ارشيف من :خاص

سعي أميركي لمحاكمة دمشق!

سعي أميركي لمحاكمة دمشق!
إعداد: علي شهاب
 
يدفع الخبير الأميركي بشؤون الدول العربية دايفيد شينكر باتجاه فتح موضوع مقاضاة سوريا على خلفية اتهامها بالمسؤولية عن مقتل جنود ومتعاقدين مع الاحتلال الأميركي في العراق، في مقالة بحثية نشرتها فصلية "الشرق الأوسط"، التي يديرها الكاتب المعروف بتطرفه وصداقاته الصهيونية دانيال بايبس.

اللافت في المقالة أنها تشير بوضوح الى رغبة اميركية في استثمار اعمال الشغب في سوريا بهدف ابتزاز دمشق وإبعادها عن محور ايران ـ حزب الله.
وهنا ترجمة المقالة:

"في أيلول/سبتمبر 2008، أصدرت "المحكمة الفيدرالية الأمريكية" في واشنطن حكماً مدنياً ضد حكومة سوريا قدره 413 مليون دولار لتقديمها الدعم والمساعدة المادية لقتَلَة اثنين من المقاولين الأمريكيين في العراق، ولا يزال الاستئناف الذي قدمته سوريا في حالة انتظار، ولكن إذا ما خسرت، فبلا شك ستسعى أُسر الضحايا إلى الحجز على الأصول السورية في الولايات المتحدة وخارجها.

وحتى الآن، فباستثناء العقوبات والتصنيفات المالية والعمل المباشر الدوري عبر الحدود، فرضت واشنطن تكلفة قليلة على دمشق لدعمها المتواصل للهجمات الإرهابية في العراق منذ حرب عام 2003. ورغم أنه من غير المرجح أن تؤدي التداعيات المالية لقرار المحكمة هذا إلى تغيير دعم دمشق الدائم للإرهاب، إلا أنها سوف تفرض ثمناً غير مسبوق على نظام بشار الأسد الذي يزداد استهتاره.
سوريا هي من نسَّق الشغب ضد الرسوم المسيئة للنبي محمد(ص)

"أفادت صحيفة "أفتنبوستن" النرويجية، مستشهدة ببرقيات دبلوماسية أمريكية نشرها موقع "ويكيليكس"، أن الحكومة السورية نشطت في تنظيم الشغب الذي تفجر عبر جميع أنحاء العالم العربي عام 2006، في أعقاب نشر الرسوم للنبي محمد (ص) المثيرة للجدل.
وفي الأصل، نُشرت الرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك المجاورة عام 2005. وقد نتج عن النشر قيام احتجاجات عنيفة، شملت هجمات على العديد من السفارات في دمشق في أوائل شباط/فبراير 2006. وكانت سفارات النرويج والدنمارك

والسويد من بين السفارات المستهدفة في تلك الهجمات.وثمة برقية دبلوماسية أمريكية نشرتها "أفتنبوستن" قالت إن رئيس الوزراء السوري قد "أبلغ المفتي الشيخ حسون قبل عدة أيام من المظاهرات أن يُصدر توجيهات قوية اللهجة للأئمة الذين يلقون خطب الجمعة في مساجد دمشق".وقالت البرقية، لقد انتهى الشغب "عندما شعرت سوريا بأنه "قد تم توصيل الرسالة" مُستشهدة بكلام شيخ سني تم حجب اسمه. وقد نتج عن الحادثة ترحيل الدبلوماسيين النرويجيين ومطالبات بالتعويض".


في كانون الأول/ديسمبر 2010، أفاد مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون عن حدوث زيادة في عدد المتمردين الذين يدخلون إلى العراق عبر سوريا.كانت تلك الحادثة الأخيرة فقط في سلسلة طويلة من الشكاوى الأمريكية حول تقديم سوريا الدعم للمتمردين العراقيين، وهو التطور الذي بدأ حتى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وبالفعل، ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تدفع بقواتها إلى المنطقة عام 2003 استعداداً لحرب خاطفة على بغداد، كانت دمشق تنشر قوتها المضادة لمحاربة الأمريكيين.

وفي الأشهر التي سبقت الغزو، سمح نظام الأسد بإنشاء مكتب عبر الشارع الذي توجد فيه السفارة الأمريكية في دمشق حيث يمكن للمتمردين الطامحين الالتحاق وركوب حافلة إلى بغداد للحصول على الفرصة لصد الغزاة. ورغم كون دعم دمشق وتشجيعها صريحاً وبلا خجل، لم تأت هذه الخطوة كمفاجأة كبيرة لأعداء واشنطن في العراق. فمنذ البداية لم تُخف سوريا نيتها في تقويض الغزو الأمريكي. فبعد أيام فقط من بداية العمليات العسكرية على سبيل المثال، أعلن وزير خارجية سوريا آنذاك فاروق الشرع على الملأ أن: "مصلحة سـوريا هي أن ترى هزيمة الغزاة في العراق.

لقد كانت هزيمة المشروع الأمريكي في العراق من مصلحة دمشق، وشاركتها فيها طهران إلى درجة أنه عشية الغزو، وفقاً لنائب الرئيس السوري في ذلك الحين عبد الحليم خدام، عقدت هاتان الدولتان اتفاقية لتشجيع " المقاومة" ضد القوات الأمريكية في العراق.

