ارشيف من :آراء وتحليلات
الناتو والحلفاء العرب في الحرب الليبية: تكاثر الشبهات!
عقيل الشيخ حسين
بعد ثلاثة أسابيع طويلة من تدخل حلف الناتو في الحرب الليبية بقدرات عسكرية ضخمة وأكثر من كافية ـ حتى في ظل الاقتصار على الحظر الجوي وحماية
المدنيين ـ لشل قدرات كتائب القذافي وتمكين الثوار من الوصول إلى طرابلس، ظهر العقيد القذافي على شاشات التلفزة بزيه التقليدي ونظارته السوداء وابتساماته العريضة وهو يجول على بعض المدارس بثقة واطمئنان نافرين جداً في ظروف الحرب التي تستعر في ليبيا فهو يبدو غير عابئ بتصريحات الساسة الغربيين عن سقوطه الوشيك، أو تلك التي تطلب منه التنحي والرحيل عن ليبيا... أو كأنه يسمعها ويفسرها وفق شيفرة تأخذ فيها تلك التصريحات معنى غير معناها الظاهر.
وإلا، فما الذي يفسر، في ما يتجاوز اطمئنان القذافي، استمرار قواته بقصف المدن المحاصرة في الغرب الليبي، من جهة، وعودتها إلى التقدم السريع نحو
بنغازي، معقل الثوار في الشرق من جهة أخرى؟
وإذا ما أدخلنا في الحساب القصف المتكرر لقوات الثوار بنيران الناتو "الصديقة"، يصبح القول ممكناً، في الوقت الذي تشير فيه دلائل كثيرة على استمرار تدفق المرتزقة والأعتدة والوقود على طرابلس مروراً بموانئ غربية، بأن الناتو لا يتساهل مع قوات القذافي وحسب، بل إنه يساعدها عبر توجيه هذه الضربات إلى قوات الثوار.
فدعاوى القصف عن طريق الخطأ لا تصمد أمام المساءلة البسيطة. فهم يقولون مرة بأن طياري الناتو "ظنوا" بأن القوات التي وجهوا إليها ضرباتهم تابعة
للقذافي... كما ولو أن "الظن"، لا التقنيات العالية التي يستخدمونها ولا المعلومات الاستخبارية التي تزودهم بها طائرات الأواكس والأقمار الصناعية، هو ما
يعتمدون عليه في تحديد الأهداف.
ويقولون مرة بأن قوات القذافي تحتمي بالمدنيين. وهذا قد يكون صحيحاً في الحالات التي تتحرك فيها هذه القوات داخل المدن. لكنه لا يمكن أن يكون صحيحاً في الحالات التي تعمد فيها تلك القوات إلى قصف المدن، عن بعد، بالصواريخ والمدفعية الثقيلة، الأمر الذي أشار إليه بعض قادة الثوار. ويقولون مرة بأن الطيارين لم يشاهدوا اللون الأصفر الذي يطلي به الثوار سطوح مركباتهم بناءً على اتفاق مع الناتو لتمييزها عن آليات القذافي، لأن الأعلام التي يرفعها الثوار فوق آلياتهم تحجب ذلك الطلاء كلياً أو جزئياً. وتلك أيضاً حجة واهية لأن أولئك الطيارين يمكنهم أن يميزوا بسهولة بين ألوان أعلام الثوار وألوان أعلام قوات القذافي.
المهم أن هذه الأعذار لم تنطل على الليبيين الذين خرجوا في مسيرات احتجاج غاضبة في المدن الشرقية استنكاراً لممارسات الناتو هذه. وهدد المجلس الانتقالي برفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
وعلى افتراض صحة دعوى القصف عن طريق الخطأ، فكيف يمكن تفسير تباطؤ الناتو في التدخل الميداني لوقف تقدم قوات القذافي بحجة من نوع أن القرار
بالتدخل لا يمكن اتخاذه إلا بعد ثماني ساعات يستغرقها انتقال المعلومة من الميدان إلى مركز اتخاذ القرار! كما ولو أن نقل المعلومة يتم عن طريق سعاة البريد أو الحمام الزاجل!
وكيف يمكن تفسير امتناع دول الناتو عن تزويد الثوار بالسلاح، وانسحاب الأميركيين من المعركة، وسط أنباء تتحدث عن اتصالات تجري بينهم وبين العقيد
القذافي، بعد تأكيدات أميركية متواترة بأن التدخل لا يهدف إلى إبعاد القذافي؟ وهل يعني عدم إبعاده، وفقاً لرغبة الأميركيين، شيئاً آخر غير إبقائه؟
فرضية تقسيم ليبيا التي يقول بها العديد من المراقبين تقود إلى القول بأن الأميركيين يسعون إلى إبقاء القذافي حاكماً على جزء من ليبيا. لكن مراقبين آخرين
يتساءلون حول ما إذا لم يكن الأميركيون راغبين، لا في التقسيم، بل في إبقاء القذافي حاكما على كامل ليبيا.
خياران كلاهما مُرّ بالنسبة لليبيا وللجماهير العربية التواقة إلى التحرر في بلدان غير ليبيا، من تلك التي يعمّر فيها الفساد ويستفحل فيها الخراب بفعل الارتصاف خلف المحور الأميركي ـ الصهيوني.
ففي الحالتين، يكون الأميركيون وحلفاؤهم العرب المشاركون في التدخل إلى جانب الناتو راغبين في القضاء على الثورة الليبية. ربما لعدم ثقتهم ببعض الأطراف المشاركة فيها، وبالتأكيد لأن إفشال هذه الثورة يعني ما يعنيه على مستوى كبح الحراك الثوري في البلدان العربية ذات الارتباط الوثيق بالسياسة الأميركية.
من الواضح حتى الآن، وفي الوقت الذي تظهر فيها المبادرات تلو المبادرات للبحث عن حل سياسي للمشكلة الليبية، أن الثورة في ليبيا قد خدعت من قبل الغرب ومن قبل العرب المشاركين في الحرب الليبية، وبالطبع من قبل القنوات التلفزيونية التي لا يمكن لموقفها الداعم ظاهرياً للثورة الليبية إلا أن يكون منسجماً مع موقفها المعادي، سراً وعلناً لثورة الشعب البحريني.
وإذا كان بعض المخدوعين من الثوار قد بلغت بهم سلامة الطوية حدّ رفع الأعلام الفرنسية والبريطانية والأميركية فوق رأس الثورة الليبية، وإذا كان العقيد
القذافي قد سعى إلى استعداء الغرب على شعبه، فإن الرهان على الغرب الذي بات من الواضح أنه يعتمد استراتيجية "عادلة" في توزيع ضرباته على الطرفين المتصارعين في ليبيا، بقصد إضعافها وتدميرها والسيطرة عليها، يتطلب مراجعة من النوع الذي يتطلب من الطرفين المتصارعين رهاناً مشتركاً على ليبيا... بعيداً عن وسطاء السوء الذين يسنون سكاكينهم لتقطيع أوصال بلدهم.