الحريري كذب على بري وتوعد بمحاربة حزب الله ..فؤاد السنيورة: هكذا سأتمكّن أخيراً من نزع سلاح حزب اللّه .. الياس المر: الأداء الضعيف للجيش الإسرائيلي أربكنا

تختتم صحيفة "الاخبار" اليوم نشرها لوثائق "ويكيليكس" المرتبطة بالعدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 ، وما تضمنته من كشف لمفاوضات بالجملة ومؤامرات حيكت على المقاومة للتخلص منها ومن سلاحها أثناء الحرب بين المسؤولين الامريكيين ومن ورائهم قادة العدو وبين شخصيات لبنانية بارزة .

الحريري : المجتمع الدولي ترك الجيش اللبناني

في حلقة اليوم ، يظهر رئيس حكومة تصريف الاعمال (وقتها النائب) سعد الحريري بمزاج صعب، ففي البرقية الموّدنة بتاريخ 21 آب 2006 ، التقى السفير الامريكي السابق في بيروت جيفري فيلتمان بالحريري في قصر الاخير في قريطم بحضور أحد المسؤولين السياسيين في السفارة ، ضغط خلاله الحريري بطريقة غير معهودة عنه باتجاه فتح فوري للموانئ والمطارات اللبنانية .

وفي ردّه المضاد ، قال فيلتمان إنه "الى حين قيام الحكومة اللبنانية بالمزيد في سياق تعزيز رقابتها على المعابر الحدودية، تطبيقا لما يتضمنه القرار الدولي 1701 ، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على إقناع الاسرائيليين بفك الحصار".

وخلال الاجتماع، تضيف البرقية رقم 06BEIRUT2706 اتصل الحريري برئيس المجلس النيابي نبيه بري ، ليطلب منه وبطريقة ملتوية ،بحسب وصف فيلتمان، نقل ضباط الجيش اللبناني المتعاطفين مع حزب الله من محطة الشحن في مطار بيروت الدولي .

وحين كان ينتقد فيلتمان بيانا صدر مؤخرا عن قائد الجيش حينها ميشال سليمان تأييدا للمقاومة، رأى الحريري أن "المجتمع الدولي ترك الجيش اللبناني في وضعية ضعيفة، ما جعله يتصرف بخضوع في وجه حزب الله".

في البرقية نفسها ، يروي فيلتمان انه "بينما كان الحريري جالسا في مكتبه السفلي ذي الطابع الجنائزي، ومحاطا بصور والده الراحل ومحركا بخرزات سبّحة الصلاة بعصبية"، قال سعد إن "هناك ضرورة لقواعد مختلفة للعبة في الجنوب"، وردا على تذمر السفير الامريكي من أمر العمليات الذي أصدره قائد الجيش ميشال سليمان يوم 17 آب ، والذي جاء فيه أن الجيش سيتنشر الى جانب المقاومة في موافقة ضمنية منه على وجوب حزب الله مسلحا، أجاب الحريري بأن "سليمان في وضع صعب يمنعه من قول شيء مختلف عن ذلك في الحالة الراهنة".

وأكد أنه "ما دام الجيش أضعف عسكريا من حزب الله، فسيكون عليه المحافظة على وضع أقلّ عرضة للتهديد".

لكن على حد تعبير سعد ، ما إن "يصبح للجيش بعض الاسنان وبعض المعنويات ، فقد وعد الحريري بضرب حزب الله وإسقاطه".

فيلتمان يتابع ، أنه "وفيما ازدادت حدّته وظهر بوضوح أنه يأمل تسجيل كلاما حرفيا ، قال سعد للسفير " أعطني فرصة ، وسأ... حزب الله (عبارات بذيئة)، كذلك تذمّر سعد مثلما فعل اخرون من بينهم فؤاد السنيورة ورئيس البرلمان نبيه بري من أن الهجمات الاسرائيلية كتلك التي حصلت يوم 19 آب على شمال بعلبك تخدم فقط تدعيم حزب الله.

