ارشيف من :خاص
أنقرة وبغداد وزيارة أردوغان الثانية
بغداد ـ عادل الجبوري
تعد زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى العراق يوم الاثنين الماضي ثاني زيارة يقوم بها خلال أقل من ثلاثة أعوام، اذ كان قد زاره في شهر تموز/ يوليو من عام 2008، ردا على زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى انقرة في خريف عام 2006، ولم تقلّ الزيارة الاولى اهمية عن الزيارة الاخيرة، اذ جاء في حينه على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير حاملا معه حزمة ملفات، بعضها كان يحتاج الى حلحلة، وبعضها كان يحتاج الى تفعيل، وبعضها الاخر كان مغلقاً وبحاجة الى ان يفتح.
وبعد اكثر من عامين ونصف العام فإنه لم يأتِ ليبدأ من الصفر وانما ليستكمل ما تم الشروع به سابقا، سواء من قبله او من قبل ساسة اخرين من انقرة وبغداد، من دراسة ملف المياه وملف الاستثمار وملف "حزب العمال الكردستاني التركي" وملف كركوك، وربما ملفات اخرى تحتم ان يكون هناك حوار متواصل بين بغداد وأنقرة، حوار يمكن ان يكون محكوما بعقد وأزمات وتشنجات وانفعالات، وهذا من المستحيل ان يفضي الى اية نتائج ايجابية لكلا الطرفين، وحوار من نوع اخر يستند على قاعدة واسعة وعريضة من الفهم والتفهم المتبادل لجملة من الحقائق والمعطيات على ارض الواقع... وهذا لابد ان ينتهي الى نتائج ايجابية ومثمرة للاثنين.
ولعل ما يميز العلاقات العراقية ـ التركية عن سواها من العلاقات بين العراق وبعض مكونات محيطه العربي والاقليمي هو انها غير محكومة بكثير من العقد والتراكمات التاريخية والسياسية والمذهبية والطائفية، بل انها تنحو باتجاه قدر كبير من المرونة والواقعية ـ او قل البراغماتية الايجابية ـ ويمكن ان يكون لوجود حزب العدالة والتنمية على رأس هرم السلطة في تركيا اثر كبير في جعل العلاقات تنحو بهذا المنحى..
ولعله من الواضح ان الحضور التركي في العراق ـ سياسيا واقتصاديا ـ يمثل احد ابرز معالم العلاقات بين بغداد وانقرة، ولا يماثل هذا الحضور سوى الحضور الايراني، اذ ان مختلف الاطراف العربية ما زالت تقدم قدما وتؤخر اخرى في مسيرة علاقاتها مع بغداد انطلاقا من حسابات يختلط فيها الخوف والحسد والتردد والعناوين الطائفية والمذهبية والقومية، بحيث اننا نجد غيابا كاملا او شبه كامل للتمثيل الدبلوماسي لدول عربية عديدة في بغداد، بينما نشهد تمثيلا دبلوماسيا على اعلى المستويات لانقرة وطهران.
وطبيعي ان الحضور الدبلوماسي يفتح افاقا وفرصا للحضور الاقتصادي والثقافي، ويتيح تذليل الكثير من الصعاب والعقبات. وتشير الارقام الى ان حجم المبادلات التجارية بين البلدين وصل الى اكثر من خمسة عشر مليار دولار سنويا، ويطمح الاتراك الى ان يبلغ عشرين مليار دولار، بعد ان كان لا يتعدى مليار دولار فقط في عام 2005، وان عدد الشركات التركية الداخلة في سوق الاستثمار العراقي يفوق شركات اي بلد اخر، ومن اليسير على المواطن العادي ان يلمس وجود وعمل الشركات التركية في مجالات البناء والاعمار والصناعة والزراعة وتنظيف المدن.
وليس غريبا ان يكون الاقتصاد والاستثمار هو المحور الاهم في زيارة اردوغان، فالوفد الكبير الذي رافقه الى بغداد تألف من عدد كبير من رجال المال والاعمال الاتراك.
وربما يبدو الاتراك من بين اكثر الاطراف الاقليمية تفهما واستيعابا لحقيقة وواقع التحولات والمتغيرات السياسية على الارض، وكيفية استثمارها وتوظيفها بما يعزز مصالحهم، وفي ذات الوقت ينعكس ايجابيا على مصالح الطرف الاخر الذي يتعاملون معه.
