ارشيف من :ترجمات ودراسات

الحملة على سلاح المقاومة.. واستدعاء "اسرائيل"

الحملة على سلاح المقاومة.. واستدعاء "اسرائيل"
حسان ابراهيم
بث العدو الصهيوني في الايام القليلة الماضية، تصريحات ومواقف، تبدو ابتداءا متناقضة، حيال لبنان، رغم انها في الواقع تتكامل فيما بينها، لتعبّر عن الموقف الاسرائيلي حيال الجبهة الشمالية ولبنان، بما يشمل مقاومته وامكاناتها. وكما هو معروف للمتابعين، أكدت مصادر أمنية اسرائيلية، كما أشارت إذاعة تل أبيب قبل ايام، الى انها لا تريد تصعيدا امنيا مع لبنان، ولا أي مواجهة مع حزب الله، لكنها أكدت في المقابل ان تل أبيب معنية بالدفاع عن "مواطنيها"، وستعرف كيف ترد وبقوة على اي تصعيد مبادر اليه من قبل حزب الله. أما رئيس الدائرة السياسية والامنية في وزارة الحرب الاسرائيلية، "عاموس غلعاد"، فإكتفى بتوصيف خطر المقاومة على الكيان الغاصب، دون ان يشير الى اضافة ترتبط بالمواجهة وإمكاناتها، مضيفا ان "حزب الله يملك اكثر من 45 الف صاروخا، تشكل خطراً على اسرائيل"، كما اكد ايضا ان ايران وسوريا يقدمان الدعم للحزب، ويجري امداده بالصواريخ من خلال السفن والطائرات والقطارات..

الحملة على سلاح المقاومة.. واستدعاء "اسرائيل"واذا كان توصيف الخطر، كما ورد على لسان غلعاد، مسألة إقرار اسرائيلي دائم بإمكانات المقاومة في لبنان، الا انها تأتي في العادة المتبعة اسرائيليا لأهداف تحريضية ودعائية، تظهر تل ابيب كضحية ولبنان هو المعتدي، أي محاولة قلب الحقائق.. مع ذلك فإن كلام المصادر الأمنية الإسرائيلية، عن أن "إسرائيل" لا تريد تصعيدا امنيا مع لبنان، يعبر عن حقيقة الواقع والموقف الاسرائيلي، الذي يتمسك به صانع القرار في تل أبيب منذ انتهاء الحرب على لبنان عام 2006.

يمكن اعادة صياغة حديث المصادر الامنية الاسرائيلية بعبارات اخرى، طلبا للدقة ولمزيد من الايضاح.. فما ارادت المصادر قوله هو الآتي: "اسرائيل تخشى حربا تشنها ابتداءا او ردا ضد المقاومة في لبنان، وهي بناء على هذه الخشية، مرتدعة وملجومة اليد، ولا تريد المبادرة او التسبب بحرب، وفي نفس الوقت تأمل بان لا تقدم المقاومة على ما من شأنه ان يضطرها للرد، لانها ستنكشف (اسرائيل) بنتيجة الرد ومداه وحجمه، قياسا بتهديداتها السابقة والحاضرة، بانها ملجومة ومرتدعة، وأن كل ما يمكنها ان تقوم به، هو فعل لا يؤدي في النهاية الى مواجهة".

الحديث التوضيحي المعاد صياغته، بلسان حال الاسرائيليين، تعبير دقيق عن الواقع، الذي يشهد عليه الفعل الاسرائيلي طوال السنوات القليلة الماضية، وتشهد عليه ايضا، تصريحات ومواقف تل أبيب، وتحديدا التهديدية منها، التي لم تبصر النور تنفيذيا طوال هذه الفترة، رغم ان في جعبة تل أبيب ما يكفي من الاسباب الموجبة، بحسب عقيدتها الامنية وتاريخها الاعتدائي ضد لبنان، لفعل نقيض عما تقوم به، وهو الارتداع عن المواجهة والابتعاد عنها، بل والابتعاد عن مسبباتها.

