ارشيف من :ترجمات ودراسات

القذافي والتحالف : تقاسم الهزيمة !

القذافي والتحالف : تقاسم الهزيمة !

عقيل الشيخ حسين
ظهرت مع الثورات العربية فكرة تقول بأن هذه الثورات التي يراهن البعض على اندراجها في سياق ثورات "الربيع" وغيرها من ثورات الفواكه والزهور التواقة، منذ انهيار جدار برلين، إلى ربط بلدانها بعجلة الليبرالية الغربية، والبعض الآخر على اتجاهها الحتمي نحو الدخول في صراع مع الغرب الأميركي ـ الأوروبي ـ الإسرائيلي، هي قبل جميع الرهانات ثورات أهم ما يميزها أنها تتفجر في الخاصرة الرخوة للمعسكر الغربي، أي في بلدان تحكمها أنظمة تتحرك وفق ما تقتضيه السياسات الأميركية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً، وخصوصاً وفق مقتضيات تأمين أفضل الظروف لتعزيز موقع "إسرائيل" في المنطقة، ولا يمكن ـ نظرياً على الأقل ـ لأي تغير في هذا المعطى إلا أن ينفتح على احتمالين أحدهما أقوى من الآخر.

والاحتمال الأقوى هو أن تدرك الثورات سريعاً أن معركتها هي، فيما يتجاوز الحكام والأنظمة، مع البناء العالمي الذي تشكل الأنظمة حديقته الخلفية. وأن تتصرف بموجب هذا الإدراك.

لا مناص في النهاية من المواجهة مع الهيمنة الغربية والصهيونية 
الاحتمال الأضعف هو أن تقتصر الثورات على تغيير الوجوه والدخول بعد ذلك في أشكال من الصراع السلمي أو غير السلمي  مع الأنظمة التي تسببت سياساتها المرفوضة من قبل الشعوب في تفجر الثورات، ما يعني أنها ستعود إلى التفجر في الآجل أو العاجل، لتجعل من أهم مراكز النفوذ الأميركي في العالم مسرحاً لاضطراب تطول مدته أو تقصر ليتكشف شيئاً فشيئاً عن انبثاق وعي جماهيري يدرك أن المعركة ليست معركة مع الأنظمة المرفوضة إلا من حيث هي أدوات للسياسات الأميركية.

وحتى لو تأخر انبثاق هذا الوعي، فإن حالة الاضطراب المذكورة لا يمكن لتداعياتها إلا أن تنسحب سلباً على مستوى الداخل الأميركي المهدد بانهيار مشابه للانهيار السوفياتي، على ما يقول به أكثر من محلل أميركي. مع ما يفترضه ذلك من تداعيات مشابهة على مستوى الداخل الأوروبي والإسرائيلي.

فالثورات العربية، أياً تكن الرغبات النهائية للثوار الذين يتحركون في ظل شعارات عامة كالحرية والديموقراطية ورفض الفساد والمطالب المعيشية والاجتماعية، أي دون توجهات إيديولوجية وسياسية واضحة، تظل مظهراً من مظاهر ارتخاء قبضة المعسكر الأميركي ـ الأوروبي ـ الإسرائيلي في المنطقة، نتيجة لعجز الحروب ـ الساخنة أو الباردة ـ على أفغانستان والعراق وإيران وسوريا وفلسطين، عن تحقيق أهدافها المعلنة في اجتثاث دول الممانعة وحركات المقاومة.

أو إذا شئتم، هي حروب "داخلية"، "أهلية" تدورفي الدائرة التي تضم حتى الآن، من تونس، إلى مصر واليمن والبحرين والأردن وليبيا، وربما قريباً بلدان الخليج والمغرب الأقصى، تتفجر داخل جسم معسكر الاعتدال العربي الذي يشكل استطالة للمحور الأميركي ـ الأوروبي ـ الإسرائيلي.

والأكيد حتى الآن أن الثورة الليبية باتت تشكل نموذجاً يسمح بقراءة مآلات الثورات العربية، لأنها مع التدخل العسكري الغربي ـ العربي في ليبيا، تدفع الثورات العربية الأخرى نحو التحرر من شعاراتها العامة وتعلمها أن السيرورة الثورية لا تكتمل بإسقط هذا الزعيم أو ذاك، ثم هذا النظام أو ذاك، ولا تحقق ذاتها كثورات بتسميات غير تلك المشتقة من أسماء والفواكه والأزهار، إلا في اللحظة التي تتصدى فيها لأساس المشكلة المتمثل بنظام عالمي أميركي ـ أوروبي ـ صهيوني هو المسؤول الأول، بما هو حاضن الأنظمة الفاسدة، عن تدهور الأوضاع في العالم العربي والإسلامي.

 لن تحقق الثورات ذاتها إلا في اللحظة التي تتصدى فيها لأساس المشكلة المتمثل بنظام عالمي أميركي ـ أوروبي ـ صهيوني هو المسؤول الأول، بما هو حاضن الأنظمة الفاسدة
ولا تغير المفارقة المتمثلة بـ "نجدة" الجيوش الغربية والجيوش الشقيقة للشعب الليبي شيئاً في المعادلة. صحيح أن الثوار الليبيين لم يلبوا توجيهات القذافي التي دعتهم ليس فقط إلى العودة إلى بيوتهم، بل أيضاً إلى الغناء والرقص، ولكنهم رقصوا وغنوا في ساحات بنغازي وغيرها استبشاراً بالتدخل الغربي، وقالوا "شكراً" لفرنسا وبريطانيا وأميركا ولسائر قوات التحالف أو الحلف.

وفي حين يتهيأ الذين يفاوضون باسمهم من خلال المجلس الانتقالي والحكومة الاستقلالية التي انبثقت عنه، أو من مكاتبهم الأنيقة في هذه أو تلك من عواصم الغرب، لتبؤ مناصبهم في حكم ليبيا تحت إشراف الجيوش الغربية "المحررة" والتي قد تنقلب إلى جيوش احتلال، سيجد الثوار أنفسهم، طالما أنهم لم يحرروا ليبيا أو قسماً منها إلا بفضل التدخل العسكري الغربي، في وضع من يجتاز معركة ضد النظام المحلي ليجد نفسه في معركة ضد النظام العالمي.

لذا، وعلى الرغم من الثمن الفادح الذي دفعته ليبيا والتي ستستمر بدفعه في الأرواح والجراح، بعد كل ما حل بها من شقاق بين مكونات الشعب الواحد، ومن دمار يحتاج إلى إعادة إعمار يتحلب له لعاب الشركات والدول "المانحة، ومن نقص في التسلح يتحلب له لعاب تجار السلاح الغربيين، فإن تطور الحدث الليبي يشكل درساً ثميناً جداً للثورات العربية : لا مناص في النهاية من المواجهة مع الهيمنة الغربية والصهيونية. ولا طريق للنجاة أقصر من إدراك ذلك، والعمل بمقتضاه، منذ البداية.

مواجهة لا شك بأنها تظل أقل تكلفة بكثير مع قوى الهيمنة بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل هذا التاريخ. لأسباب منها ما حل بالمعسكر الأميركي ـ الصهيوني ـ الإعتدالي منذ ذلك التاريخ من هزائم موجعة. ومنها أعراض التناقض والتفكك التي فجرتها ليبيا، رغم المنزلق الذي انزلقت إليه ثورتها، في جسم التحالف الغربي.   

2011-03-28