ارشيف من :خاص

العراقيون وأحداث الشارع العربي: تأييد على كافة المستويات.. وللبحرين حصة خاصة

العراقيون وأحداث الشارع العربي: تأييد على كافة المستويات.. وللبحرين حصة خاصة
بغداد ـ عادل الجبوري
يسجل عدد كبير من المراقبين لاحداث ووقائع العالم العربي وردود الافعال إزائها خلال الشهور الاربعة الماضية، ان الشارع العراقي كان ـ ومازال ـ من بين اكثر الاطراف تفاعلا واهتماما وتعاطيا معها، لاسباب وعوامل وظروف قد ترتبط في جانب غير قليل منها بطبيعة التجربة المريرة التي عاشها العراقيون سابقا في ظل سلطة استبدادية قمعية، والتي من الطبيعي جدا ان يستحضرون تأريخها الاسود وهم يشهدون ويشاهدون نفس سلوكياتها وممارساتها وحماقاتها تتكرر على ايدي حكام عرب اخرين.
ولسنا هنا بمعرض الخوض والاستغراق في تفاصيل هذا الامر بقدر ما يهمنا التوقف والمرور ولو سريعا على بعضا من مصاديق التعاطي الايجابي العراقي مع مطاليب وتطلعات الشعوب العربية.
المرجعيات الدينية.. وضوح الموقف
ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية التونسية في التاسع عشر من شهر كانون الاول/ ديسمبر الماضي  كانت المرجعيات الدينية في مدينة النجف الاشرف واضحة في التعبير عن مواقفها الداعمة والمساندة لارادة الشعوب ومطاليبها وتطلعاتها، وبقدر حرصها على هذا الجانب المهم، فأنها كانت حريصة ايضا على اهمية مراعاة كثير من الامور المهمة كالمحافظة على المصالح العامة والخاصة، وتجنب سفك الدماء وازهاق الارواح، وعدم الكيل بمكيالين من قبل المجتمع الدولي والعربي والاسلامي، مثل دعم الاحتجاجات والتظاهرات في هذا البلد، والعمل على مواجهتها والتصدي لها بالوسائل الوحشية في بلد اخر انطلاقا من حسابات ومصالح خاصة ونزعات طائفية ضيقة.
والمراجع الاربعة الكبار في النجف، آية الله العظمى السيد علي السيستاني، وآية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وآية الله العظمى الشيخ بشير النجفي، وآية الله العظمى الشيخ اسحاق الفياض اصدروا بيانات عبروا فيها عن الموقف الصحيح والعقلاني والحكيم ازاء ما يحدث في الشارع العربي، فضلا عن ان ائمة الجمعة تناولوا في خطبهم هذه الاحداث من جوانبها المختلفة. وكان لذلك الاثر الكبير في بلورة رأي عام شعبي في العراق يختلف تماما عن الرأي العربي العام قبل عشرين عاما، حينما اندلعت الانتفاضة الشعبية في مختلف مدن العراق بعد هزيمة نظام صدام في حرب تحرير الكويت، اذ ساهم الاعلام العربي والمؤسسات السياسية الحاكمة والمؤسسات الدينية الرسمية، ناهيك عن التعتيم من قبل نظام صدام، في تضليل الشارع العربي وتصوير الامور له على عكس صورتها الحقيقية.
مواقف سياسية مسؤولة
وإلى جانب الموقف الواضح للمرجعيات الدينية، فإن المواقف السياسية الرسمية وغير الرسمية العراقية اتسمت بالايجابية والوضوح والحكمة، فالحكومة ادانت واستنكرت الاساليب الوحشية والقمعية التي قوبلت بها التظاهرات والاحتجاجات في عدة بلدان عربية، وحثت الانظمة الحاكمة على الاصغاء لصوت الجماهير، وعبرت عن دعمها وتعاطفها ومساندتها للمطاليب المشروعة.
في ذات الوقت بدا البرلمان العراقي بمختلف مكوناته السياسية منسجما وموحدا في صياغة موقف مسؤول حيال مجريات وتفاعلات الاحداث في الشارع العربي، ولعل الجلسات الثلاثة الاخيرة قبل تعليق عمله تركزت في جانب كبير منها على دراسة وبحث ومناقشة المواقف والاجراءات العملية والواقعية التي ينبغي اتخاذها، وخصوصا فيما يتعلق بالسياسات والمواقف والازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين التي اتبعتها بعض الاطراف العربية والدولية حيال احداث ووقائع لاتختلف فيما بينها من حيث الجوهر والمضمون والدوافع والشعارات والاهداف.
وفي ذات السياق عبرت زعامات وفاعليات سياسية عراقية من مختلف الاتجاهات عن رفضها واستنكارها وادانتها للاساليب القمعية التي استخدمتها بعض الانظمة السياسية العربية للتصدي لجموع المتظاهرين المطالبين بحقوقهم المدنية والسياسية بالطرق السلمية.
