ارشيف من :آراء وتحليلات
إحراق المصحف الشريف...: مظهر من مظاهر الشراكة بين أميركا والأنظمة !
عقيل الشيخ حسين
باستثناء الجهات التي يصنفها المعسكر الأميركي عادة في "محور الشر"، والتي استنكرت عملية إحراق القرآن الأخيرة في الولايات المتحدة، تركز الأوساط السياسية والإعلامية في أميركا وأوروبا والعالم العربي والإسلامي على مواضيع الساعة من الثورات العربية إلى إلى الكارثة النووية في اليابان والتفجير الذي وقع محطة إسرائيلية للحافلات في القدس الغربية، وصولاً إلى السياح أو الرياضيين الإستونيين الذين اختفت آثارهم في لبنان، وإلى وفاة الممثلة الأميركية إليزابت تايلور. وكل ذلك، أو معظمه، يستحق الاهتمام بالفعل.
لكن الباحث في الشبكة العنكبوتية المفتوحة على وسائل الإعلام الأخرى لا يجد إلا القليل جداً من الاهتمام بما جرى يوم الإثنين الماضي في كنيسة في ناشفيل (بولاية تينسي الأميركية)، حيث قام القس تيري جونز وزميله القس واين ساب بإجراء محاكمة صورية للقرآن الكريم انتهت باعتباره مذنباً، قبل أن يصدر بحقه حكم بالإعدام حرقاً، مع التنفيذ الفوري للحكم أمام عدسات المصورين.
ويأتي الصمت عن هذه الجريمة التي تضاف إلى عشرات الجرائم التي ارتكبت، خلال السنوات الأخيرة في أميركا وأوروبا، بحق رموز الإسلام الكبرى، متناقضاً مع حركة الاحتجاجات الواسعة التي صدرت، في ايلول/ سبتمبر الماضي، عن عدد كبير من زعماء العالم، وفي طليعتهم بابا الفاتيكان، وهي الاحتجاجات التي حالت دون إقدام تيري جونز على إحراق مئتي نسخة من المصحف الشريف، بمناسبة إحياء ذكري الهجمات على نيويورك وواشنطن.
ومتناقضاً خصوصاً مع موقف وزير الحرب الأميركي، روبرت غيتس، الذي طلب يومها إلى جونز -باسم البيت الأبيض والحكومة الأميركية- عدم الإقدام على هذا الفعل لأن إحراق المصحف قد يدفع باتجاه تنفيذ عمليات انتقامية وتعريض حياة أميركيين كثيرين للخطر.
أميركا "الرسمية" تدخلت إذن في أيلول/ سبتمبر 2010 خوفاً، وبشكل حصري، على حياة أميركيين كثيرين، لا بداعي الاحترام لكتاب سماوي أقل ما يقال فيه أنه الكتاب المقدس لمليار ونصف مليار من المسلمين يعيش أكثرهم في بلدان تحكمها أنظمة تدور في الفلك الأميركي وتستحق ولو شكلياً شيئاً من الاعتبار أو عدم الإحراج من قبل الولايات المتحدة.
لكن تدخلها ذاك، مع ما فيه من النكاية بالمسلمين، حلفاء وخصوماً على حد سواء، لم يعقبه تدخل مماثل في آذار/ مارس 2011، لأن أميركا الرسمية تعتقد، وفق الحجة الذي ذكرها غيتس، أن إحراق المصحف الشريف لا يدفع في هذا الوقت باتجاه قيام البعض بتنفيذ عمليات انتقامية تعرض حياة أميركيين للخطر...
أكثر من ذلك، بموقفها هذا، تضم أميركا "الرسمية" صوتها إلى صوت جادفيكا شاتس، مساعدة جونز، التي قالت، بعد عملية ناشفيل : "هؤلاء الناس [أي المسلمون] هم مسوخ وأنا أكرههم !". هذا في الوقت الذي يرفع فيه الغرب إلى مستوى الجريمة ما يعتبره كراهية يكنها له العرب والمسلمون.
ولا يبريء أميركا "الرسمية" زعمها بأن ما فعله جونز يقع تحت عنوان حرية التعبير. لأن حرية التعبير لا يسمح بممارستها عندما يتعلق الأمر بتوجيه أدنى انتقاد للسياسات الإجرامية الإسرائيلية، ويعرض من يقوم به للملاحقة القضائية ولعقوبات قاسية. وهذا ينطبق بالمستوى نفسه على أوروبا "الرسمية" التي نشرت في العديد من بلدانها افلام ورسوم كاريكاتورية مسيئة لرموز الإسلام الكبرى.
