ارشيف من :آراء وتحليلات
الشعب الليبي... عندما يتركه الغربيون لمصيره !
عقيل الشيخ حسين
قبل حوالي أسبوعين، استبشر أحد المتحدثين، من مكان إقامته في لندن، بالانهيار الوشيك لنظام القذافي، بانياً استبشاره على قوة دول التحالف التي لا تقهر.
ولا شك بأن قناعة ذلك المتحدث بقرب الانتصار قد ازدادت رسوخاً وهو يرى أكثر من 350 طائرة قاذفة ومقاتلة تابعة لقوات التحالف العسكري الممتد من واشنطن إلى أبو ظبي، مروراً بباريس ولندن وروما ومدريد وغيرها من عواصم الغرب، قبل الرجوع إلى قطر، تقوم بطلعاتها الجوية التي بلغت 2000 طلعة حتى لحظة كتابة هذا الكلمات، وتقصف ما تقصف من مواقع يفترض أن قصفها سيقصم ظهر كتائب القذافي ويقدم النصر إلى الثوار الليبيين على صفحة من ذهب.
إضافة إلى الأساطيل وما تشتمل عليه من حاملات الطائرات والبوارج والمدمرات وسفن الإنزال والغواصات المتخصصة بإطلاق صواريخ توما هوك وكروز وغيرها من القذائف الذكية.
وحدث، مع بداية التدخل، أن تقهقرت كتائب القذافي عن مشارف بن غازي، وأن لاحقتها قوات الثوار حتى مشارف سيرت، وسط الاستبشار بقرب احتلال هذا المعقل الهام من معاقل القذاذفة، على طريق الوصول إلى آخر معاقل النظام في طرابلس. ووسط مظاهرات الفرح التي خفقت فوقها أعلام الثورة الليبية متعانقة - في مشهد مشؤوم ت مع الأعلام الأميركية والبريطانية وخصوصاً الفرنسية... في جوقة لا ينقصها غير العلم الإسرائيلي.
وبمرور الوقت، ورغم تصاعد عمليات القصف التي تقوم بها قوات التحالف، وامتلاء شاشات التلفزة بصور الدمار الذي أصاب طائرات القذافي ومدرعاته ودفاعاته الجوية ومخازن أسلحته، إضافة إلى خزانات الوقود ومصافي النفط والقرى والمدن، تصاعدت القدرات الضاربة عند القذافي، فأحكم الحصار على ما في أيدي الثوار من مدن الغرب وأخضعها لقصف عنيف وعشوائي مع ما صاحب ذلك من فتك ذريع بالمدنيين.
وفي الوقت نفسه، تمكنت قوات القذافي، بالتزامن مع استلام حلف الناتو قيادة العمليات العسكرية، من شن هجوم معاكس، ونجحت في دفع قوات الثورة إلى الوراء باتجاه بنغازي معيدة الوضع إلى ما كان عليه قبل التدخل العسكري الغربي.
وبذلك، دخلت الحرب في ليبيا، على ما يجمع المراقبون على تسميته بمرحلة "الكر والفر"، وما يرتبط بذلك من إشاعة الانطباع بأن الثوار سيعودون إلى الإمساك بزمام المبادرة.
لكن ذلك مشروط بأحد شرطين. أولهما نزول قوات الأطلسي إلى الأرض الليبية بما هو وسيلة لتحقيق ما لا تحققه الغارات الجوية مهما تكثفت وتصاعدت. لكن هذا الخيار يبدو مستبعداً جداً حتى عند الغربيين الخائفين من التورط في حرب ثالثة، أو المراهنين على تمنع قد يرجعون عنه فيما لو توسل إليهم العالم من أجل اعتماده، وهو الأمر الذي يبدو مستبعداً أيضاً وسط معارضة دولية تبدأ بمواقف الدول العربية المعارضة لذلك مبدئياً، أو على سبيل التظاهر، وتنتهي برفض ذلك من قبل روسيا والصين وقاطرة بلدان أميركا اللاتينية التي يقودها الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز.
ثاني الشرطين، وهو الذي يروج الحديث عنه في هذه الآونة، هو تسليح الثوار الليبيين لكي يتمكنوا من مواجهة القذافي بقواهم الذاتية. لكن التسليح، فيما لو تمت الموافقة عليه يحتاج إلى وقت يأتي بعده التدريب وما لا يحصى من إجراءات في مجال التنظيم والتعبئة والتنسيق والتخطيط اللازم لإدارة المعركة.
لكن التسليح الذي يطالب به الثوار مستبعد بدوره، بإجماع بلدان الأطلسي ولأسباب لم يفصح عنها أحد في وقت فشل فيه التدخل العسكري في تحقيق أغراضه المتمثلة بحماية المدنيين وبشل قدرات كتائب القذافي.
