامه مطمئناً الى أن الغرب سيبارك هذا التدخل نظراً للمصالح النفطية الأوروبية في ليبيا. وأيضاً لإعتبارات أميريكية ترى في المساحة الممتدة من مصر الى تونس مجالاً جيواستراتيجي لـ"إسرائيل". لذلك فقد كان القذافي يعني كل كلمة عندما قال بأن "سقوط ليبيا.. سيعرض استقرار أوروبا و"اسرائيل" الى الخطر"!. وهنا لم تتردد "اسرائيل" بتلقف الرسالة كما جاء من أكثر من مصدر فسارعت الى امداد "العقيد" ببعض التجهيزات مثل المناظير الليلية ووسائل الإستطلاع والتنصت، مع خبراء عسكريين أيضاً مما كان له تأثيره في استعادة القذافي لعنصر المبادرة. جاء هذا مقترناً بضغط من اللوبي الصهيوني في واشنطن بتأخير تدخل مجلس الأمن للبت بالمشروع الفرنسي.

لقد لمسنا البصمات الإسرائيلية في ميدان القتال حيث عملت التشكيلات المدرعة لقوات القذافي وفقاً للتكتيك الغربي الجديد عليها اي الهجوم (بطريقة السهم). خلافاً للتكتيك الذي تدربت عليه وفقاً للعقيدة القتالية الشرقية. اي الهجوم (بطريقة المحدلة). فقد كانت كتائب القذافي تندفع بسرعة متجاوزة المدن خلافاً للحال في الأسابيع الأولى ومكتفية بتطويقها. أسلوب يذكرنا بما اتبعته "اسرائيل" عند اجتياحها للبنان عام 1982!.

لم تكن نجدة القذافي تمسكاً به وقد بات ورقة محروقة. وانما لإستخدامه كوسيلة للضغط على الثوار الليبيين. وابتزازهم في محاولة لأخذ تنازلات فشلت جهات غربية في انتزاعها منهم مع بداية الثورة. وجميعنا سمع عن أحدها وهو الوفد البريطاني الذي زار بنغازي وعاد منها خالي الوفاض!!.

الآن وبالرغم من ضبابية الموقف. وما خلف الكواليس من اسرار فإن الواضح بأن نظام القذافي بات بحكم المنتهي وبقائه مرهون وبنظر الغرب لخلق حالة معلقة من الفوضى استكمالاً في تطويق مصر بقوس من الأزمات بدأ من السودان يمتد الى ليبيا. هذه المسألة باتت اميريكياً واسرائيلياً أكثر من ملحة بعد تفجر ثورة يناير وما صاحبها من تغييرات في أرض الكنانة.

ان مصر محاصرة جنوباً بواقع تقسيمي مضطرب في السودان. بينما حصتها المائية من النيل على (كف عفريت)!. شرقاً تجثم "اسرائيل" فيما جيشها حيال سينا في وضعية (النابض المضغوط) بمعنى أنه قادر من الوجهتين النظرية والعملية بلوغ قناة السويس دون عناء وبسرعة مساوية لسرعة دباباته. وهذا لإنعدام أي وجود عسكري مصري شرق القناة تطبيقاً لإتفاقيات كمب دايفيد!!.

وإذا كان ما سبق هو من إرث الغباء، والتخاذل السياسي للسادات وخليفته مبارك. فإن الثورة المصرية بما تملكه من عقول ومواهب تدرك بأن حماية امتدادها الليبي الآن هو قضية استراتيجية حيوية بوجهيها الأمني والإقتصادي. ووفقاً لهذا الفهم فإن أي فراغ سياسي في ليبيا يستدعي من مصر ان تملأه وهي المؤهلة لذلك.
ترى ماذا كان يتوجب ان تفعله مصر عند بدايات الثورة الليبية؟.

كان مفترضاً الإستفادة من زخم هذه الثورة ليأخذ المجلس العسكري المبادرة عبر الجامعة العربية. يومها ما كان الأمر يحتاج إلا إلى دعم سياسي يقترن بإرسال بعض الخبراء العسكريين في القوات المسلحة لتنظيم صفوف الثورة. وربما بعض التعزيزات من جنود وضباط الإحتياط المصري الذين سيلقون ترحيب الليبيين بلا شك. كما وأن مصر تحت غطاء الجامعة العربية يمكنها ان تذهب الى ما هو أبعد ولا ينقصها شيء، فسلاحها الجوي متطور وكذلك البحري ما يمكنها من توفير غطاءٍ يحمي الثوار ويسمح لهم بالاندفاع نحو سرت، والصمود في الزاوية. هذا ما لم يؤدِ الإقدام المصري على التدخل الى انهيار الروح المعنوية لقوات القذافي وبالتالي تفككها سريعاً.

لم يفت الوقت بعد، بل ان دخول ثوار مصر على الخط الآن سيعطي ثوار ليبيا غطاءً ، وشرعية عربية حقيقية تسحب مقولة "العدوان الصليبي" التي يختبىء خلفها القذافي مستثمراً تأثيراتها النفسية.

وإذا كان المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية لا يملك الخبرات السياسية الكافية. فإنه لا يفتقر الى الوطنية حتى لا يقف في وجه شباب الثورة المصرية، إذا ما شكلوا كتائبهم من المتطوعين لدعم اشقائهم ثوار ليبيا. ولا شك بأن هذا سيتيح للثوار الإمساك بالأرض وحسم معركتهم آخذين بعين الإعتبار ان المتطوعين المصريين يملكون خبرات قتالية فبعضهم ان لم يكن من قوات الاحتياط للجيش المصري فهم على الأقل اكتسبوا منها ما يكفي من خلال خدمتهم الإلزامية في القوات المسلحة.

ان مناقشة تعديلات الدستور بات بعد الإستفتاء الأخير جهداً في غير محله. المهمة العاجلة الآن هي تحصين ثورة يناير بإدارك أن خط الدفاع عنها يبدأ في هذه المرحلة الحرجة بالذات من طرابلس الغرب.


*كاتب لبناني

2011-03-22