ارشيف من :خاص

د.نهلة الشهال: التدخل الغربي في الثورات العربية فشل وعلى المنتفضين عدم إسقاط خيار التفاوض

د.نهلة الشهال: التدخل الغربي في الثورات العربية فشل وعلى المنتفضين عدم إسقاط خيار التفاوض
هيلدا المعدراني
بعد التدخل "الأطلسي" في ليبيا وتدخل قوات "درع الجزيرة" في البحرين، بحجة أن التدخل الأول لنصرة الثورة الليبية والثاني لقمع الانتفاضة البحرينية، بدأ يكبر حجم المخاوف على ما يسمى "الربيع العربي"، ففي اليمن أيضا، يقوم محور واشنطن ـ الرياض مستفيداً من تلويح النظام اليمني بالحرب الأهلية، على ترتيب سيناريو لانتقال السلطة لمصلحة هذا المحور، وليس استجابةً لمطالب المحتجين، وكذلك يحاول الإعلام العربي والغربي طمس أي أثر لتحركات المطالبين بالإصلاح في المملكة لعربية السعودية، في حين يسلط الأضواء على ساحات احتجاج أخرى لغايات ولأهداف منها تأجيج الصراع على هذه الساحات لتبرير تدخلات عسكرية وسياسية للقوى الغربية.
قد يكون السؤال الأهم، لماذا خطر إفساد "الربيع العربي" بات متحققاً، ومن هو المستفيد من هذا الإفساد؟ وكيف نجح المغرضون في تلويث الثورات العربية بأجندات المصالح الخارجية، وما هي مسؤولية الثوار العرب عن حدوث هذه الثغرة الآخذة في الاتساع في جدار الثورات العربية؟ وكيف السبيل إلى تضييق هذه الثغرة أو إقفالها بوجه تلك الملوثات؟
د.نهلة الشهال: التدخل الغربي في الثورات العربية فشل وعلى المنتفضين عدم إسقاط خيار التفاوض الباحثة والكاتبة الدكتورة نهلة الشهال، على الرغم من تلمسها للأخطار التي تتهدد الثورات العربية، إلا أنها ترى أن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن نهاية الربيع العربي، وتقول: "اولا، الربيع العربي بدأ ولم ينته، وكان من المتوقع ان يواجه صعوبات وانتكاسات وتدخلاً لقوى ثورة مضادة، حتى محلياً، اضافة الى التدخل الغربي ايضا، نحن منطقة مهمة وحيوية، وكان هذا الامر غير مفاجئ، ولكن هذا لا يلغي ليس فقط ما اُنجز إنما ايضا الذي هو في طور الانجاز وهو كبير، على انه لا يمكنني رغم ادانتي لتدخل دول مجلس التعاون الخليجي او قوات خليجية في البحرين، ولكني لا اضع التدخلين على نفس المستوى، يعني ان القصف الذي تمارسه قوات الناتو ودول اخرى على ليبيا هو محاولة لاستعادة زمام الموقف من قوى امبريالية، بينما التدخل في البحرين مدان وغير مبرر لا قانونيا ولا سياسيا، ولكنه من طبيعة اخرى".
لا تلقي الشهال تبعة التدخل الغربي في ليبيا والتدخل العسكري الخليجي في البحرين على المنتفضين في هذين البلدين، وتقول: "لا اعتبر ان هناك اخطاءً من المنتفضين، اي من الثوار او من الذين رفضوا الحالة التي كانت قائمة، ان كان في ليبيا او في البحرين على اختلاف معطيات البلدين وطبيعة القوى وتركيبتها وغير ذلك، المشكلة انه في ليبيا، بدايةً القذافي تصرف بمنطق يحكمه عنصران مزدوجان: العنصر الاول، انه برأيي قد فهم (اي القذافي) خطأ الميوعة الغربية في الايام العشرة الاولى، ربما كانت تقصدت ذلك (الميوعية) على كل حال لأنها تريد استدراجه، والتي كانت تتكلم فقط عن وقف العنف، ولم يحدث ان قال اي مسؤول غربي منذ الايام الاولى عليك ان ترحل، كما حدث مع بن علي ومبارك، وبالتالي امعن القذافي وراح بعد ان استعاد انفاسه يقوم بهجوم عسكري وركب منطق الحرب الاهلية القبلية ايضا والجهوية، وقال سأدمرهم بيتا بيتا شبرا شبرا كما سمعنا جميعا، وهذا ما جعل الامور تضعه في موقف مدان تماما على مستوى القانون الدولي، لانه كان بصدد تهديد شعبه بالابادة، فوضع ايضا العالم في وضعية ربما في البداية الاحساس انه يجب أن يهب لنجدة الشعب الليبي الذي يتعرض للابادة".