وهنا يبدو سوء النية واضحاً إزاء الثورة الليبية التي تشير جميع المعطيات الميدانية إلى قرب وصولها إلى الحائط المسدود فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه الآن، في وقت يؤكد فيه الأميركيون أن استبعاد القذافي ليس هدف التدخل.
ومع هذا، تتواصل التصريحات الصادرة عن الزعماء الغربيين لتؤكد استمرار الضغط على القذافي وعلى القول بأن نظامه قد بدأ بالانهيار إنطلاقاً، على سبيل المثال، من انشقاق وزير خارجيته واحد أبرز أركانه، موسى كوسى.
وتتراوح البدائل المطروحة غربياً بين حدوث انشقاقات مماثلة، ومشاركة أميركية تقتصر - بعد قرار تقليص الوجود العسكري في المتوسط- على تقديم الوقود والمعلومات الاستخبارية والحرب الالكترونية والمساعدة الانسانية... وكلام أوباما عن اتخاذ قرار "سري" باللجوء إلى تدخل "سري" تقوم به أجهزة مخابرات أو قوات خاصة أميركية ؟!
مع التشديد في اليومين الأخيرين على أن مهمة إسقاط نظام القذافي هي من اختصاص الشعب الليبي، وأن الوسيلة هي، بعيداً عن الحل العسكري، في لجوء الشعب الليبي إلى ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي ؟؟!!
كلام غرائبي واضح في الدلالة على أن الشعب الليبي قد ترك لمصيره... وأن خلف التحالف الظاهر تحالف أبرز أركانه نظام القذافي نفسه... وأن الهدف الحقيقي للتدخل لم يكن غير إجهاض الثورة الليبية ليكون إجهاضها تمكيناً لنظام القذافي، ودرساً كابحاً لحركة الثوارات العربية الأخرى.
اللهم إلا إذا كان كلام وزير الحرب الأميركي عن الخطر الذي يشكله تراجع الثورة الليبية على ثورتي مصر وتونس، مؤشراً على عمل أميركي باتجاه زج الجيشين المصري والتونسي، وربما جيوش عربية أخرى، في حرب ليبية تحرق أصابع الجميع وتسمح لأميركا و"إسرائيل" بالإستيلاء على كامل الكستناء الليبية... والعربية!
قبل حوالي أسبوعين، استبشر أحد المتحدثين، من مكان إقامته في لندن، بالانهيار الوشيك لنظام القذافي، بانياً استبشاره على قوة دول التحالف التي لا تقهر.
ولا شك بأن قناعة ذلك المتحدث بقرب الانتصار قد ازدادت رسوخاً وهو يرى أكثر من 350 طائرة قاذفة ومقاتلة تابعة لقوات التحالف العسكري الممتد من واشنطن إلى أبو ظبي، مروراً بباريس ولندن وروما ومدريد وغيرها من عواصم الغرب، قبل الرجوع إلى قطر، تقوم بطلعاتها الجوية التي بلغت 2000 طلعة حتى لحظة كتابة هذا الكلمات، وتقصف ما تقصف من مواقع يفترض أن قصفها سيقصم ظهر كتائب القذافي ويقدم النصر إلى الثوار الليبيين على صفحة من ذهب.
إضافة إلى الأساطيل وما تشتمل عليه من حاملات الطائرات والبوارج والمدمرات وسفن الإنزال والغواصات المتخصصة بإطلاق صواريخ توما هوك وكروز وغيرها من القذائف الذكية.
وحدث، مع بداية التدخل، أن تقهقرت كتائب القذافي عن مشارف بن غازي، وأن لاحقتها قوات الثوار حتى مشارف سيرت، وسط الاستبشار بقرب احتلال هذا المعقل الهام من معاقل القذاذفة، على طريق الوصول إلى آخر معاقل النظام في طرابلس. ووسط مظاهرات الفرح التي خفقت فوقها أعلام الثورة الليبية متعانقة - في مشهد مشؤوم ت مع الأعلام الأميركية والبريطانية وخصوصاً الفرنسية... في جوقة لا ينقصها غير العلم الإسرائيلي.
وبمرور الوقت، ورغم تصاعد عمليات القصف التي تقوم بها قوات التحالف، وامتلاء شاشات التلفزة بصور الدمار الذي أصاب طائرات القذافي ومدرعاته ودفاعاته الجوية ومخازن أسلحته، إضافة إلى خزانات الوقود ومصافي النفط والقرى والمدن، تصاعدت القدرات الضاربة عند القذافي، فأحكم الحصار على ما في أيدي الثوار من مدن الغرب وأخضعها لقصف عنيف وعشوائي مع ما صاحب ذلك من فتك ذريع بالمدنيين.
