ارشيف من :آراء وتحليلات
مسلمو فرنسا... كبش المحرقة الانتخابية
قبل عام بادر حزب الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، "الاتحاد من أجل حركة شعبية" إلى إطلاق نقاش حول الهوية الوطنية الفرنسية، ثم بادر الآن إلى إطلاق نقاش آخر، في الخامس من نيسان / أبريل الجاري، حول العلمانية في فرنسا.
ودون صعوبة فهم الجميع أن المقصود بالنقاشين هو الإسلام في فرنسا ـ نظراً لما يثيره أو يثار حوله من مشكلات تشغل بال قسم من الفرنسيين ـ وفي العالم، لأن الإسلام في فرنسا هو، بطبيعة الحال، جزء من إسلام حاضر في قلب الحدث العالمي.
ويمكن، دون صعوبة أيضاً، تلخيص الهواجس أو الأغراض الكامنة وراء إطلاق النقاشين، بسؤال مباشر واحد هو: ماذا نفعل بالمسلمين في فرنسا، وهو سؤال قابل للتعميم على ضوء الحروب العسكرية، وغيرها من أشكال الحروب التي يشنها الغرب على الإسلام كدين، وعلى المسلمين كجماعات بشرية، أو كأمة يعيش أفرادها، في منطقة هي، إذا ما اقتصرنا على الجغرافيا... قلب العالم ومركزه، بينما الآخرون "أطراف".
لكن مركزيتها، وهذا ما يغري بـ "غزوها" كجواب يفرض نفسه عن السؤال "ماذا نفعل بالمسلمين"، منتهكة، بكون أحد أهم مراكزها، فلسطين، ومركزها المتمثل بالقدس، منتهك بالصورة التي تكرر نفسها منذ ما قبل عام 1948، بينما مراكزها الأخرى، ومنها المراكز الأكثر أهمية، منتهكة من قبل أنظمة أهم ما يميزها هو، رغم شرعيتها المستمدة من إسلام أفرغوه من روحه ومن مضامينه، بُعدها عن الإسلام إذا لم نقل عداؤها الأصيل للإسلام..
وإذا كان هذا الانتهاك هو ما يغري بغزو بلاد المسلمين، فإن ما يغري باضطهاد المسلمين في فرنسا وغيرها من بلدان الغرب هو كونهم من المستضعفين الذين لا ينتطح فيهم عنزان عندما تقتضي السياسات الغربية الداخلية استخدامهم ككبش محرقة، والذين لا وجود لهم على أجندات زعماء البلدان التي سيبتهم وتركتهم لمصيرهم وسط تقطع السبل بهم.
وبالطبع فإن هذا ليس شأن أولئك المسلمين الذين يهاجرون إلى الغرب حاملين معهم ما انتهبوه من ثروات بقصد التنعم بما في الغرب من تقديمات. فهؤلاء غالباً ما يندمجون وينصهرون كأحسن ما يكون الاندماج والانصهار، ويتحولون إلى مواطنين صالحين يصل بهم الصلاح إلى حد المشاركة الفعالة في حروب الغرب على الإسلام تحت ستار ما يسمى بمحاربة الإرهاب أو التطرف الإسلامي.
هوية وطنية وعلمانية يثير النقاش حولهما رئيس فرنسي مستعد للتفريط بأكثر منهما في ظل جنون الخوف من أن تخرجه الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد عام مدحوراً من الإليزيه. والخوف أكثر من مبرر: قد لا يتجاوز ساركوزي حدود الدورة الأولى، في ظل توقعات رصينة بأن مارين لوبين، ابنة زعيم الجبهة القومية، جان ماري لوبن، هي التي ستنافس المرشح الذي سيختاره الاشتراكيون.
الجبهة القومية التي استمدت قوّتها بشكل أساسي من العداء للمهاجرين (أكثرهم من المسلمين) أضافت مؤخراً مزيداً من القوة إلى قوتها عندما خففت من لهجتها المعادية لليهود وركزت عداءها على المسلمين. فما كان من حزب ساركوزي المطمئن أساساً إلى قوة حظوته بين اليهود، إلا أن يحذو حذو لوبين في تركيز دعايته الانتخابية على التخويف من الإسلام والمسلمين كوسيلة ممتازة للخروج من دائرة الضعف.
مناورة فطن إليها خصومه الاشتراكيون فسارع أبرز الطامحين من قادتهم إلى تبوُّؤ مقعد الرئاسة (مارتين أوبري، لوران غابيوس) إلى التوقيع على عريضة تدعو إلى النقاش الذي أطلقه ساركوزي حول العلمانية، معتبرين أن هذا النقاش هو مسعى لمنافسة لوبين في التخويف من المسلمين.
لكن مبادرة الاشتراكيين هذه انقلبت إلى فخ وقعوا فيه عندما سارع حزب ساركوزي إلى التشنيع عليهم لأنهم وضعوا أسماءهم على عريضة كان طارق رمضان أحد الموقعين عليها. وطارق رمضان، كما هو معروف، مواطن سويسري وحفيد حسن البنا ووجه بارز من وجوه إسلام يسعى إلى أن يكون أوروبياً عبر اجتهادات تتنازل عن الكثير مما لا يجوز الاجتهاد فيه.
ومع هذا، وبالرغم من كون هذا الإسلام هو عين الإسلام الذي يريده ساركوزي "لفرنسا، لا في فرنسا"، فقد اصاب حزب ساركوزي عصفورين بحجر واحد عندما أعلن عداءه له، وأحرج الاشتراكيين عندما اتهمهم بما يشبه الخيانة العظمى لأنهم وقعوا عريضة كان رمضان أحد الموقعين عليها.
وشكل ذلك أول هزيمة يمنى بها الاشتراكيون في المعركة الانتخابية: قام كل من فابيوس وأوبري، بكل "شجاعة" بسحب توقيعهما عن العريضة، ما يعني أن الأحزاب الثلاثة المتنافسة على رئاسة فرنسا قد اتحدت كلمتها على استخدام المسلمين ككبش محرقة في معركتهم الانتخابية.
وعلى ذكر "المحرقة" التي أقر رمضان بأن هتلر قد اقترفها بحق اليهود، مخالفاً بذلك منكريها من كبار المؤرخين الفرنسيين والغربيين، قام بعض المسلمين الذين يشكلون وجوهاً بارزة للإسلام الفرنسي باجتراح مبادرة من الأكيد أن تخدم الدعاية الصهيونية وتلحق الضرر الكبير بالمسلمين تحت غطاء الدفاع عنهم.
فقد وجهوا دعوة إلى المسلمين طلبوا إليهم فيها بأن يضعوا نجمة "خضراء" على صدورهم كتعبير عن الاحتجاج على ما يدعو إليه ساركوزي من نقاشات. أهم ما في هذه النجمة أنها تذكر بالنجمة "الصفراء" التي كانت توضع على صدور اليهود في ظل النازية... لصب النار على الزيت الذي صب على كبش المحرقة... وليتوحد المشهد العالمي في العمل على تكريس المسلمين كضحية راضية بوضعها كضحية.