فيلتمان : الحريري كذب على بري وطالبه بتغيير الضباط الشيعة

وينقل فيلتمان عن الحريري ، وفق ويكيليكس ، قوله إن الاخير "كذب على بري طالبا منه بصراحة تغيير الضباط الشيعة"، مدعيا أن "ذلك مطلب أممي"، ويلفت السفير الى أنه "كان واضحا طوال الاجتماع الاستخفاف الكلي لسعد بالصلاحيات الحكومية للسنيورة".

واقترح الحريري أن "تفرض الامم المتحدة عقوبات على سوريا"، وقال حرفيا "رجاء ساعدوا لبنان! أعطوا كل شيء للبنان! نحتاج الى مشروع مارشال خاص بلبنان"، وأوضح للسفير الامريكي أن " 99% من السلاح المهرب الى لبنان يأتي من الحدود السورية".

وفي إطار إشارته الى أن "خطاب الرئيس السوري بشار الاسد يوم 15 آب 2006 كان أفضل شيء بإمكانه القيام به"، قال الحريري إن "السعوديين فقدوا صوابهم بعد الخطاب العنيف ضدّ لبنان".

السنيورة وعبء حزب الله عليه

أما رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة ، فشكّل حزب الله بالنسبة اليه عبءا كما يظهر من خلال تصريحاته المذكورة في وثائق "ويكيليكس" ، وخاصة عندما قال "هكذا سأتمكن أخيرا من أخذ سلاح حزب الله" .

كلام السنيورة هذا جاء في معرض اجتماعه مع فيلتمان عقد بتاريخ 16 آب ، بحسب برقية تحمل الرقم 03beirut2672 ، بدا خلاله السنيورة "يحضّر لردّ على كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لكن للأسف ليس بضربة قاضية"، كما يذكر فيلتمان نفسه .

ويلفت فيلتمان الى أن الهمّ الاساسي كان للسنيورة في تلك المرحلة هو نشر الجيش في الجنوب بأسرع وقت ممكن ، مقللا (السنيورة) من أهمية خطاب النصر الذي يردّده نصر الله أخيرا ، ومعتبرا إياه مجرد كلام .

وطلب السنيورة مجددا ان "تقدّم له الولايات المتحدة والمجتمع الدولي نتائج ملموسة تساعده في ربح معركة القلوب والعقول في لبنان ، وتحديدا في إعادة فتح سريعة لمطار البلاد ومرافئها".

وسأل السنيورة أيضا عن "توقيت مباشرة المجتمع الدولي بمعالجة مسألة شبعا بطريقة تسمح له باستعمالها أداة هجوم على السيد نصر الله"، مكررا أنه "لو أكد المجتمع الدولي ، ربما خلال خطاب الامين العام للامم المتحدة المقرر يوم الجمعة، أنه ينظر الى شبعا على أنه قضية شرعية، فإنه ذلك سيعطي السنيورة ووزراءه الاصلاحيين الاداة التي كانوا يحتاجون اليها للمحاججة بأن حكومة لبنان هي التي حققت الاعتراف بمسألة شبعا من خلال المفاوضات والقرار 1701 وليس حزب الله".

ويشير فيلتمان الى أنه "وبناء على ملاحظاته، كان واضحا أن السنيورة يرى ادعاءات نصر الله عن الانتصار فارغة وشبه مقيتة، نظرا الى الخسائر في أرواح الابرياء"، وقال السنيورة إن "شعب لبنان ربما لا يزال في حالة صدمة بسبب العنف الذي ساب النزاع ، لكنه ذكي كفاية ليفهم الثمن الغالي الذي أجبره نصر الله على دفعه".