وتضيف: "بينما في البحرين الحركة كانت ناضجة وسلمية ومتنوعة، ولم تكن شيعية فحسب، وحتى الطرف الشيعي كان يقول نحن نتصرف ليس بصفتنا شيعة، يعني أن "حركة الوفاق" كانت في غاية النضج وكان معها حركات اخرى منها "وعد"، ولا يغلب عليها ابدا الطابع الطائفي ولا الشيعي، ومارست العمل الاحتجاجي والاعتصام السلمي، ولكن يبدو ان المملكة العربية السعودية تحديدا كانت تريد ان تظهر على أنها لا يمكن ان تسمح بأي تحرك في محيطها، لا سيما ان هناك تحركات احتجاجية اجتماعية وسياسية ومطلبية في السعودية نفسها، لذلك الفارق بين الوضعيتين هو فارق في طبيعة الانظمة الحاكمة، ملك البحرين بعدما حاول القمع الخفيف، لانه بالرغم من سقوط عدة قتلى لكنه لم يمارس ما مارسه القذافي من تحريك لدبابات وطائرات الخ... استعان بجارته الكبرى، ويدّعي اليوم انه كان بصدد التصدي لمؤامرة عمرها 30 سنة ليبرّر تدخل قوات درع الخليج، ولان ذلك غير قانوني فهذه القوات قائمة من اجل الاخطار الخارجية، فكان لا بد له ان يحرف الاتجاه الى انه كان هناك خطر خارجي أهم من الحركة نفسها! انا اعتقد ان البحرين تتميز بتاريخ نضالي عريق بخلاف ليبيا التي كان لديها ربما ايام الاستقلال حركة نضالية ولكنها منذ 40 سنة وحتى الان لم تبلور مثل هذه الحركة النقابية والمطلبية والفكرية والسياسية، وبالتالي الحركة كانت في غاية النضج والاحترام وقمعت بهذه الطريقة.
وعن تفسيرها للتدخل الغربي في ليبيا على الرغم من حمله أجندة مصالح استعمارية، ترى الشهال: "اعتقد انه ربما المعارضة والقذافي والقوى الاجنبية أي الأطراف الثلاثة اتجهوا نحوالتصعيد، ان كان القذافي انتقل بسرعة مدفوعا ربما من تصوره لما هو موقف الغرب الى التهديد والى البطش، وان كانت الحركة نفسها حين اكتشفت ضعفها في نهاية المطاف وانقسام البلد، فهي حاولت الاستعانة بالخارج، والاهم من هذا او ذاك، ان القوى الدولية وحتى الاقليمية قفزت من فوق مرحلة سياسية كان لا بد من بلورتها، كان يجب ارسال رسالة جماعية واضحة وصارمة للقذافي، تقول له عليك ان ترحل ونحن سنتدبر بالتوسط ـ مثلما حدث فيما يخص تونس ومصر ـ كيفية خروجك الآمن من السلطة وربما من البلد، اي ان هناك عملية سياسية، انا لا اقول انها مائعة ليس لانها سياسية تكون مائعة، ولكن هذه العملية السياسية التي لم تستخدم كل الاوراق ولم تستخدم مبادرة شافيز التي لم تقل برحيل القذافي، ولكن كان يمكن تطويرها باتجاه من هذا القبيل، لم تستخدم علاقات تركيا او الجزائر، يعني كان هناك العديد من الاوراق السياسية التي كان يمكن بلورتها باتجاه وضع مرحلة سياسية على الطاولة، لو فشلت هذه المرحلة السياسية، عندها ربما