ارشيف من :آراء وتحليلات

ساركوزي أيضاً ... Game Over!

ساركوزي أيضاً ... Game Over!
عقيل الشيخ حسين
"كل الحكومات الأوروبية تعاني من صعوبات"، هذا ما قاله الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على ما نقله أحد المقربين إليه، في محاولة للتخفيف من آثار "اللطمة" التي تلقاها، وفق ما قاله أحد المراقبين، في الانتخابات البلدية الفرنسية التي جرت نهاية الاسبوع الماضي، والتي احتل فيها الحزب الحاكم، الاتحاد من أجل حركة شعبية، المرتبة الثانية، حيث لم يحصل إلا على 20 بالمئة من الأصوات، مقابل نحو 36 بالمئة للحزب الاشتراكي، وفي وضع تضيق فيه المسافة بينه وبين الجبهة القومية اليمينية المتطرفة التي نالت أكثر من 11 بالمئة من الأصوات.

وبالمعنى نفسه، برر وزير الصناعة الفرنسي، إريك بيسون، هذه الهزيمة بما أسماه "حالة الاستياء العام عند جميع الأوروبيين، وحتى في جميع أنحاء العالم".

والحقيقة أن الاستياء إزاء سياسات ساركوزي الداخلية والخارجية لم يقتصر على قوى المعارضة، بل تجاوزها إلى القوى الحليفة، ووصل أيضاً إلى داخل الحزب الحاكم، على أكد أكثر من مراقب محايد بأنه قد دخل في مرحلة التصدع، وحيث انتقد أعضاءٌ في الحزب سياسات الرئيس التي انزلقت، خصوصاً في ملف" العلمانية والإسلام"، نحو اليمين، في محاولة يائسة للحد من الصعود الذي يشهده حزب الجبهة القومية بقيادة مارين لوبن.

ويأتي هذا الوضع الصعب الذي يعيشه ساركوزي وحزبه مشبعاً بالدلالة، في أجواء حماسة ساركوزي المتميزة لقرع طبول الحرب على ليبيا، وجهوده للاستفراد بقيادة المعركة ضد القذافي، ثم في ظل تصريحاته التي هدد فيها، على هامش أحداث سوريا الأخيرة، برد فعل دولي مشابه للتدخل العسكري في ليبيا.

وإذا كان لا بد من الحديث عن رد فعل، فإن ما يبدو أقرب إلى الواقع، هو في كون امتناع المقترعين الفرنسيين عن منح أصواتهم لمرشحي ساركوزي في الانتخابات المحلية يمثل تعبيراً عن استيائهم أيضاً من توريطهم في حرب ليبية خطرة ومكلفة وغير معروفة الأهداف والمآلات، في ظل ظروف كانت رياح ليبيا القذافي تهب فيها بشكل ملائم جداً للمصالح الفرنسية.

إذ، فيما لو سارت الأمور وفق رغبة ساركوزي بتنحية القذافي ـ وهو الأمر الذي لا يحتل مقدمة الاحتمالات نظراً للمراوغات الأميركية، واتساع رقعة المعارضة الدولية لرفع مستوى التدخل ـ فإن حصة فرنسا من النفط الليبي لن تزيد عن حدودها الحالية، كما إن نفوذها السياسي فيها والذي لن يزيد أيضاً عما كان عليه في ظل علاقات المودة غير العادية التي أقامها مع القذافي، لن يعوّضها عن تراجعاتها في الساحات الإفريقية الأخرى، ولا سيما في معقلها التقليدي المتمثل بساحل العاج.

وإذا لم تسر الأمور وفق هذه الرغبة، وحدث للكلام المتصاعد عن تسوية سلمية للمشكلة الليبية، أن أسفر عن حل تقسيمي يسمح للقذافي أو لأحد أبنائه بالاحتفاظ بالحكم فوق جزء من ليبيا، أو في أسوأ الاحتمالات، فوق ليبيا كلها، فإن ساركوزي سينال "لطمة" من عيار الضربة القاضية.

ضربة قاضية يعتقد مراقبون فرنسيون وأميركيون أن ساركوزي، أياً تكن مآلات الحرب الليبية، قد تلقاها فعلاً، منذ اللحظة التي قرر فيها، على طريقة صديقه جورج بوش، أن يجر فرنسا التي تمر حالياً بمخاض اقتصادي صعب، إلى "حربه الصليبية" الخاصة (بعيداً عن مقتضيات المصلحة الفرنسية)، على أمل تحقيق مكاسب داخلية لا علاقة لها بمزاعمه حول حماية الشعب الليبي.

ومع ما فهم من تصريحات ساركوزي بخصوص سوريا، يدفع المراقبون بالتهكم إلى مداه الأقصى: استنساخ خطاب المحافظين الجدد قبيل الحرب على أفغانستان والعراق عن قدرة الولايات المتحدة على شن حربين كبيرتين وظافرتين في وقت واحد!

ويبلغ التهكم ذروته مع التساؤلات حول نوع الهذيان الذي يعاني منه الرئيس الفرنسي عندما يبدو، إن بحربه الليبية، وإن بتهديداته لسوريا، كما ولو أنه، هو رئيس الدولة التي تقهقرت على المستوى الدولي بشكل باتت فيه قدراتها العسكرية مجرد ذكرى باهتة بالمقارنة مع ما كانت عليه أيام مجدها الاستعماري يوم كانت تنافس بريطانيا في الهيمنة على العالم، لم يسمع بالهزائم التي منيت بها القوة الأميركية العظمى في جميع ملفات الشرق الأوسط وحروبه.

خلال فترة طويلة، كان الأوروبيون يلقون اللوم على بريطانيا بسبب سياسات العرقلة التي دأبت على اعتمادها، إرضاءً للولايات المتحدة، بهدف إعاقة الوحدة الأوروبية. أما الآن، فإن الهوة التي عمّقها ساركوزي بين قاطرتي الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا، لأسباب منها اختلاف مواقف البلدين بخصوص التدخل في ليبيا، جعلت فرنسا تفوق بريطانيا في نزعتها الانكلوسكسونية، وما يلحقه ذلك من ضرر بالمصالح الأوروبية.

وهذا يضيف استياءً أوروبياً إلى الاستياء الفرنسي إزاء سياسات ساركوزي التي تتبع مساراً متعارضاً بشكل متزايد مع المصلحة الأوروبية والفرنسية. والتساؤلات تدور حول ما إذا كانت "صهيونية" ساركوزي المكشوفة هي ما يدفعه عن سابق تصور وتصميم إلى الإساءة للبلد الذي جاء إليه مهاجراً من هنغاريا، والذي لا يبدو شديد الاقتناع بالولاء له.

في ظل هذا الوضع، يظل كل شيء ممكناً. لكن المستحيل الوحيد، في ظل انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ربيع العام القادم... هو بقاء ساركوزي في قصر الإليزيه. ومن يدري، ربما يزاحم ولي نعمته وطريده، جاك شيراك، في تبوُّؤ مقعد في قفص الاتهام أمام المحاكم الفرنسية بتهم قد تتجاوز مجرد التهم بالفساد.
2011-03-30