وفي لقاء قصير مع وزير الداخلية بالوكالة حينها أحمد فتفت، أكد الاخير أن "العميد في قوى الامن الداخلي ياسر محمود (درزي ، قال لنا جنبلاط في موضع آخر إنه يمكن الوثوق به كما يصفه فيلتمان في الوثيقة) قد اختاره اللواء أشرف ريفي ليخدم بصفة رئيس اللجنة التي ستشرف على أمن المطار". كذلك بيّن فتفت أن "موافقة الحكومة ليست ضرورة لأن الوزراء المختصين : وزراء المال والاشغال العامة والدفاع قد وافقوا سلفا على هذه التعيينات". وقال فتفت إن "هذه التغييرات ستطبّق فورا مع تمركز 120 عنصرا سيصبحون 400 عنصر في منشأة المطار".

فيلتمان سعى لتقديم تصور لاعادة الاعمار والتأثير على الرأي العام اللبناني

بحسب وثائق ويكيليكس ، فإن فيلتمان قدّم لائحة مبادرات الى الحكومة الامريكية يطلب فيها دعمها وتتمحور حول تعزيز قرار وقف الاعمال العدائية الهشّ والحكومة اللبنانية المترنحة بحسب تعبير السفير.

أبرز النقاط الوارد في طلب فيلتمان هذا هي التالية :

- فتح جسر جوي لتسهيل سفر الركاب بين بيروت وربما عمان ، ويوضح السفير الامريكي في هذا الاطار أن الحركة العامة للطيران تعتمد على الحكومة اللبنانية لوضعها خططا فعالة لمنع أي تهريب للاسلحة والاموال عبر المطار .
- رفع فوري للحصار البحري عن ناقلات الوقود ، وتفعيل الموافقة التلقائية على شحنات الحبوب والمساعدات الانسانية (المعروفة المصدر) الاتية الى لبنان ، على أن تبلغ الامم المتحدة اسرائيل بذلك ، ويلفت فيلتتمان هنا الى أن الاسرائيليين سيحتفظون بقدرتهم على ضبط أي شحنات مشبوهة على الخط البحري للتفتيش .

- نشاطات واسعة النطاق لنزع الالغام ، ويعلّق فيلتمان على هذه النقطة بالقول يمكننا القيام بدور كبير في تأمين السلامة للاشخاص العائدين الى الجنوب ، وهو ما سيكون له تأثير كبير على الرأي العام .

- نشر فوري لوحدات التخطيط في قوات اليونيفيل .
- تأمين لوازم بديلة للسكان النازحين ، ودعم الاقتصاد اللبناني بمجمله .
- التركيز على إعادة فتح المستشفيات والعيادات الطبية في الجنوب .
- نقل المسؤوليات الامنية للامم المتحدة من ممثل اليونيسيف الى منسق الامم المتحدة للشؤون الانسانية او الى ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان .
- شحن منصات ذات طراز عسكري وجسور حديدية متنقلة الى لبنان ، لإعادة ربط شبكات الطرق الرئيسية ، وفي هذا السياق، يقول فيلتمان يمكننا بالتنسيق مع "اسرائيل" كبديل مؤقت تقديم بعض الجسور االحديدية الضرورية - ذات الطراز العسكري في بعض المناطق .
- العمل على مبادرة خاصة بالقطاع الخاص ، يمكن أن تؤدي الى قدوم عدد من رجال الاعمال الامريكيين -أو الامريكيين اللبنانيين الذين ينوون المشاركة - الى لبنان في شهر أيلول ، كي يراقبوا مشاركة الاتحادات التجارية الامريكية في إعادة بناء لبنان .
- الاستعداد لترميم أكثر المناطق تضررا من القتال وإعادة خلق فرص عمل ، أي تلك المناطق التي تحظى بتأييد لحزب الله ، وللتعلب على التمويل الايراني الذي سيتدفق بكل ّ تأكيد ، علينا أن نكون كرماء ومرنين وسريعين .

المر : الإسرائيليون تصرفوا بـ"ودية" خلال اجتماعهم مع الجيش اللبناني في الناقورة

حصة وزير الدفاع اللبناني في ذلك الوقت الياس المر في وثائق "ويكيليكس" كبيرة ، وفي إحدى الاجتماعات المشتركة مع فيلتمان في 15 آب 2006 ، قال المر إنه "ينتظر قرار الحكومة ليسرع عملية نشر الجيش اللبناني في الجنوب ، لكن برأيه الشخصي لا يمكن للجيش التأقلم في الجنوب مع حزب الله المسلح ".

