ارشيف من :آراء وتحليلات
استهداف الثورات العربية: ليبيا مدخلاً!.
لؤي توفيق حسن(*)
من الإستطراد المفيد هنا الإشارة الى أن السعي التركي يستند على اسباب موضوعية: إنهيار النظام العربي، وتحرج امريكا من استخدام (الوسيلة الإسرائيلية) كون هذه الأخيرة ممجوجةً من قبل الشعوب العربية والإسلامية عل حد سواء!.
كل المؤشرات تدل أنه حتى الآن لم يتبلور في واشنطن بعد تصور نهائي للغد الليبي. كل ما في الأمر انها تحاول الاحاطة بالازمة. في مسعى لإدارتها بوصفها داهمة عليها، ومن (خارج توقعاتها). تماماً كما كان حالها حيال ثورتي تونس ومصر. ومن يظن عكس هذا فهو مشتبه، او تتلبسه عقدة (السوبرمان الاميركي) القادر والعارف!.
أما تدخل "الناتو" بداعي "حماية المدنيين" فقد ظهر زيفه في هذا التوطؤ الأطلسي المكشوف الذي أدى الى قتل المئات من الليبييين وتشريد عشرات الآلاف جراء تعرض مدنهم للقصف من كتائب القذافي. فيما بانت أغراضه من التعبير المدروس جداً لرئيس اركان القوات الأميركية في أفريقيا بقوله: "ان الحسم العسكري في ليبيا أمر صعب". ما يؤكد أكثر بأن التدخل الأمريكي ـ (بواجهة أطلسية) ـ قد جاء لتوفير حضور لها في ليبيا يتيح دخولها الى المسرح للإمساك بدفة الأحداث وتوجيهها. وهذا لا يناسبه إلا ترك الأزمة الليبية معلقةً فوق نارٍ ملتهبة. لهذا نرى أنه عندما ينكفىء الثوار يتدخل الأطلسي (لنجدتهم!) بجرعة من القصف الجوي لإخراجهم من "الزنقة"!. وإذا ما تراجعت كتائب القذافي تراجع قصفها بالمقابل لتعود دبابتها ومدافعها تأخذ مداها من الحرية. هذا فضلاً عن غض النظر عن الإمدادات ترد مرفأ طرابلس حاملة المرتزقة والذخائر من شرق أوروبا!.
نزفٌ لهذا الطرف. واستنزافٌ لذاك. والغاية كلها انتشار شكل من اشكال الفوضى، تحضيراً للأرض لكل الإحتمالات، ومنها التقسيمية.
إن بواعث امريكا للإمساك بدفة الأحداث في ليبيا ليست معقودة بقدرٍ كبير على الإعتبارات النفطية كحال الاوروبيين. وانما بدرجةٍ اساسية للموقع الجيوسياسي لليبيا والذي اكتسب اهمية خاصة بعد بروز ثورتي مصر وتونس. حيث الخشية من أن يتشكل امتداد ثوري. مصر فليبيا وحتى تونس. قد يؤدي بحكم طبيعته الشعبية إلى قلب الكثير من الحسابات الأمريكية. وبالتلي فإن الإمساك بليبيا سيقطع هذا الإمتداد. بل سيشكل منصة تستهدف الثورة المصرية، وتحيطها بطوق من الأزمات تشغلها، يبدأ جنوباً في السودان وحتى ليبيا غرباً. وعلى هذه الخلفية جاء عنوانً مقالة سابقة لنا : "يا شباب الثورة المصرية، انقذوا ليبيا وثورتها".
إن القلق الحقيقي لأمريكا يأتي من الثورة المصرية بالذات المرشحة لإفراز نتائج وارتدادات تتناسب ووزن مصر في المنطقة. فهذا الحدث الثوري استولده حراك شعبي ديمقراطي، وهو يتصاعد بوتيرة عالية، ووفق بصيرة ورؤية واعية، ما يجعل من احتوائه في الداخل أمراً صعباً.
بناءً على ما سبق فإن السياسات المستقبلية المتوقعة لأكبر بلد عربي ستنبثق من إرادة رأيه العام. او على الأقل لا يمكنها تجاوزه. حالةٌ غير مسبوقة في تارخنا العربي. وهذا بالتواتر سيفضي الى سياسة تنسجم مع مصالح مصر، ودورها، وامنها. خلافاً لحالة التبعية للسياسات الأمريكية التي بلغت في عهد مبارك درجة الإنقياد بلا ضوابط.