وفي الوقت نفسه، تمكنت قوات القذافي، بالتزامن مع استلام حلف الناتو قيادة العمليات العسكرية، من شن هجوم معاكس، ونجحت في دفع قوات الثورة إلى الوراء باتجاه بنغازي معيدة الوضع إلى ما كان عليه قبل التدخل العسكري الغربي.
وبذلك، دخلت الحرب في ليبيا، على ما يجمع المراقبون على تسميته بمرحلة "الكر والفر"، وما يرتبط بذلك من إشاعة الانطباع بأن الثوار سيعودون إلى الإمساك بزمام المبادرة.
لكن ذلك مشروط بأحد شرطين. أولهما نزول قوات الأطلسي إلى الأرض الليبية بما هو وسيلة لتحقيق ما لا تحققه الغارات الجوية مهما تكثفت وتصاعدت. لكن هذا الخيار يبدو مستبعداً جداً حتى عند الغربيين الخائفين من التورط في حرب ثالثة، أو المراهنين على تمنع قد يرجعون عنه فيما لو توسل إليهم العالم من أجل اعتماده، وهو الأمر الذي يبدو مستبعداً أيضاً وسط معارضة دولية تبدأ بمواقف الدول العربية المعارضة لذلك مبدئياً، أو على سبيل التظاهر، وتنتهي برفض ذلك من قبل روسيا والصين وقاطرة بلدان أميركا اللاتينية التي يقودها الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز.
ثاني الشرطين، وهو الذي يروج الحديث عنه في هذه الآونة، هو تسليح الثوار الليبيين لكي يتمكنوا من مواجهة القذافي بقواهم الذاتية. لكن التسليح، فيما لو تمت الموافقة عليه يحتاج إلى وقت يأتي بعده التدريب وما لا يحصى من إجراءات في مجال التنظيم والتعبئة والتنسيق والتخطيط اللازم لإدارة المعركة.
لكن التسليح الذي يطالب به الثوار مستبعد بدوره، بإجماع بلدان الأطلسي ولأسباب لم يفصح عنها أحد في وقت فشل فيه التدخل العسكري في تحقيق أغراضه المتمثلة بحماية المدنيين وبشل قدرات كتائب القذافي.
وهنا يبدو سوء النية واضحاً إزاء الثورة الليبية التي تشير جميع المعطيات الميدانية إلى قرب وصولها إلى الحائط المسدود فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه الآن، في وقت يؤكد فيه الأميركيون أن استبعاد القذافي ليس هدف التدخل.
ومع هذا، تتواصل التصريحات الصادرة عن الزعماء الغربيين لتؤكد استمرار الضغط على القذافي وعلى القول بأن نظامه قد بدأ بالانهيار إنطلاقاً، على سبيل المثال، من انشقاق وزير خارجيته واحد أبرز أركانه، موسى كوسى.
وتتراوح البدائل المطروحة غربياً بين حدوث انشقاقات مماثلة، ومشاركة أميركية تقتصر - بعد قرار تقليص الوجود العسكري في المتوسط- على تقديم الوقود والمعلومات الاستخبارية والحرب الالكترونية والمساعدة الانسانية... وكلام أوباما عن اتخاذ قرار "سري" باللجوء إلى تدخل "سري" تقوم به أجهزة مخابرات أو قوات خاصة أميركية ؟!
مع التشديد في اليومين الأخيرين على أن مهمة إسقاط نظام القذافي هي من اختصاص الشعب الليبي، وأن الوسيلة هي، بعيداً عن الحل العسكري، في لجوء الشعب الليبي إلى ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي ؟؟!!
كلام غرائبي واضح في الدلالة على أن الشعب الليبي قد ترك لمصيره... وأن خلف التحالف الظاهر تحالف أبرز أركانه نظام القذافي نفسه... وأن الهدف الحقيقي للتدخل لم يكن غير إجهاض الثورة الليبية ليكون إجهاضها تمكيناً لنظام القذافي، ودرساً كابحاً لحركة الثوارات العربية الأخرى.
اللهم إلا إذا كان كلام وزير الحرب الأميركي عن الخطر الذي يشكله تراجع الثورة الليبية على ثورتي مصر وتونس، مؤشراً على عمل أميركي باتجاه زج الجيشين المصري والتونسي، وربما جيوش عربية أخرى، في حرب ليبية تحرق أصابع الجميع وتسمح لأميركا و"إسرائيل" بالإستيلاء على كامل الكستناء الليبية... والعربية!