إشكالية فرض عقوبات
إن سوريا هي فقط آخر دولة تمت مساءلتها في محاكم أمريكية لدورها في قتل أمريكيين.وكما هو الحال مع إيران فإن انتزاع أصولٍ من سوريا للوفاء بالتعويضات لأسر الاميركيين المقتولين سوف يثبت أيضاً بأنه يشكل تحدياً. فلدى دمشق أصول قليلة نسبياً في الولايات المتحدة، كما لا يمكن التصرف بممتلكاتها الدبلوماسية.

وفي حين ما يزال التعويض فرضية بعيدة، إلا أنه ما دامت تلك الأحكام في قيد الانتظار، كما في حالة إيران، فإنه ربما سيكون من الصعب على دمشق بصورة متزايدة القيام بأعمال تجارية في أوروبا.

وعلى أية حال، من الواضح بصورة متزايدة أنه بسبب مساهمة نظام الأسد في مقتل الكثير من الأمريكيين في العراق وغيره من الدول في المنطقة، فمن المؤكد أن تولّد هذه الدعوى القانونية عشرات غيرها.

تداعيات سياسية

يمثل الحكم المدني بمبلغ 413 مليون دولار [التطور] الأخير في سلسلة متنامية من المُهيِّجات في العلاقة الأمريكية السورية. فمنذ عام 1979، عندما أُدرجت سوريا كعضو افتتاحي في قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، لم تكن العلاقات الأمريكية مع دمشق طيبة قط. ومع ذلك، ورغم لقب المنبوذة، فبمرور الوقت وصلت العلاقات بين واشنطن وهذه الدولة الإرهابية إلى حالة تعتبر سوية. وقد استمرت تلك الحالة حتى جاء التدهور في عهد بوش، وكان الأمر الذي فجّره هو تقديم سوريا المساعدة للمتمردين في العراق، وما أعقبه من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005.

ورغم جهود إدارة أوباما المخلصة لإعادة ترتيب العلاقات، وتحسين الروابط عبر برنامج أكثر نشاطاً يتمثل بالتعاطي الدبلوماسي، وفصل سوريا عن علاقتها الاستراتيجية مع إيران التي دامت 30 عاماً، فإنه على مدار العامين الأولين من هذه الرئاسة زاد الحراك الثنائي سوءاً. فمنذ 2010، بدأت واشنطن تراقب الدعم السوري للإرهاب، وتدخّلها الزائد في الشؤون اللبنانية. وفي هذه الأثناء، يبدو أن تنسيق نظام الأسد مع طهران آخذ في الارتفاع.

وقد كان من بين الموضوعات الأولى على أجندة الرئيس أوباما هو تعيين سفير جديد في دمشق، وهو المنصب الذي ظل خالياً منذ مقتل الحريري. وفي شباط/فبراير 2010، تم تعيين روبرت فورد في هذا المنصب، لكن التصديق عليه قد أُحبط عندما استضاف الرئيس الأسد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وزعيم «حزب الله» حسن نصر الله في اجتماع ثلاثي في دمشق في 26 شباط/فبراير.

وقد حصل فورد على تعيينه خلال عطلة الكونغرس الأمريكي في نهاية دورته لعام 2010 وأُرسل إلى سوريا في كانون الثاني/يناير 2011. ولكن من غير الواضح ما الذي سيستطيع إنجازه. وخلال عامين من تلميحات حُسن النية من قبل إدارة أوباما، قدمت سوريا بصورة متزايدة دعماً قاتلاً ومزعزعاً للاستقرار لـ «حزب الله» يُعتقد أنه يتضمن صواريخ "سكود" و/أو "فتح 110"، وربما "أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف" لتغيير اللعبة، والتي يمكن أن تستهدف طائرات "إف 16" الإسرائيلية فوق لبنان. وبالإضافة إلى تقديم تدريب مستمر لحركة «حماس» في سوريا، تؤكد برقيات وزارة الخارجية الأمريكية المسربة حديثاً وجود منشآت عسكرية لـ «حزب الله» على الأراضي السورية.

وفي الوقت نفسه، تستمر دمشق في سياستها بعدم التعاون مع تحقيقات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" عن وجود منشأة نووية كورية شمالية في موقع "الخبر"، التي دمرتها إسرائيل عام 2007. وأخيراً، لا يزال وضع حقوق الإنسان في سوريا مُروِّعاً ولا يُظهر أية إشارات على التحسن.

إن هذا الحكم بمبلغ 413 مليون دولار ينضم إلى القائمة الدائمة للمشاكل الأمريكية ـ السورية التي تحتاج إلى المناقشة. ورغم أنه من المستبعد أن يشكل التعويض المعلّق قضية ذات أولوية، إلا أنه يُعتبر هدفاً مهماً على القائمة. وخلافاً للموضوعات الأخرى، التي تفرض قلقاً على استقرار المنطقة، وتهديداً على الأصدقاء الإقليميين، توضح التعويضات التي هي في قيد الانتظار أن سلوك سوريا لا يشكل فقط مشكلة لدول أخرى، لكنه أيضاً مشكلة لواشنطن نفسها.

وبينما من الممكن في النهاية الوفاء بهذا الالتزام السوري، على غرار الترتيب الذي تم التوصل إليه مع ليبيا، بحيث يتخلى فيه الأسد عن دعمه للإرهاب ويُنهي سعيه للحصول على أسلحة نووية ويُغير توجهه الاستراتيجي مقابل إعادة التقارب مع واشنطن، إلا أن هذا النوع من الصفقات ما يزال أملاً بعيداً على أحسن تقدير".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ                     ـــــــــــــــــــــــــــــــ

2011-04-13