وخلال زيارته الاخيرة تحدث اردوغان من على منبر مجلس النواب العراقي، وحرص ان يكون حديثه متوازنا وينأى عن نقاط التأزم من دون ان يعني ذلك انه قد تجاهلها بالكامل كما هو الحال في اشارته الى ان بناء علاقات قوية ورصينة بين بغداد وانقرة يتطلب انهاء وجود حزب العمال الكردستاني في الاراضي العراقية، وهذه رسالة موجهة الى الاكراد العراقيين اكثر من غيرهم، وتحديدا الى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني. وهذا الحديث المتوازن بعث على الارتياح لدى كل اعضاء البرلمان على اختلاف مكوناتهم وعناوينهم السياسية.
وجاء لقاؤه بالمرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني في مدينة النجف الاشرف التي تعد مركز المرجعية الدينية والحوزة العلمية، ومرقد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، ليعطي بعدا اخر للزيارة، عزز النظرة التركية المعتدلة في ظل وجود حزب العدالة والتنمية الاسلامي على رأس السلطة في انقرة، للواقع العراقي وموقعية المرجعية الدينية ومكانتها وتأثيرها وحضورها.
ومع ان الاطار العام لمحطات اردوغان في زيارته الثانية، والتي شملت بغداد والنجف واربيل، كان واحدا، الا انه حرص في كل محطة على ان يطلق رسائل معينة محسوبة بدقة في مضامينها ومحتواها.
فالرسائل من بغداد ليست هي ذاتها الرسائل من النجف ومن اربيل، وان كانت هناك نقاط التقاء.
من بغداد كانت الرسائل اقتصادية ـ سياسية، ومن النجف كانت الرسائل روحية عقائدية منفتحة، ومن اربيل كانت الرسائل اقتصادية ـ أمنية. فأنقرة تدرك تماما ان طبيعة المواقف والتوجهات الكردية لها اثر كبير في حلحلة ازمة وجود حزب العمال الكردستاني، وفي حلحلة قضية كركوك الشائكة والمعقدة، وربما كان توقيت انتخاب محافظ لكركوك من الاكراد (نجم الدين كريم)، ورئيس مجلس المحافظة من الاتراك (حسن توران) مع زيارة اردوغان محسوبا ومخططا له.
والشيء المهم ان ساسة تركيا وفي مقدمتهم "الفتى الشجاع" ـ وهو معنى اسم اردوغان باللغة العربية ـ يحرصون في علاقاتهم مع العراق على عدم التوقف وعلى عدم العودة الى الوراء، وهذا هو احد اهم مقومات نجاح وديمومة وتطور العلاقات بين بغداد وانقرة، رغم ما يختزنه الماضي وكذلك الحاضر من عقد ومشاكل وازمات غير قليلة ولا عابرة!.
تعد زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى العراق يوم الاثنين الماضي ثاني زيارة يقوم بها خلال أقل من ثلاثة أعوام، اذ كان قد زاره في شهر تموز/ يوليو من عام 2008، ردا على زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى انقرة في خريف عام 2006، ولم تقلّ الزيارة الاولى اهمية عن الزيارة الاخيرة، اذ جاء في حينه على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير حاملا معه حزمة ملفات، بعضها كان يحتاج الى حلحلة، وبعضها كان يحتاج الى تفعيل، وبعضها الاخر كان مغلقاً وبحاجة الى ان يفتح.
وبعد اكثر من عامين ونصف العام فإنه لم يأتِ ليبدأ من الصفر وانما ليستكمل ما تم الشروع به سابقا، سواء من قبله او من قبل ساسة اخرين من انقرة وبغداد، من دراسة ملف المياه وملف الاستثمار وملف "حزب العمال الكردستاني التركي" وملف كركوك، وربما ملفات اخرى تحتم ان يكون هناك حوار متواصل بين بغداد وأنقرة، حوار يمكن ان يكون محكوما بعقد وأزمات وتشنجات وانفعالات، وهذا من المستحيل ان يفضي الى اية نتائج ايجابية لكلا الطرفين، وحوار من نوع اخر يستند على قاعدة واسعة وعريضة من الفهم والتفهم المتبادل لجملة من الحقائق والمعطيات على ارض الواقع... وهذا لابد ان ينتهي الى نتائج ايجابية ومثمرة للاثنين.
ولعل ما يميز العلاقات العراقية ـ التركية عن سواها من العلاقات بين العراق وبعض مكونات محيطه العربي والاقليمي هو انها غير محكومة بكثير من العقد والتراكمات التاريخية والسياسية والمذهبية والطائفية، بل انها تنحو باتجاه قدر كبير من المرونة والواقعية ـ او قل البراغماتية الايجابية ـ ويمكن ان يكون لوجود حزب العدالة والتنمية على رأس هرم السلطة في تركيا اثر كبير في جعل العلاقات تنحو بهذا المنحى..