لعل ما يشجعنا على هذا الإعتقاد تحرك مصر الأخير عبر الجامعة العربية للطلب من مجلس الأمن "فرض حظر جوي فوق قطاع غزة لحماية مدنييه". حركة ذكية فيها الكثير من الحنكة بقدر ما فيها من احراج للولايات المتحدة.
انطلاقاً مما سبق فإن أكثر ما تخشاه واشنطن هو في ان يخرج المارد المصري من قمقمه، لياخذ مكانته، ودوره التاريخي في استقطاب العرب وقيادتهم.. هذا ما تخشاه واشنطن وغيرها من حلفائها البعيد منهم او القريب على حدٍ سواء!!!. فعلينا ان لا ننسى بأن الذكريات (المريرة) لأمريكا مع مصر عبد الناصر ما زالت ماثلة في وعي مؤسسات القرار في واشنطن.
يظل شيء يحسن ان نختم به. وهو ان الولايات المتحدة التي تريد من الحالة الليبية الملتهبة ان تصبح سكيناً في خاصرة مصر وتونس. وان تجسد بها نموذجاً مشوهاً يحبط الجماهير العربية في أقطار أخرى، ومآله: (ان البقاء تحت نير الدكتاتوريات اقل كلفة من فوضى الثورات!!). أمريكا هذه فاتها بأن لسكينها حدين اثنين. إذ مع استحالة عودة عقارب الساعة الى الخلف في ليبيا فإن الحد الآخر من السكين سيصبح في خاصرة أوروبا فمع (الفوضى الليبية) التي تنشدها امريكا سيصبح من الممكن جداً ان تنقلب (المزحة!) المسماة: "القاعدة" الى حقيقة فوق الأرض الليبية. ما قد يحرم اوروبا الأمان، والنفط الليبي بالآن عينه!.
(*) كاتب من لبنان
(عندما تفكر ان تصطاد، تكون واقعاً في شباك الآخرين) ـ مثل اسباني
تسعى الولايات المتحدة للإمساك بخيوط الأزمة الليبية، وإنما مداورةً. الجانب العسكري عُهدةً بيد الأوروبيين. أما الشق السياسي فيبدو انه من نصيب تركيا، التي تتطلع الى استعادة حضورها في المنطقة العربية ـ حتى لا نقول( ولايتها) عليهاـ وذلك بإحتضانها داخل (جبتها الإسلامية!). يشدها الحنين الى الخوالي من سنينها العثمانية!. من الإستطراد المفيد هنا الإشارة الى أن السعي التركي يستند على اسباب موضوعية: إنهيار النظام العربي، وتحرج امريكا من استخدام (الوسيلة الإسرائيلية) كون هذه الأخيرة ممجوجةً من قبل الشعوب العربية والإسلامية عل حد سواء!.
كل المؤشرات تدل أنه حتى الآن لم يتبلور في واشنطن بعد تصور نهائي للغد الليبي. كل ما في الأمر انها تحاول الاحاطة بالازمة. في مسعى لإدارتها بوصفها داهمة عليها، ومن (خارج توقعاتها). تماماً كما كان حالها حيال ثورتي تونس ومصر. ومن يظن عكس هذا فهو مشتبه، او تتلبسه عقدة (السوبرمان الاميركي) القادر والعارف!.
أما تدخل "الناتو" بداعي "حماية المدنيين" فقد ظهر زيفه في هذا التوطؤ الأطلسي المكشوف الذي أدى الى قتل المئات من الليبييين وتشريد عشرات الآلاف جراء تعرض مدنهم للقصف من كتائب القذافي. فيما بانت أغراضه من التعبير المدروس جداً لرئيس اركان القوات الأميركية في أفريقيا بقوله: "ان الحسم العسكري في ليبيا أمر صعب". ما يؤكد أكثر بأن التدخل الأمريكي ـ (بواجهة أطلسية) ـ قد جاء لتوفير حضور لها في ليبيا يتيح دخولها الى المسرح للإمساك بدفة الأحداث وتوجيهها. وهذا لا يناسبه إلا ترك الأزمة الليبية معلقةً فوق نارٍ ملتهبة. لهذا نرى أنه عندما ينكفىء الثوار يتدخل الأطلسي (لنجدتهم!) بجرعة من القصف الجوي لإخراجهم من "الزنقة"!. وإذا ما تراجعت كتائب القذافي تراجع قصفها بالمقابل لتعود دبابتها ومدافعها تأخذ مداها من الحرية. هذا فضلاً عن غض النظر عن الإمدادات ترد مرفأ طرابلس حاملة المرتزقة والذخائر من شرق أوروبا!.