وقال إنه "يجب أن يعزز الجيش جيدا في أقرب وقت ممكن لدحض اعتقاد نصر الله الفظ والمتعالي في خطابه يوم 14 آب، بأن الجيش اللبناني لا يمكنه الدفاع عن لبنان وحده" .

وأشار المرّ الى "أن الاداء الاسرائيلي الضعيف نسبيا ، خاصة في الايام الاخيرة من النزاع ، قد دعم حزب الله ، مما يدفعه الى التردّد في تسليم سلاحه حتى في منطقة جنوبي الليطاني" .

ومما تكشفه الوثائق التموزية ، أن المر أعلم فيلتمان أن "ضباطا رفيعي المستوى من الجيش اللبناني والجيش الاسرائيلي اجتمعوا في 14 آب في مقرّ اليونفيل في البلدة الجنوبية ، الناقورة ، كي ينسقوا عمليتي الانسحاب والانتشار"، مشيرا الى أن "الاسرائيليين تصرّفوا بطريقة "ودية" ، وسألوا عما اذا كان بإمكان الجيش اللبناني أن يأتي غدا".

كما اشتكى المرّ أمام فيلتمان من "ملء حزب الله للفراغ الذي احدثه الفشل الاسرائيلي في البرّ" .

وقال وزير الدفاع اللبناني للسفير الاميركي أن "وزير حزب الله محمد فنيش أبلغنا في مجلس الوزراء أتريدون أسلحتنا التي تحمي لبنان من "اسرائيل" ؟ تعالوا لأخذها بالقوة ".

"اسرائيل" تقوّم نتائج وتداعيات الحرب

على المقلب الاخر ، تفيد وثائق "ويكيليكس" ، أن السفارة الامريكية في "تل أبيب" كانت تعد تقاريرها عن الوضع ، ما سيتيح لها التدقيق المبكر في نتائج الحرب، وهي كانت أقرب الى تبني وجهة النظر المتشائمة من تداعياتها .

في وثيقة حررها المسؤولون الامريكيون تحمل الرقم 03telaviv3370 ، يتضح هذا التوجه جليا. تصرح الوثيقة أن الاتصالات التي أجرتها السفارة تكشف عن تشكيك الاوساط الاسرائيلية في أن الحرب أزالت التهديد ( الذي يمثله حزب الله) أو أنها أنتجت شيئا سوى تراجع ضئيل لحزب الله ، وتضيف "بالنسبة الى كثيرين فإن هذه النتيجة هي تعويض غير متناسب مع نحو 180 قتيلا اسرائيليا سقطوا خلال النزاع ، وتشويش الحياة الاقتصادية جراء تساقط الصواريخ واستدعاء الاحتياط ، والكلفة المادية العالية لشن الحرب وتدمير البيوت والمصالح في أجواء من شمال "اسرائيل" ، والفشل في استعادة الجنديين الاسرائيليين" .

وتنقل الوثيقة أيضا موقفا لرئيس أركان الجيش الصهيوني غابي أشكنازي قال فيه لفيلتمان أنه "من الواضح كانت هناك اخفاقات ويجب اتخاذ اجراءات لضمان عدم تكرارها في المستقبل" .

كذلك أقرّ رئيس حكومة العدو السابق ايهود أولمرت بحسب الوثيقة 06telaviv3317 ، تلميحا بـ"محدودية الانجازات الميدانمية التي تحققت".

ويقول أولمرت لعضو الكونغرس الامريكي ارلين سبكتر ان "الجيش الاسرائيلي أضعف حزب الله جديا ودفعه الى التراجع عن الحدود"، قبل ان يشير الى "الشبكة المذهلة للتحصينات التحت أرضية (الخاصة بالحزب) التي أبطأت الجهود بنحو ملاحظ.