إيقاع الشارع العراقي
ومن الملفت ان الشارع العراقي الذي كان محتقنا ضد حكومته وشهد تظاهرات واحتجاجات واسعة بلغت ذروتها في الخامس والعشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي للمطالبة بتحسين الواقع الخدمي واصلاح الاوضاع ومعالجة سلبيات واخطاء الواقع القائم، فأنه اظهر اقصى درجات التفاعل والتعاطف والتأييد للشعوب العربية المطالبة بحقوقها والداعية الى رحيل حكامها المستبدين.
وقد تداخلت الشعارات والصور لترسم لوحة معبرة عن طبيعة ومستوى الوعي الجماهيري حيال الواقع المزري الذي تأن تحت وطأته الشعوب بفعل السياسات والاساليب الديكتاتورية المتبعة منذ عقود من الزمن.
والنقطة المهمة التي تستحق الاشارة هي ان كافة مدن العراق ـ الا استثناءات قليلة جدا ـ شهدت تظاهرات واحتجاجات مؤيدة للشعوب ومنددة بالحكام، وان نخبا دينية وسياسية وثقافية وفكرية واجتماعية وعشائرية سجلت حضورا واضحا ومتميزا في تلك التظاهرات والاحتجاجات، مثل اساتذة وطلبة الحوزات العلمية، واعضاء الحكومات المحلية ومجالس المحافظات واساتذة الجامعات والناشطين في منظمات المجتمع المدني واعضاء في مجلس النواب، واعلاميين وادباء وكتاب.
فضلا عن ذلك فأن جهات عديدة نظمت مهرجانات وتجمعات وملتقيات جماهيرية ونخبوية حاشدة في هذا الاتجاه.
الحضور الإعلامي   
وكان من الطبيعي جدا ان يكون لوسائل الاعلام العراقية ، لاسيما المرئية منها والمقروءة حضورا نوعيا متميزا لتغطية وقائع واحداث الانتفاضات الشعبية العربية، وحركة الشارع العراقي المؤيدة والداعمة لها.
وقد لوحظ ان عددا من القنوات الفضائية مثل قناة "الفرات" التابعة للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم، وقناة "بلادي" التابعة لتيار الاصلاح الوطني بزعامة رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري، وقناة "الاتجاه" المستقلة، وقناة "افاق" التابعة لحزب الدعوة الاسلامية بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، اضافة الى قنوات اخرى مثل "المسار" و"السلام" و"الغدير"، خصصت حيزا كبيرا من اوقات بثها لمتابعة مايجري في الشارع العربي من مستجدات.وكذلك وجدنا ان الصحف والمطبوعات المختلفة انتقلت في ترتيب اولوياتها من الاهتمام بالشأن المحلي الى الشأن العربي، بحيث بدت بقدر معين وكأنها صحف عربية وليست محلية.
واتسمت التغطية الاعلامية لوسائل الاعلام العراقية على وجه العموم بالمهنية والموضوعية والسرعة والاحاطة بشتى التطورات الحاصلة.
وما ينبغي الاشارة اليه هو ان بعض القنوات الفضائية بدت اما وكأن الامور لا تعنيها من قريب أو بعيد، أو أنها ركزت على جانب وغضت الطرف عن جانب اخر، كما هو الحال مع قنوات الشرقية والبغدادية والبابلية وغيرها.
خصوصية البحرين!..
ولعله كان من اليسير ملاحظة ان الحدث البحريني حظي بحيز اكبر من الاهتمام العراقي لدى الاوساط الدينية والسياسية والاعلامية والجماهيرية.
وهذا امر يمكن عده طبيعيا، بل صحيحا ومهما ايضا، لاسباب عدة، من بينها انه كانت هناك ازدواجية واضحة جدا في التعاطي العربي والدولي مع الحالة البحرينية مقارنة بتونس ومصر وليبيا واليمن وفيما بعد سوريا.
وتجلت تلك الازدواجية في تحشيد وتعبئة الرأي العام ووسائل الاعلام التابعة لحكومات وجهات معينة ضد حكام تونس ومصر وليبيا، والتزامها الصمت حيال البحرين بالكامل، وكذلك التدخل في الشؤون الداخلية البحرينية عسكريا وامنيا لصالح نظام الحكم هناك، ناهيك عن تقديم وتوفير مختلف اشكال الدعم والاسناد اللوجيستي لذلك النظام لتمكينه من قمع المتظاهرين واسكات اصواتهم بكل السبل والوسائل، وهذا ما اثبتته الوقائع على الارض.
وكان واضحا ان النزعات والحسابات الطائفية الضيقة فعلت فعلها، كما حصل قبل عشرين عاما في العراق، حينما اطلقت الولايات المتحدة الاميركية وبدعم وتشجيع من قوى اقليمية يد نظام صدام لإبادة ابناء شعبه بما تبقى من آلته الحربية والعسكرية بعد هزيمته في حرب تحرير الكويت.
والعراقيون رأوا في البحرين اليوم عراقا ثانيا، يذبح في وضح النهار بسكاكين دعاة الحرية والديمقراطية وادعياء الاسلام والانسانية!.
2011-03-26