ولعله من الواضح ان الحضور التركي في العراق ـ سياسيا واقتصاديا ـ يمثل احد ابرز معالم العلاقات بين بغداد وانقرة، ولا يماثل هذا الحضور سوى الحضور الايراني، اذ ان مختلف الاطراف العربية ما زالت تقدم قدما وتؤخر اخرى في مسيرة علاقاتها مع بغداد انطلاقا من حسابات يختلط فيها الخوف والحسد والتردد والعناوين الطائفية والمذهبية والقومية، بحيث اننا نجد غيابا كاملا او شبه كامل للتمثيل الدبلوماسي لدول عربية عديدة في بغداد، بينما نشهد تمثيلا دبلوماسيا على اعلى المستويات لانقرة وطهران.
وطبيعي ان الحضور الدبلوماسي يفتح افاقا وفرصا للحضور الاقتصادي والثقافي، ويتيح تذليل الكثير من الصعاب والعقبات. وتشير الارقام الى ان حجم المبادلات التجارية بين البلدين وصل الى اكثر من خمسة عشر مليار دولار سنويا، ويطمح الاتراك الى ان يبلغ عشرين مليار دولار، بعد ان كان لا يتعدى مليار دولار فقط في عام 2005، وان عدد الشركات التركية الداخلة في سوق الاستثمار العراقي يفوق شركات اي بلد اخر، ومن اليسير على المواطن العادي ان يلمس وجود وعمل الشركات التركية في مجالات البناء والاعمار والصناعة والزراعة وتنظيف المدن.
وليس غريبا ان يكون الاقتصاد والاستثمار هو المحور الاهم في زيارة اردوغان، فالوفد الكبير الذي رافقه الى بغداد تألف من عدد كبير من رجال المال والاعمال الاتراك.
وربما يبدو الاتراك من بين اكثر الاطراف الاقليمية تفهما واستيعابا لحقيقة وواقع التحولات والمتغيرات السياسية على الارض، وكيفية استثمارها وتوظيفها بما يعزز مصالحهم، وفي ذات الوقت ينعكس ايجابيا على مصالح الطرف الاخر الذي يتعاملون معه.
وخلال زيارته الاخيرة تحدث اردوغان من على منبر مجلس النواب العراقي، وحرص ان يكون حديثه متوازنا وينأى عن نقاط التأزم من دون ان يعني ذلك انه قد تجاهلها بالكامل كما هو الحال في اشارته الى ان بناء علاقات قوية ورصينة بين بغداد وانقرة يتطلب انهاء وجود حزب العمال الكردستاني في الاراضي العراقية، وهذه رسالة موجهة الى الاكراد العراقيين اكثر من غيرهم، وتحديدا الى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني. وهذا الحديث المتوازن بعث على الارتياح لدى كل اعضاء البرلمان على اختلاف مكوناتهم وعناوينهم السياسية.
وجاء لقاؤه بالمرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني في مدينة النجف الاشرف التي تعد مركز المرجعية الدينية والحوزة العلمية، ومرقد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، ليعطي بعدا اخر للزيارة، عزز النظرة التركية المعتدلة في ظل وجود حزب العدالة والتنمية الاسلامي على رأس السلطة في انقرة، للواقع العراقي وموقعية المرجعية الدينية ومكانتها وتأثيرها وحضورها.
ومع ان الاطار العام لمحطات اردوغان في زيارته الثانية، والتي شملت بغداد والنجف واربيل، كان واحدا، الا انه حرص في كل محطة على ان يطلق رسائل معينة محسوبة بدقة في مضامينها ومحتواها.
فالرسائل من بغداد ليست هي ذاتها الرسائل من النجف ومن اربيل، وان كانت هناك نقاط التقاء.
من بغداد كانت الرسائل اقتصادية ـ سياسية، ومن النجف كانت الرسائل روحية عقائدية منفتحة، ومن اربيل كانت الرسائل اقتصادية ـ أمنية. فأنقرة تدرك تماما ان طبيعة المواقف والتوجهات الكردية لها اثر كبير في حلحلة ازمة وجود حزب العمال الكردستاني، وفي حلحلة قضية كركوك الشائكة والمعقدة، وربما كان توقيت انتخاب محافظ لكركوك من الاكراد (نجم الدين كريم)، ورئيس مجلس المحافظة من الاتراك (حسن توران) مع زيارة اردوغان محسوبا ومخططا له.
والشيء المهم ان ساسة تركيا وفي مقدمتهم "الفتى الشجاع" ـ وهو معنى اسم اردوغان باللغة العربية ـ يحرصون في علاقاتهم مع العراق على عدم التوقف وعلى عدم العودة الى الوراء، وهذا هو احد اهم مقومات نجاح وديمومة وتطور العلاقات بين بغداد وانقرة، رغم ما يختزنه الماضي وكذلك الحاضر من عقد ومشاكل وازمات غير قليلة ولا عابرة!.