هل بلغت "العفة" الديموقراطية وتقديس حرية التعبير حداً جعل الغرب "الرسمي" يمتنع عن التدخل لثني مواطنيه عن توجيه هذه الأنواع من الإساءات للإسلام ؟ ذلك ما لا يدعمه الواقع المتمثل بما لا يحصى من الممارسات القمعية والإغتيالات التي تمارسها الأجهزة الأمنية في بلدان الغرب بحق المعارضين وأصحاب الرأي الآخر.
ولو افترضنا أن حرية التعبير مقدسة في أميركا وسائر بلدان الغرب إلى الحد الذي لا يسمح بالتدخل لمنع هذا أو ذاك من الإساءة للإسلام، وللقرآن تحديداً، فما القول ـ بعيداً عن الحروب المتعددة الأشكال التي يشنها الغرب على الإسلام والبلدان الإسلامية ـ عن الضغوط الغربية التي تمارس، مثلاً، على وزارات التعليم والثقافة في البلدان الإسلامية، بهدف دفعها إلى شطب هذه الآية أو تلك من نصوص القرآن ؟
أو عن تبني الحكومات الغربية بشكل رسمي لما لا يحصى من حملات الإساءة لرموز الإسلام في بلدان الغرب ؟ ألا يشكل ذلك عدواناً صريحاً على الإسلام والقرآن لا يختلف في جوهره عن إحراق المصحف الشريف ؟ ألا يسمح ذلك بالقول بأن فعلة تيري جونز ليس مجرد حماقة ارتكبها شخص حاقد أو باحث عن الشهرة، بل هو تعبير عن موقف رسمي تعتمده الحكومة الأميركية وما يدور في فلكها من حكومات ؟
وإذا كان من غير المستغرب أن يكون العداء والكيد هو موقف الغرب الرسمي من الإسلام والمسلمين في الماضي والحاضر، فما القول عن هذه الأنظمة التي تحكم البلدان العربية والإسلامية، باسم الإسلام، وترى الغرب وهو يقترف ما يقترف من جرائم بحق الإسلام وديار الإسلام دون أن يدفعها ذلك إلى غير الإيغال في خدمة الغرب ومصالحه ؟
أليس من الواضح أن هذه الأنظمة تشارك، بصمتها، في جريمة إحراق القرآن، ربما بنفط عربي إسلامي، من قبل تيري جونز، مثلما تشارك بحدها وحديدها في سائر حروب الغرب على الإسلام والمسلمين ؟
باستثناء الجهات التي يصنفها المعسكر الأميركي عادة في "محور الشر"، والتي استنكرت عملية إحراق القرآن الأخيرة في الولايات المتحدة، تركز الأوساط السياسية والإعلامية في أميركا وأوروبا والعالم العربي والإسلامي على مواضيع الساعة من الثورات العربية إلى إلى الكارثة النووية في اليابان والتفجير الذي وقع محطة إسرائيلية للحافلات في القدس الغربية، وصولاً إلى السياح أو الرياضيين الإستونيين الذين اختفت آثارهم في لبنان، وإلى وفاة الممثلة الأميركية إليزابت تايلور. وكل ذلك، أو معظمه، يستحق الاهتمام بالفعل.
لكن الباحث في الشبكة العنكبوتية المفتوحة على وسائل الإعلام الأخرى لا يجد إلا القليل جداً من الاهتمام بما جرى يوم الإثنين الماضي في كنيسة في ناشفيل (بولاية تينسي الأميركية)، حيث قام القس تيري جونز وزميله القس واين ساب بإجراء محاكمة صورية للقرآن الكريم انتهت باعتباره مذنباً، قبل أن يصدر بحقه حكم بالإعدام حرقاً، مع التنفيذ الفوري للحكم أمام عدسات المصورين.
غيتس:
إحراق المصحف قد يدفع باتجاه تنفيذ عمليات انتقامية وتعريض حياة أميركيين كثيرين للخطر
|
ومتناقضاً خصوصاً مع موقف وزير الحرب الأميركي، روبرت غيتس، الذي طلب يومها إلى جونز -باسم البيت الأبيض والحكومة الأميركية- عدم الإقدام على هذا الفعل لأن إحراق المصحف قد يدفع باتجاه تنفيذ عمليات انتقامية وتعريض حياة أميركيين كثيرين للخطر.