كان يجب التفكير في كيفية التدخل العسكري، وربما كان خيار التدخل العسكري مختلفاً عن الجنرال الاميركي الذي يهز امامنا عصاه كل ليلة، ويقول لنا قصفنا هنا وقصفنا هناك، هذا مشهد لا يطاق في ضمير العرب جميعهم وحتى العالم كله، لذلك نرى الان ادانات عالمية من حركات مناهضة الحرب وحركات مناهضة العولمة للتدخل العسكري والمطالبة بوقفه. ربما كان تدخلا عربيا او اقليميا، ولكن انا لا اريد اعادة كتابة التاريخ، انا اقول انه جرى اختصار مرحلة سياسية كانت في غاية الاهمية، لم تقم هذه المرحلة السياسية، وقبلها الغرب ارسل رسالة خاطئة إلى القذافي بطريقة خاطئة، او هو تعمد ذلك.
وعما إذا كانت الثورات العربية اليوم في ورطة، تقول الشهال: "انا اليوم لا يمكنني ان اقول اصبحنا في ورطة وكيف نحل هذه الورطة، هذه ليست بسياسة، يمكن القول ان المسؤولين مضطرون ان يتعاملوا هكذا، انا اقول لماذا اوقعنا انفسنا في مأزق وفي ورطة وفي فخ، بالحقيقة اليوم هذه القوات التي تتدخل عسكريا لا يمكنها التراجع وترك القذافي يستعيد انفاسه، ولا يمكنها التقدم اكثر، يعني احتلال وقصف اكثر وحتى خسائر بين المدنيين، اي ان شبح الحرب العالمية وحرب شمال الاطلسي، ففي الحالتين هناك مأزق تسبب به طبعا القذافي لانه كان يدافع عن سلطته التي ليست شرعية، ولكن ايضا تسبب به الاستخفاف الغربي بنا وببلداننا وبمعطياتنا وتصرف على اساس اننا صحراء، يقصفوننا بصاروخين وتنتهي الامور، الامور اعقد من ذلك".
أما الدروس المستفادة مما جرى في ليبيا والبحرين، تختصرها الشهال: "اولاً غير مطروح التدخل الخارجي، اي انه اذا حصلت غداً انتفاضة في الجزائر او في المغرب او في سوريا او في اي بلد عربي وتكون "انتفاضة شرعية" ليس واردا نهائيا ان يحصل تدخل غربي، على كل حال فشل هذا التدخل ولا يمكنه الا ان يفشل أكثر اذا استمر وامعن في ليبيا، سيجعل من هذا التدخل مسألة غير واردة، وسيجبر الغربيين على مزيد من الحكمة اليوم، علينا الاعتراف اننا وقعنا في مأزق وفي فخ، وثانيا يجب العودة الى المرحلة السياسية التي جرى اختصارها، القول للقذافي عليك ان ترحل والعمل على تنظيم ذلك، وليس ان نقول له لا نفاوض... ما معنى ذلك؟ فالرجل يجلس ولديه دبابات ولديه شيء من تأييد لبعض اجزاء المجتمع الليبي، ولديه علاقات في افريقيا، اي ان المسألة معقدة، فالتفاوض يجري مع الشياطين! لماذا لا يحصل تفاوض معه ليس على قاعدة بقائه او توريث ابنه، بل على قاعدة كيفية خروجه الآمن، لا اقول المشرّف ربما من البلد، وعلى قاعدة كيفية تدبر شؤون ليبيا حتى لا نقع في حرب اهلية، حتى لو خرج القذافي انا اخشى من حرب اهلية وقبلية في ليبيا".
2011-03-29