نزفٌ لهذا الطرف. واستنزافٌ لذاك. والغاية كلها انتشار شكل من اشكال الفوضى، تحضيراً للأرض لكل الإحتمالات، ومنها التقسيمية.
إن بواعث امريكا للإمساك بدفة الأحداث في ليبيا ليست معقودة بقدرٍ كبير على الإعتبارات النفطية كحال الاوروبيين. وانما بدرجةٍ اساسية للموقع الجيوسياسي لليبيا والذي اكتسب اهمية خاصة بعد بروز ثورتي مصر وتونس. حيث الخشية من أن يتشكل امتداد ثوري. مصر فليبيا وحتى تونس. قد يؤدي بحكم طبيعته الشعبية إلى قلب الكثير من الحسابات الأمريكية. وبالتلي فإن الإمساك بليبيا سيقطع هذا الإمتداد. بل سيشكل منصة تستهدف الثورة المصرية، وتحيطها بطوق من الأزمات تشغلها، يبدأ جنوباً في السودان وحتى ليبيا غرباً. وعلى هذه الخلفية جاء عنوانً مقالة سابقة لنا : "يا شباب الثورة المصرية، انقذوا ليبيا وثورتها".
إن القلق الحقيقي لأمريكا يأتي من الثورة المصرية بالذات المرشحة لإفراز نتائج وارتدادات تتناسب ووزن مصر في المنطقة. فهذا الحدث الثوري استولده حراك شعبي ديمقراطي، وهو يتصاعد بوتيرة عالية، ووفق بصيرة ورؤية واعية، ما يجعل من احتوائه في الداخل أمراً صعباً.
بناءً على ما سبق فإن السياسات المستقبلية المتوقعة لأكبر بلد عربي ستنبثق من إرادة رأيه العام. او على الأقل لا يمكنها تجاوزه. حالةٌ غير مسبوقة في تارخنا العربي. وهذا بالتواتر سيفضي الى سياسة تنسجم مع مصالح مصر، ودورها، وامنها. خلافاً لحالة التبعية للسياسات الأمريكية التي بلغت في عهد مبارك درجة الإنقياد بلا ضوابط.
لعل ما يشجعنا على هذا الإعتقاد تحرك مصر الأخير عبر الجامعة العربية للطلب من مجلس الأمن "فرض حظر جوي فوق قطاع غزة لحماية مدنييه". حركة ذكية فيها الكثير من الحنكة بقدر ما فيها من احراج للولايات المتحدة.
انطلاقاً مما سبق فإن أكثر ما تخشاه واشنطن هو في ان يخرج المارد المصري من قمقمه، لياخذ مكانته، ودوره التاريخي في استقطاب العرب وقيادتهم.. هذا ما تخشاه واشنطن وغيرها من حلفائها البعيد منهم او القريب على حدٍ سواء!!!. فعلينا ان لا ننسى بأن الذكريات (المريرة) لأمريكا مع مصر عبد الناصر ما زالت ماثلة في وعي مؤسسات القرار في واشنطن.
يظل شيء يحسن ان نختم به. وهو ان الولايات المتحدة التي تريد من الحالة الليبية الملتهبة ان تصبح سكيناً في خاصرة مصر وتونس. وان تجسد بها نموذجاً مشوهاً يحبط الجماهير العربية في أقطار أخرى، ومآله: (ان البقاء تحت نير الدكتاتوريات اقل كلفة من فوضى الثورات!!). أمريكا هذه فاتها بأن لسكينها حدين اثنين. إذ مع استحالة عودة عقارب الساعة الى الخلف في ليبيا فإن الحد الآخر من السكين سيصبح في خاصرة أوروبا فمع (الفوضى الليبية) التي تنشدها امريكا سيصبح من الممكن جداً ان تنقلب (المزحة!) المسماة: "القاعدة" الى حقيقة فوق الأرض الليبية. ما قد يحرم اوروبا الأمان، والنفط الليبي بالآن عينه!.
(*) كاتب من لبنان