ارشيف من :أخبار لبنانية

صندوق نتنياهو لدعم الديمقراطية والتصدي للحركات الإسلامية

صندوق نتنياهو لدعم الديمقراطية والتصدي للحركات الإسلامية
ياسر الزعاترة (*)
ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن نتنياهو يعمل حاليا على إقامة صندوق دولي لتشجيع التوجهات الديمقراطية في العالم العربي، وذلك لتحقيق نمو اقتصادي، هو برأيه الوسيلة المثلى للحيلولة دون سيطرة الحركات الإسلامية على الحكم.
والخطة التي يعمل نتنياهو على تنفيذها تشبه مشروع "مارشال" الذي أطلقته الولايات المتحدة لتطوير أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
يعكس هذا التوجه من طرف نتنياهو حجم القلق الذي ينتاب الدوائر الإسرائيلية من التطورات الجارية في الوطن العربي، وهو قلق لم يعد بوسع تلك الدوار إخفاؤه بأي حال، لاسيما أن النخبة السياسية والعسكرية والأمنية باتت تتحدث عنه يوميا، المعارضة منها والموالية.
والحق أن قلق القوم يبدو أكثر من مشروع، فالمشهد السياسي الذي منح الكثير من الطمأنينة لدولتهم طيلة عقود آخذ في التغير التدريجي، وحين تعود مصر إلى قيادة الوطن العربي على أسس تلبي تطلعات الشارع المصري الحالم بالكرامة والدور الطليعي لبلده في المحيط العربي والإقليمي، فهذا يعني أن الموقف سيتغير على نحو يهدد المصالح الإسرائيلية، لاسيما أن ما كان يقدمه النظام المصري من خدمات لم يكن يتعلق بالحفاظ على معاهدة كامب ديفيد فقط، بقدر ما يتعلق بخدمات أمنية وسياسية حافظت على قدرة الكيان على الغطرسة وفرض الإملاءات على العرب، وعلى السلطة الفلسطينية وقيادتها المفروضة على الشعب الفلسطيني، بل إن هذه الأخيرة ما كانت لتفرض على الشعب الفلسطيني لولا التعاون المصري.
وحين يتجاوز المشهد السياسي تغير الوضع المصري الداخلي إلى تفكك منظومة الاعتدال العربية، وعدم قدرتها تبعا لذلك على المضي في السياسات القديمة خوفا من شعوبها، سواء طالتها رياح التغيير الشامل، أم بقيت في إطار التغيير الجزئي، أعني الإصلاح السياسي وعدم القدرة على إدارة الظهر للمطالب الشعبية التي تعد القضية الفلسطينية قضيتها المركزية، حين يحدث ذلك ستكون المصالح الإسرائيلية قد دخلت مربع التهديد المباشر من دون شك.
في ضوء هذا المشهد المخيف للكيان الصهيوني يتحرك نتنياهو، وهو يسعى إلى تقليل الخسائر ما أمكن، لكنه يعاني من ارتباك في الرؤية وعدم قدرة على التقاط تعقيدات الوضع الجديد، فهو ينطلق كما يتضح من مشروعه من رؤية تقوم على أن الثورات العربية هي ثورات جياع يمكن مواجهتها بتحسين مستوى المعيشة، وأن ما يدفع الجماهير نحو تأييد الحركات الإسلامية هي الأوضاع الاقتصادية المتردية، وبدرجة ثانية غياب الديمقراطية.
والحال أن الثورات التي قامت في الوطن العربي إلى الآن والتحركات السياسية التي تشهدها الدول التي لم تعرف التغيير إلى الآن لا تنطلق من عقدة الجوع، إذ إنها في جوهرها ثورات تتصدرها الطبقة الوسطى التي تشعر بجوع للحرية والكرامة والعدالة أكثر من الجوع للمطعم والمأكل والملبس، وإن ازداد حجم التأييد لتلك الثورات تبعا للأوضاع الاقتصادية المتعبة، التي لا تأتي غالبا نتاج قلة الإمكانات والثروات، بقدر ما تأتي نتاج التوزيع غير العادل للثروة.
من هنا، فإن الحديث عن مشروع "مارشال" لتحسين الأوضاع الاقتصادية لن يغير في حقيقة الموقف الجماهيري الباحث عن الأهداف المشار إليها، ومنها أيضا التخلص من التبعية للأجنبي، ومن ذلك تحرير الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها فلسطين.
