ارشيف من :خاص
أم الفضائح: حساسية عربية تجاه التدخل في الشؤون العربية !!!
إيران الشاهنشاهية لم يصفها أدعياء العروبة بـ"الفارسية" و"المجوسية" و"الصفوية" و"الرافضية" لأنها شريكتهم في العمالة للغرب وللكيان الصهيوني
عقيل الشيخ حسين
مسؤولون كبار، أميركيون وفرنسيون وبريطانيون، ومن الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي والأمم المتحدة غير المحايدة، قاموا خلال الأسابيع الأخيرة بزيارات لبلدان عربية كمصر وتونس. وزير الحرب الأميركي، روبرت غيتس وحده زار المنطقة ثلاث مرات في أقل من شهر. وكل هذه الزيارات ليست بقصد السياحة والاستجمام.
هذا بالنسبة للتحركات "الميدانية". أما بالنسبة للتصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في الدول والمنظمات الغربية المذكورة بخصوص تطور الأوضاع في المنطقة، فهي تعد بالمئات. وكلها تعبر عن مواقف مؤيدة لهذا أو رافضة أو مهددة لهذا الطرف أو ذاك.
ومنها تصريح، بين تصريحات، استنكر القصف الذي تتعرض له "إسرائيل" بالصواريخ التي تنطلق من غزة... في وقت لا يمر فيه يوم دون أن يسقط في غزة أو في الضفة عدد من الشهداء بفعل القصف والعنف الإسرائيلي.
وفيما يتعدى الزيارات المعلنة، والزيارات غير المعلنة، والجلسات المغلقة، والاتصالات المباشرة أو غير المباشرة، هنالك جيوش وأساطيل جوية وبحرية وبرية غربية بين أميركية وأوروبية وأطلسية تسرح وتمرح في أكثر من بلد عربي قصفاً وضرباً وقتلاً وتدميراً.
وكل ذلك، إضافة إلى وجود الكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية، يمر عليه أدعياء العروبة مرور الكرام، ولا يعتبرونه تدخلاً في شؤون البلدان العربية.
وعندما اجتاحت جيوش مجلس التعاون الخليجي البحرين، لم يكن ذلك تدخلاً في شؤون ذلك البلد، بالنظر إلى الاتفاقيات والمعاهدات التي تربط بين بلدان مجلس التعاون، وخصوصاً بالنظر إلى علاقات "الأخوة" العربية. تلك الأخوة التي لا حظ فيها للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال منذ ما ينيف على ستين عاماً.
وعندما جاء هذا الاجتياح بعد يوم واحد من مرور روبرت غيتس على السعودية والبحرين، أي نتيجة لإيعاز من غيتس، على ما لا يخفى على أحد، لم يعتبروا أن هذا الإيعاز تدخل أميركي في الشؤون العربية.
روبرت غيتس قال خلال زيارته الأخيرة قبل يومين إلى السعودية بأن إيران تثير الاضطرابات والفوضى في البلدان العربية.
وأعضاء مجلس التعاون الخليجي قالوا في اجتماعهم الأخير عين ما قاله غيتس : إيران تثير الاضطرابات والفوضى في البلدان العربية.
وهنا وهناك، قفز أكثر من واحد من أدعياء العروبة ليقولوا بأن إيران تثير الاضطرابات والفوضى في البلدان العربية.
وليثبتوا للمرة المليار أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وصنيعتهم "إسرائيل" وأدعياء العروبة هم جبهة واحدة، بل أمة واحدة، في اجتماع الكلمة على الكيد لإيران الثورة الإسلامية، وعلى إثارة كل ما يمكن إثارته من فتن واضطرابات وفوضى يخالون أنها قد تحد من قوة انطلاقة هذه الثورة وإشعاعها التحرري في المنطقة وغير المنطقة.
وكل هذا في وقت يعلم فيه الجميع بأن الجهة الوحيدة في العالم التي تعتمد صراحة سياسة نشر الفوضى المسماة بالخلاقة في المنطقة العربية وغير المنطقة العربية هي الولايات المتحدة وحلفاؤها. بينما إيران لم تفعل غير إعلان التاييد لثورة الشعب البحريني أسوة بتاييدها لثورات الشعوب العربية المطالبة بحقوقها المنتهكة من قبل الأنظمة التي تدعي العروبة، وفي جملتها الشعب الفلسطيني بحقوقه المنتهكة من قبل الصهاينة والمتواطئين معهم من أدعياء العروبة.
وحتى عندما حاول هؤلاء تبرير اتهاماتهم لإيران بدعوى الأنشطة التجسسية، عادوا وسحبوا هذه الدعوى لأنهم لا يمتلكون أدلة على صحتها.
فرض العقوبات وتوجيه التهديدات وتسعير الأحقاد وشن الحروب على إيران الثورة الإسلامية، كل ذلك كان مشهوداًً قبل أحداث البحرين وقبل الثورات العربية الراهنة التي وجهوا سهامهم إليها منذ البداية عبر اتهام إيران أو الإخوان المسلمين بالوقوف وراءها.
وكل ذلك ذر بقرنه منذ لحظة انتصار الثورة الإسلامية في إيران. لا لشيء إلا لأنها أخرجت إيران الشاهنشاهية التي لم يكن أحد من أدعياء العروبة يصفها بالفارسية والمجوسية والصفوية والرافضية يوم كان نظامها الشاهنشاهي يقف معهم في صف العمالة للغرب وللكيان الصهيوني، وفي صف تخريب البلاد وإذلال العباد.
شدد روبرت غيتس خلال زيارته الأخيرة للسعودية على أنه سيناقش مع مسؤوليها أموراً كالشأن اليمني وما أسماه بالتدخل الإيراني في الشؤون العربية، وبأنه لن يتطرق إلى الشأن السعودي الداخلي. ما يعني أنه ـ خلافاً للتأييد الأميركي الكاذب لحقوق الشعوب العربية الثائرة ـ لن يعلن التأييد لحقوق الشعب العربي في شبه جزيرة العرب، وبأن موقف بلاده هو موقف التأييد للأنظمة كما هو الشأن مع النظام الحاكم في البحرين.
والواضح، في ظل الحيرة والتخبط اللذين تعيشها الإدارة الأميركية في التعامل مع الثورات العربية، وفي الوقت الذي رسا فيه الموقف الأميركي على العمل من أجل كبح هذه الثورات عن طريق استراتيجيات كتلك التي تعتمدها واشنطن في ليبيا، أن الأميركيين يعملون الآن على كبح هذه الثورات عن طريق افتعال وضع يظنون أنه منتج للفوضى الخلاقة عن طريق الإيعاز لبلدان الخليج بفتح حرب على إيران.
مع علمهم المسبق بأن مثل هذه الحرب لن تفضي إلا لنتائج مشابهة للحرب التي شنها صدام حسين وقادته إلى حتفه ودمار بلده.
وإذا كان روبرت غيتس قد بحث في التعاون العسكري بين بلاده وبين السعودية، فإنه فعل ذلك في الوقت الذي تخلت فيه بلاده عن التعاون العسكري مع المعارضة الليبية، بعد أن كانت قد أشاعت الانطباع بأنها ستتعاون معها حتى النهاية في حربها ضد نظام القذافي.
أن أهم ما يميز السياسات الأميركية الخارجية هو سرعتها الفائقة في التخلي عن حلفائها وخدام استراتيجياتها عند أقل انتكاسة. لكن يبدو، على كثرة الأمثولات والعبر، أن الذين يشحذون سيوفهم في الخليج وغير الخليج على إيران، مصرون، بدلاً من الاعتبار، على أن يكونوا عبرة لمن يعتبر.