أميركا "الرسمية" تدخلت إذن في أيلول/ سبتمبر 2010 خوفاً، وبشكل حصري، على حياة أميركيين كثيرين، لا بداعي الاحترام لكتاب سماوي أقل ما يقال فيه أنه الكتاب المقدس لمليار ونصف مليار من المسلمين يعيش أكثرهم في بلدان تحكمها أنظمة تدور في الفلك الأميركي وتستحق ولو شكلياً شيئاً من الاعتبار أو عدم الإحراج من قبل الولايات المتحدة.
لكن تدخلها ذاك، مع ما فيه من النكاية بالمسلمين، حلفاء وخصوماً على حد سواء، لم يعقبه تدخل مماثل في آذار/ مارس 2011، لأن أميركا الرسمية تعتقد، وفق الحجة الذي ذكرها غيتس، أن إحراق المصحف الشريف لا يدفع في هذا الوقت باتجاه قيام البعض بتنفيذ عمليات انتقامية تعرض حياة أميركيين للخطر...
أكثر من ذلك، بموقفها هذا، تضم أميركا "الرسمية" صوتها إلى صوت جادفيكا شاتس، مساعدة جونز، التي قالت، بعد عملية ناشفيل : "هؤلاء الناس [أي المسلمون] هم مسوخ وأنا أكرههم !". هذا في الوقت الذي يرفع فيه الغرب إلى مستوى الجريمة ما يعتبره كراهية يكنها له العرب والمسلمون.
ولا يبريء أميركا "الرسمية" زعمها بأن ما فعله جونز يقع تحت عنوان حرية التعبير. لأن حرية التعبير لا يسمح بممارستها عندما يتعلق الأمر بتوجيه أدنى انتقاد للسياسات الإجرامية الإسرائيلية، ويعرض من يقوم به للملاحقة القضائية ولعقوبات قاسية. وهذا ينطبق بالمستوى نفسه على أوروبا "الرسمية" التي نشرت في العديد من بلدانها افلام ورسوم كاريكاتورية مسيئة لرموز الإسلام الكبرى.
هل بلغت "العفة" الديموقراطية وتقديس حرية التعبير حداً جعل الغرب "الرسمي" يمتنع عن التدخل لثني مواطنيه عن توجيه هذه الأنواع من الإساءات للإسلام ؟ ذلك ما لا يدعمه الواقع المتمثل بما لا يحصى من الممارسات القمعية والإغتيالات التي تمارسها الأجهزة الأمنية في بلدان الغرب بحق المعارضين وأصحاب الرأي الآخر.
ولو افترضنا أن حرية التعبير مقدسة في أميركا وسائر بلدان الغرب إلى الحد الذي لا يسمح بالتدخل لمنع هذا أو ذاك من الإساءة للإسلام، وللقرآن تحديداً، فما القول ـ بعيداً عن الحروب المتعددة الأشكال التي يشنها الغرب على الإسلام والبلدان الإسلامية ـ عن الضغوط الغربية التي تمارس، مثلاً، على وزارات التعليم والثقافة في البلدان الإسلامية، بهدف دفعها إلى شطب هذه الآية أو تلك من نصوص القرآن ؟
أو عن تبني الحكومات الغربية بشكل رسمي لما لا يحصى من حملات الإساءة لرموز الإسلام في بلدان الغرب ؟ ألا يشكل ذلك عدواناً صريحاً على الإسلام والقرآن لا يختلف في جوهره عن إحراق المصحف الشريف ؟ ألا يسمح ذلك بالقول بأن فعلة تيري جونز ليس مجرد حماقة ارتكبها شخص حاقد أو باحث عن الشهرة، بل هو تعبير عن موقف رسمي تعتمده الحكومة الأميركية وما يدور في فلكها من حكومات ؟
وإذا كان من غير المستغرب أن يكون العداء والكيد هو موقف الغرب الرسمي من الإسلام والمسلمين في الماضي والحاضر، فما القول عن هذه الأنظمة التي تحكم البلدان العربية والإسلامية، باسم الإسلام، وترى الغرب وهو يقترف ما يقترف من جرائم بحق الإسلام وديار الإسلام دون أن يدفعها ذلك إلى غير الإيغال في خدمة الغرب ومصالحه ؟
أليس من الواضح أن هذه الأنظمة تشارك، بصمتها، في جريمة إحراق القرآن، ربما بنفط عربي إسلامي، من قبل تيري جونز، مثلما تشارك بحدها وحديدها في سائر حروب الغرب على الإسلام والمسلمين ؟