والذين هتفوا لفلسطين في القاهرة وبنغازي وتونس لم يكونوا يجترون شعارات فقط، بل كانوا يعبرون عن أشواقهم حيال هذا الجزء العزيز من الوطن العربي، ومن تابع الملايين التي خرجت تنتصر لغزة أثناء العدوان الإسرائيلي عليها يدرك ذلك تمام الإدراك.
ثم إن الانحياز للرؤية الإسلامية لا يتعلق أيضا بالجانب الاقتصادي، بل بالجانب الروحي، حيث تعتقد الجماهير أن الإسلام هو المعبر عن هويتها وأشواقها في الحرية والتحرر والبناء الاجتماعي المتين والمستقر، بل إن أكثر التأييد الذي تحظى به الحركات الإسلامية كان وما زال يأتي من الطبقة الوسطى، بينما عزف الفقراء عن السياسة يأسا من مخرجاتها.
من هنا، فإن نتنياهو يطارد المستحيل إذ يعتقد أن بوسعه عبر صندوق "مارشال" الذي يتحدث عنه أن يوقف مد الثورات، ومعها المد الثوري الحقيقي الذي يهدد كيانه، وسيكتشف أنه كلما كانت الحكومات أكثر تعبيرا عن شعوبها، كان عليها أن تكون أكثر قربا من ضميره في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وضميره لا يقبل التسوية بصيغتها التقليدية التي تعبر عنها قرارات ما يسمى الشرعية الدولية، فضلا عن أن يقبل بصيغ أكثر سوءا كالتي يطرحها هو بين حين وآخر.
لقد آن الأوان لكي يعترف نتنياهو وقادة دولته المحتلة أن زمنهم آخذ في الأفول، تماما كما هو حال زمن النخب الحاكمة التي وفرت له سياج الحماية طيلة عقود، ولن يطول الوقت حتى يجد نفسه أمام الحقيقة المرة التي قد يعترف بها قلة في كيانه، وخلاصتها أن هذه الدولة التي وجدت بدعم الغرب، وحافظت على وجودها بدعمه أيضا، ليس لها مكان وسط هذا المحيط العربي الرافض لوجودها بالمطلق، وليس فقط بالصيغة التي تطرحها قرارات الشرعية الدولية.
والنتيجة أن المبادرة العربية لن تكون السقف الذي تتبناه الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، بل إنهاء المشروع الصهيوني برمته.
حينما تتغير الأوضاع في الساحة الفلسطينية وتندلع الانتفاضة في الضفة الغربية، سيرى نتنياهو كيف تتنفس الجماهير الفلسطينية هواء الملايين الذين سيمنحونها كل الدعم، وبكل الأشكال، وسيدرك أنه لن يكون بوسعه أن يقتل الفلسطينيين بالرصاص الحي دون ثمن.
سيرى أن جماهير الشتات الفلسطيني ستدخل المعركة وستتدفق نحو الحدود في دعم مباشر لإخوتها في الداخل، وسيكون إلى جانبها الملايين من أبناء الشعوب العربية الذين لن يبخلوا بالمشاركة المباشرة وغير المباشرة.
ليست هذه مجرد أحلام نبيعها على أبناء شعبنا في الداخل والخارج، وعلى جماهير الأمة، بل هي الحقيقة التي تطل من نوافذ الثورات العربية، وهي الهتاف الذي سيسمعه نتنياهو يتردد في سائر العواصم العربية، سواءً تغير وضعها بالكامل، أم اكتفى الناس فيها بإصلاحات ذات مضمون حقيقي يجعل النظام السياسي معبرا عن أشواقها في الحرية والتحرر والكرامة.
صندوق نتنياهو المقترح، ومهما بلغت الأموال التي ستضخ فيه لن يشتري سكوت الشارع العربي على استمرار الاحتلال، فضلا عن أن يشتري سكوته على قمع الشعب الفلسطيني.
أما الحركات الإسلامية فستكون في طليعة القيادة للأمة في مهمة البحث عن الحرية والتحرير، ولن يصلح الدواء الذي يقترح نتنياهو لمواجهتها بأي حال، حتى لو تحول الصندوق العتيد إلى واقع عملي، فضلا عن أن يبقى مجرد كلام في الهواء.
مرة أخرى، نحن لا نحلم، فلو قلنا هذا الكلام قبل ثورة ميدان التحرير، وقبلها ثورة تونس، لكان من حق أي أحد أن يتهمنا ببيع الأحلام، لكننا اليوم نحس النصر يقترب حثيثا منا. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
المصدر: موقع الجزيرة/وجهات نظر
2011-04-02