ارشيف من :آراء وتحليلات
حجارة "الدومينو" الأميركية تسقط في سوريا أيضاً.. واللقاء في محطة قادمة
تحدث الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد خلال خطابه التاريخي الأخير أمام مجلس الشعب، عن نظرية "الدومينو"، وأكد أن حلم أميركا بان "تقود نظرية الدومينو إلى أن يحدث في سوريا مثل ما حدث في تونس ومصر، لن تنطبق على بلاده، تماما كما فشلت النظرية نفسها بعد غزو العراق"، لافتاً إلى أن"الوهم المتمثل بإسقاط الشعوب الممانعة كأحجار الدومينو قد سقط".
ولكن ما هي هذه النظرية؟ وكيف تحاول أميركا تطبيقها على العالم العربي؟
يعرّف أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، الوزير عدنان السيد حسين، نظرية "الدومينو Domino Theory" بأنها "تقوم على الفرضية القائلة بأن سقوط دولة تحت سيطرة المعسكر الشيوعي يؤدي إلى سقوط الدول المجاورة لها: تماماً كما هي الحال في لعبة حجارة الدومينو عندما يسقط حجر معين تتدحرج أمامه كل الحجارة التي تليه".
وقد اشتهرت هذه النظرية بشكل خاص لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات وما زال البعض يدافع عن قوة استخدامها اليوم، بعدما طبقت إلى حد كبير إبان غزو العراق 2003.
فالولايات المتحدة الأميركية تحاول دائماً الاستفادة ممن تعتبرهم "أعدائها" في كل المجالات السياسة والاقتصادية، ولا غرابة أن تتبنى أمريكا اليوم"نظرية الدومينو".
كثيراً ما تحدث المفكرون والمراقبون عن هذا المفهوم قبل الحرب على العراق، لاسيما في المنطقة العربية، وكانت أميركا تعتقد أنه ما ان تشرق شمس الحرية على دولة عربية، حتى تشرق في غير منطقة عربية فتسقط الأنظمة الواحدة تلو الأخرى تحت ضغط المطالبة الشعبية بديمقراطية مماثلة وحرية شبيهة بتلك.
وكانت أميركا تعتقد أن غزو العراق، و"ما سمي بالحرب على الإرهاب في أفغانستان"، سيؤدي إلى تضييق الخناق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكبر مناهض للامبريالية الأميركية، وكان يعتقد معدو الاستراتجيات الأميركية أنه في حال تعاون سوريا مع أميركا أو إسقاط النظام السوري، ستفقد طهران حليفها الإستراتيجي بالمنطقة، ناهيك عن أن أميركا كانت تثق بان تركيا ستقف إلى جانبها في حربها على العراق, لأنها عضو في حلف شمال الأطلسي، وهذا ما كان سيؤدي بحسب المفهوم الأميركي إلى خنق الجمهورية الإسلامية، وعزلها تماماً عن التأثير والتأثر في المنطقة ودول الجوار، أو أن تلعب دور إقليمي فعال، ولكن جرت الرياح بعكس ما تشتهيه السفن الأميركية.
لقد سقطت نظرية "الدومينو" خلال حرب العراق، وما أكده الرئيس السوري بشار الأسد صائب تماماً، فتركيا رفضت فتح أراضيها أمام القوات الغازية ووسعت نشاطاتها مع إيران وأصبحت تبني علاقات جيدة معها، فضلاً عن سعيها للعب دور كبير في الملف النووي الإيراني ما يصب بمصلحة البلدين، وبقي النظام السوري صامدا، وفشلت أميركا في حربيها في أفغانستان والعراق، وأصبحت إيران صاحبت شأن كبير إقليميا ودولياً.
يشير التيار الليبرالي الأميركي إلى أن مصالح الولايات المتحدة واسعة، ويحتمل تهديدها في أي مكان، الأمر الذي يفضي إلي التفكير في "نظرية الدومينو Domino Theory" وصيانة عالم الباب المفتوح. ويتطلب ذلك من الولايات المتحدة الاستمرار في إثبات مصداقيتها، وتضخيم الخطر "Threat Inflation" لتبرير تدخلها في الخارج. فالإستراتيجيون الأمريكيون اعتقدوا أن الأفضل هو استباق الحدث وليس مجرد القيام برد الفعل. وذلك انطلاقاً من فكرة أساسية يقوم عليها التيار الليبرالي وهي أن الأحداث التي تبدو بعيدة يمكن أن تثير سلسلة من ردود الفعل التي تخرج عن نطاق السيطرة وتؤثر علي الأمن القومي الأميركي.
وتزعم الإدارة الأميركية أن عملية "الديمقراطية" قد بدأت في أفغانستان والعراق , ومن المفترض أن تنبعث في المنطقة بفضل مفعول "الدومينو". وهكذا تنصب الولايات الأميركية على إنشاء أنظمة أكثر "صداقة" معها وأكثر تفهما لها، مع إقامة قواعد عسكرية أميركية على أبواب المنطقة تساعدها على المضي قدما في هيمنتها على العالم.
واليوم تحاول أميركا اللعب مجدداً بهذه النظرية من خلال ما يحصل من ثورات في الوطن العربي، وتحاول مجدداً وبعد فشلها في إسقاط النظام السوري إبان حرب العراق نتيجة عدة اعتبارات، اللعب في وتر الفتنة بغية إسقاط النظام السوري، وهي باعتقادها أنها ستوجه ضربة إلى قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، وتأمين أمن حليفتها "إسرائيل"، وهي لا تلعب فقط على وتر الفتنة وإنما باتت تستخدم شعاراتها الزائفة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الشعوب، هذه الشعارات الكاذبة التي باتت مكشوفة في المنطقة العربية.
وأميركا تدرك جيداً انها لا تستطيع استخدام هذه النظرية عسكرياً ضد سوريا أو ضد إيران ,لأنها تعلم مسبقاً أنها ستفشل في هذا الخيار، ولكن بدأت تؤسس لنظرية "دومينو" جديدة يمكن تسميتها بـ"الدومينو الديمقراطي"، وهي قائمة ـ بعد ما حصل من ثورات في تونس، مصر، ليبيا، واليمن، وللأسف ثورة البحرين لا تعترف فيها أميركا لانها لا تخدم مصالحها ـ على فرضية أن سقوط بلد معين، تحت ضغط الشعب والثورة، ليصبح بلد ديمقراطي سينسحب على البلدان الأخرى، وضمن هذا الإطار، فقد ذهب بعض المراقبين إلى أن ما جرى في تونس سينسحب بنفس السهولة على باقي دول المغرب العربي بحكم التاريخ المشترك والجوار الجغرافي، وأن السبحة ستكرّ بعد ذلك في العالم العربي لتسقط الأنظمة تباعاً.
ولكن شعب سوريا الواعي المقاوم والواقف خلف رئيسه أكد أن هذه النظرية فشلت، لأن الشعب السوري شعب مقاوم ممانع، يفهم اللعبة الأميركية، ومدى خطورة الفتنة التي تعد لها أميركا في سوريا، صادحاً بأعلى الصوت جميع استراتيجيات أميركا ونظرياتها فاشلة وساقطة .