ارشيف من :ترجمات ودراسات
"اسرائيل" لا تريد مواجهة كبيرة.. في قطاع غزة
حسان إبراهيم
عندما يتحدث رئيس حكومة العدو الصهيوني، بنيامين نتنياهو، عن ان الرد الاسرائيلي سيكون موزونا، في سياق التصعيد الامني مع قطاع غزة، فانه يؤكد المؤكد. فتل ابيب غير معنية بالتسبب بأي تصعيد أمني إضافي، يوصل الطرفين الى مواجهة كبيرة، بمعنى ان كيان العدو لا يريد وغير قادر على تحمل نتائج مواجهة مماثلة. وتصريح نتنياهو، من هذه الزاوية، يعبر عن الموقف الاسرائيلي الرسمي، كما هو، وبلا اضافات.
التقدير الاكثر ترجيحا، ان قرارات تل ابيب حيال قطاع غزة، تتحرك ضمن ضابطتين اثنتين:
1- ضرورة تعزيز الردع حيال الفلسطينيين ومحاولة منعهم من "التمادي" في الرد على اعتداءاتها.
2- عدم التسبب بما من شأنه الدفع نحو مواجهة كبيرة مع قطاع غزة، شبيهة بعملية "الرصاص المصبوب" آواخر العام 2009.
وحتى الان، يلتزم صاحب القرار في تل ابيب بهذا المحدد، من دون حياد عنه، رغم كل التصريحات الصادرة عن المسؤولين والمحللين في الكيان الغاصب، حول ضرورة التصعيد.
في هذا الاطار، لا بد من الاشارة الى جملة من المسائل، كي يستقيم اي تحليل حيال الآتي:
سيبقى كيان العدو ، للامد المنظور، وربما غير المنظور ايضا، ملجوما وممتنعا عن افعاله العدائية "الكبرى" |
كان لافتا، ما نقلته الاذاعة الاسرائيلية عن مقربين من نتنياهو، بانه "غير متحمس" حاليا للرد على الفلسطينيين، الا في حال قررت حماس التصعيد. كان لافتا اكثر تعليق احد المراسلين العسكريين على هذا الموقف، والتساؤل: هل ما حصل الى الان لا يشكل تصعيدا من قبل الفلسطينيين وحركة حماس؟ مضيفا ان رئيس الحكومة يحاول الاختباء وراء اصبعه، لانه غير قادر على التوجه نحو مواجهة كبيرة شبيهة بمواجهة الرصاص المصبوب عام 2009.
معنى ذلك، انه لا يمكن تحديد الفعل الاسرائيلي الاعتدائي، وما يمكن ان يصل اليه، بناء على التصريحات و"التمنيات" التي تصدر عن مسؤولين ومحللين اسرائيليين، يجب على المراقب ان يعتني كثيرا بالظروف الذي تشهدها ساحة المواجهة في فلسطين، والضغط المفعل من قبل الساحات العربية، على اصحاب القرار في تل ابيب، وتحديدا في مصر والاردن، باتجاه اللجم وارتداع العدو الصهيوني عن القيام بافعال اعتدائية كبيرة.
على أي حال، تشكل الوقائع القائمة حاليا، اي لجم اليد الاسرائيلية، دليلا اضافيا على واقع تل ابيب، الذي بات منذ اشهر، متلقي للفعل من دون ردات فعل مؤثرة. يشير احد الخبراء الاسرائيليين في هذا الاطار الى ان "المنطقة تشهد تغييرا، لا بد ان يعبر عن نفسه في معادلة جديدة تُفرض على "اسرائيل"، ولن تكون في مصلحتها".
لجهة الكيان الغاصب والقرار فيه، فانه سيبقى ملتزما التهدئة، مع ما يمكن فعله للمحافظة على ماء الوجه، سواء حيال المستوطنين انفسهم، او تجاه قطاع غزة، لكن فعله سيبقى سلبيا من ناحية التأثير، أي عدم الفعل المادي كما يعد ويتوعد عدد من المسؤولين الاسرائيليين.
ماذا يعني ذلك؟
سيبقى كيان العدو ، للامد المنظور، وربما غير المنظور ايضا، ملجوما وممتنعا عن افعاله العدائية "الكبرى"، على خلفية ما يجري في العالم العربي، والقدرة العسكرية التي باتت لدى الفلسطينيين في قطاع غزة، ويشكل اجتماع العاملين مقتلا للقرار الاسرائيلي ولجما لاعتداءاته. آخر ما تريده تل ابيب في هذه المرحلة، ان تتسبب باضطراب امني لحلفائها في المنطقة، بل وربما ايضا التسبب بسقوطهم، على خلفية اي اعتداء قد تقوم به ضد الفلسطينيين، يمكن ان ينظر اليه كجرعة زائدة في ردودها.
وصفت صحيفة "هآرتس"، عبر تقرير مراسلها العسكري "عاموس هرئيل"، الموقف الاسرائيلي بامتياز، اذ تقول: ان "التوصيف الملتوي بعض الشيء الذي قدمه وزير "الدفاع" ايهود باراك لموقف اسرائيل من التصعيد (الامني حيال قطاع غزة)، يعكس التردد لدى القيادتين السياسية والامنية في تل ابيب"، ويضيف ان "العمل في اسرائيل قائم حاليا على الاهداف التالية: كيف يوقفون النار، التي اتسعت امس الى اسدود أيضا، دون الانجرار الى صدام واسع، يتضمن حملة برية اخرى للجيش الاسرائيلي في القطاع؟".
ويكفي لتحديد الموقف الاسرائيلي وقدراتها الفعلية في هذه المرحلة ضد قطاع غزة، ولتحديد مدى الارتداع عن تفعيل اي خيارات عسكرية كبيرة ضد الفلسطينيين، الاشارة الى ما اوردته الصحيفة نفسها، في توصيفها لغارات سلاح الجو ضد القطاع، اذ تقول: "غارات سلاح الجو في غزة في ساعات المساء من يوم أمس، بدت كخطوة رمزية، تكاد تكون فارغة من المضمون.. ضمن الاهداف التي قصفت، مبنى جهاز المخابرات العامة (من عهد السلطة!)، الذي هجر قبل سنوات، وكذلك موقع فارغ لحماس، سبق أن ضرب خمس مرات في الماضي".
على اي حال، تجب الاشارة في هذا الاطار الى ان الرد الفلسطيني على اعتداءات اسرائيل في الايام القليلة الماضية، سواء في عمليات القصف التي طالت بئر السبع واشدود وعملية القدس، كان صائبة جدا، ومنعت عن الاسرائيلي فهما خاطئا لموقف المقاومة. فمن يقصف بئر السبع، يكون على استعداد للمضي قدما ان واصلت اسرائيل اعتداءاتها وارتقت بها درجة، وهذا ما لا تريده تل ابيب، بالتأكيد. والتراجع المستمر للفعل الاسرائيلي الاعتدائي، سواء اصطف الى جانبه مواقف تصعيديه كلامية ام لا، يعد انتصارا للاستراتيجية المتبعة من قبل المقاومة الفلسطينية.