ارشيف من :آراء وتحليلات

الحريري: حماية الملكيّة في الخليج بتفجير الديموقراطية في لبنان

الحريري: حماية الملكيّة في الخليج بتفجير الديموقراطية في لبنان
حسين حمية
قبل التوقف عند ما أسماه الرئيس سعد الدين الحريري بالتدخل الإيراني السافر في الداخل العربي، لا ضرر من طرح أسئلة سريعة لتقصي ملامح هذا المجهول، أو هذا الداخل العربي الذي يتحدث عنه الحريري، فهل هو "الداخل" الذي يقيم فيه بالغصب والقهر والاحتلال أكثر من ستة ملايين مستوطن إسرائيلي على أرض فلسطين، أم "الداخل" الذي يخاف عليه الحريري هو ذاك الذي يحتفظ فيه العدو في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أو هو الجولان الذي ضمه العدو رغما عن الأمم المتحدة والقوانين الدولية، أم هو "الداخل" الذي يستودع فيه الأميركي عشرات الألوف من جنوده في العراق، أم هو أيضا "الداخل" الذي تحول قواعد عسكرية أميركية في البحرين وقطر، ومسرحا للموساد في دولة الإمارات يصطاد فيه المقاومين والمناضلين؟

أم أنه "الداخل" الذي يستضيف اليوم قوات حلف الأطلسي على وليمة دموية كبرى لتسوية الأزمة الليبية، أو هو "الداخل" الذي اقتطعت منه واشنطن منذ أشهر قليلة في السودان 700 ألف كيلومتر مربع فقط لتضمها إلى الداخل الإفريقي، أم ذاك "الداخل" في سيناء والقابع تحت سيادة مشروطة بشروط إسرائيلية تمنع على الجيش المصري دخوله، أو ذاك "الداخل" في الكويت حيث حمايته في عهدة القوات الأجنبية، أو "الداخل" الذي أباحه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح للقصف الأميركي بحجة الحرب على الإرهاب؟

أي داخل عربي هذا الذي يخاف عليه الحريري من التدخل الإيراني؟ هل هو "الداخل" الذي باتت كل ثرواته من نفط وغاز في المصارف الغربية، أم هو "الداخل" الذي يستثمر في كل بقاع الأرض كنوزه الخرافية في حين يترك أبناءه (أو أصحابه) فريسة البطالة والفقر والهجرة، أو أنه "الداخل" الذي يديره سفير واشنطن كما في بيروت، حيث يشارك في تسمية الرؤساء والوزراء وصياغة البيان الوزاري والمشاركة في الاستشارات الملزمة واختيار قوانين الانتخاب وتشكيل اللوائح الانتخابية وخوض الانتخابات الفرعية؟

هل هذا هو "داخل" عربي، حتى يخاف عليه الحريري من التدخل الإيراني؟ الجواب: هذا حيز سائب، فكما هو مشرع أمام الأميركي والإسرائيلي والأوروبي والصيني والروسي، فمن الطبيعي أن يستجر إلى التدخل الإيراني والتركي والهندي وغيرهم ممن يمتلك الأهلية لملء الفراغات السياسية والامنية والاقتصادية في أي مكان من العالم.

لكن، من الإنصاف القول، أن إيران لم تتدخل في الثورة التونسية كما حاول فيلتمان تعويم بعض رموز نظام زين العابدين بن علي في النظام الجديد، كما أنها لم تتدخل في الثورة المصرية كما فعلت واشنطن لتثبيت الالتزامات المصرية بموجب معاهدة كامب ديفيد لمصلحة العدو، كما أنها لم تنقض على منجزات هذه الثورة بافتعال صراعات مذهبية وطائفية ودفع التكفيريين إلى تفجير الكنائس ونسف قبور ومراقد الأولياء في أكثر من مكان في مصر، كما أنها لم تستدرج الثورة الليبية إلى الانقسام الأهلي والقبلي لتستثمر على هذا الانقسام دول الأطلسي لنهب النفط الليبي باسم حماية الثورة، وكذلك لم تتلاعب بمطالب المحتجين في اليمن للوصول إلى تسوية بين طرفي الأزمة تضمن مصالحها كما يسعى محور واشنطن الرياض.

"التدخل" الإيراني هو على رؤوس الأشهاد، يدعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ومتحالف مع سوريا، وهذا "التدخل" يصب في مجرى تحرير المنطقة من الهيمنة الغربية وإعادة الاعتبار إلى حصة أبنائها في ثرواتهم التي تتناوب أجيال المستعمرين والغزاة على نهبها وسرقتها.

وبأي حال، لا تخفى الدوافع الحقيقية من افتعال الحريري لما يسميه التدخل الإيراني، فحساسية الحريري تجاه التدخل الخارجي تكاد معدومة ولا تثير فيه أي نعرة وطنية أو قومية، وبالعكس تكشف وثائق "ويكيليكس" أن لديه قابلية منفتحة إلى أقصى الحدود لمثل هذه التدخلات، ولو كلفه ذلك مع حلفائه في 14 آذار الاستعانة بالأميركيين واستعطافهم لاستدخال العدو بآلته الحربية الضخمة وشن عدوان مدمر على لبنان من أجل تعديل التوازنات مع الأخصام السياسيين.

واضح أن توقيت إثارة التدخل الإيراني من قبل الحريري، جاء تلبية لحاجات أنظمة خليجية ليس لديها القدرة على مواجهة استحقاقات أمام مجتمعاتها، وترفض نزول عند إرادة شعوبها المطالبة بالإصلاح والتغيير، لذا لجأت هذه الأنظمة إلى لعبة قديمة ومستهلكة للخروج من مأزقها، وهي اصطناع عداوة مع طرف معين (إيران حاليا) ووصم المحتجين أو المنتفضين ضدها بالعملاء لهذا العدو بشبهة الانتماء المذهبي...قد تكون هذه اللعبة مفيدة لوقت في الخليج، لكنها بالتأكيد مدمرة في كل وقت في لبنان، فهل يرعوي الحريري عن خدماته الخليجية؟
2011-04-08