ارشيف من :آراء وتحليلات
مصر: الدور المعقود والفرصة الضائعة في ليبيا
لؤي توفيق حسن(*)
( يصبح الرجل عجوزاً حين تحل الأعذار محل الآمال) ـ شكسبير
مرة أخرى تشدنا الأحداث وتحدياتها كيما نعود الى مصر الثورة، والشعب. الدور والريادة. يقودنا الى هذا ما يشهده جوارها الليبي من تطورات تجعل مستقبل هذا البلد محاطاً بالضباب الأمر الذي ينبغي ان تدفع خطورته وتداعياته المفتوحة الى اعلان حالة طوارىء في (مركز القرار المصري). نعم ان ما يحدث في ليبيا يشكل تهديدا مباشرا (للامن القومي المصري). وقد شرحناه بالتفصيل في مقالتنا السابقة. هكذا هو الامر إذا قاربناه بعقل بارد. منتظم وفق معاير السياسة والاستراتيجيا. وبمعزل عن الدافع القومي. والاعتبارات الأخلاقية والدينية التي ينبغي ان تشد العربية الى شقيقه العربي. وتفرض على المسلم نصرة أخيه المسلم في مواجهة الظلم والإستبداد .
لا يلزمنا أي جهد كي يظهر لنا بأن مصير ليبيا بات على (كف عفريت) انطلاقاً من عدة مؤشرات: توقيت التدخل الغربي وطبيعته. التوقيت الذي انتظر حتى أُنهكَ الثوار بعد ان تمكن القذافي او جرى تمكينه من إستعادة المبادرة. اما طبيعة التدخل فهي في هذا الحجم الهائل من القوات والحشود ما يشي بشيء واحد وهو ان المطلوب استنزاف جميع الأطراف بحيث تدخل ليبيا في حالة الفراغ.
يعرف كل متبصر ان هزيمة (كتائب القذافي) لا يلزمها هذا الكم الكبير من الطلعات الجوية تقذف بحممها، ولا الى هذه الاعداد من صواريخ "توماهوك". لقد بات واضحاً ان الهدف ليس الكتائب تلك بقدر ما هو ضرب البنية التحتية لمؤسسة العسكرية الليبية من مطارات ومستودعات ومخازن وقود وورشات صيانة والى آخر ما هنالك وصولاً الى التدمير الشامل الأمر الذي لا مبرر له من الوجهة العسكرية بعد ان تركتها عناصرها وفرت هاربة. وبحيث إذا ما وصلت الحرب – ان وصلت! – الى خط النهاية لا يكون لدى المجلس الإنتقالي وحكومة الثورة اية هيكلية تبني عليها قوات مسلحة تمكنها من الإمساك بليبيا وللتدليل على هذا نشير الى ان الإنسحاب الأميركي تاركاً لحليفه الاوروبي مقاليد الأمور العسكرية يؤشر الى تنازل الولايات المتاحدة عن الفريسة الليبية التي تعتبر ذات اهمية استراتيجية بالنسبة للأوروبيين لتقع بين فكي "المحور الألماني الإيطالي" و"المحور الفرنسي الإنكليزي".
امام هذه التحديات على حدودها فإن الحضور المصري فاعلاً على الارض الليبية مسألة لا تقل من حيث الاهمية، والإرتباط الموضوعي بقضايا الإستقرار والإصلاحات السياسية في الداخل والى آخر ما يتصل بمستقبل مصر.
لقد كانت فرصة ذهبية لمصر ان تكون اللاعب الأول مع بدايات الثورة الليبية قبل ان تدخل في تعقيدات لعبة الأمم. ثم كانت فرصة فضية ان تكون في اللعبة عند تقهقر الثوار وقبل التدخل الغربي. فنرجو ان لا تفوت عليها الفرصة البرونزية المتبقية وهي ان تفرض حضورها لتكون طرفً يكيّف اللعبة السياسية بحيث لا تؤدي إلى تقسيم ليبيا.
(*) كاتب من لبنان