تجب الاشارة الى ان حديث المصادر الامنية الاسرائيلية، والتعبير عن ان تل أبيب غير معنية بمواجهة مع حزب الله، ورغم ما يعنيه ذلك من اقرار بمحدودية القدرة على العدوان في هذه الفترة، فقد جرى بثه فقط في الاذاعة الاسرائيلية الناطقة باللغة العربية، ولم يرد في أي من وسائل "اسرائيل" الاعلامية العبرية الاخرى، وفي ذلك كثير من المعاني والدلالات. فبث الحديث باللغة العربية دون سواها، يعني ان المخاطب حصرا هو العدو، حزب الله، بعيدا عن اذان الاسرائيليين انفسهم. وفي ذلك ايضا معان اضافية، اذ يدل الى ان حديث التهدئة مع لبنان، كما هو حديث الحرب، له محظوراته وتأثيراته السلبية على المستوطنين، ما يدفع القيادة الاسرائيلية الى تحاشي الحديث عنها، اي التهدئة، في محضر عرض العضلات الكلامية والمواقف الحربية.. وفي تعبير آخر، فان حديث التهدئة يبث رسالة ضعف الى المستوطنين، ويعني ان الجمهور الاسرائيلي، على مستوى اللاوعي، بلا منعة حيال ثقته بجيشه وقدراته في مواجهة المقاومة، في اي حرب مقبلة، والا فلا حاجة للتخفي وعدم التحدث بالعبرية.

في الاصل، فان مقاربة تل أبيب للبنان، ترتبط ارتباطا وثيقا بقدرات المقاومة وإمكاناتها.. أي أن القدرات العسكرية التي باتت في ايدي المقاومين، وتحديدا في اعقاب عام 2006، غير المسبوقة لجهة الحجم والدقة والقدرة التدميرية، هي الدافع لشن اعتداء على لبنان، لما تمثله هذه القدرات من خطر وتهديد على الكيان، تمهيدا ومقدمة ضرورة لازمة، للاستفراد بهذا البلد وفرض إرادة "اسرائيل" السياسية عليه.. لكن وفي نفس الوقت، فان هذه القدرات هي التي تحول دون تفعيل قرار الاعتداء الاسرائيلي، أي أن المقاومة هي الدافع والمانع في الوقت ذاته، امام "اسرائيل" واعتداءاتها. وضمن هذه المحددات، يمكن استشراف افعال تل أبيب الاعتدائية من عدمها: بين غلبة الدافع الاسرائيلي، وغلبة المانع الاسرائيلي.

والواضح منطقيا في ظل ارادة العدوان في "اسرائيل"، التي لا تنفك عن وجود "اسرائيل" نفسها، كما السعي الى التربص وتحين الفرصة المناسبة لتنفيذ العدوان، ان سلاح المقاومة، هو المفصل في كل ذلك، باتجاه المنع او الدفع. فكلما كانت "اسرائيل" قادرة، او تعتقد انها قادرة، على التعامل مع سلاح المقاومة، كلما كان اقدامها على الاضرار بلبنان قائما وممكنا، ويبقى ان تتحين الفرص لتنفيذ اعتداءاتها. وعلى نقيض من ذلك، كلما كانت "اسرائيل" عاجزة عن التعامل مع السلاح، سواء للتعذر او عدم القدرة على تحقيق النتائج، او للثمن المتوقع ان يكون مرتفعا جدا قياسا بالماضي، كلما كان الارتداع والامتناع اكبر، وبالتالي يبتعد صانع القرار في تل أبيب، نتيجة للقصور او التعذر او الخشية، عن الاضرار بلبنان.

ضمن هذه المعادلة، التي تكاد تكون رياضية، فان امتناع "اسرائيل" عن شن اعتداءاتها على لبنان، طوال السنوات الماضية، يعود الى احد المحددات الثلاث الآتية، او جميعها معا:

الحملة على سلاح المقاومة.. واستدعاء "اسرائيل"الاصل ان دفاع الاحتلال قائم للعدوان على لبنان، اذ ان فرض الارادة السياسية الاسرائيلية على هذا البلد، لا ينفك ومرتبط ارتباطا وثيقا بـ"اسرائيل" وبوجودها، وطالما ان هذا الكيان موجود، فان التوجه لديه سيبقى موجودا نحو فرض الارادة السياسية عليه وإملاء السياسة الواجب اتباعها، كي تماشي المصلحة الاسرائيلية، بعيدا عن المصلحة اللبنانية، سواء كان الموضوع متعلقا بالموارد الطبيعية للبنان، كالنفط والغاز والمياه، او كان متعلقا بالارض وإمكانات قضمها واحتلالها، او بالمواقف السياسية والتمحور بعيدا عن المقاومة والمنعة. بمعنى ان العدوان قائم، وقراره متخذ، لكن امكانات تنفيذه غير مؤاتية، ومن هنا يأتي المحددين الاخرين.

من ناحية، اثبتت حرب عام 2006، ان ما يسمى جبروت الجيش الاسرائيلي وإمكاناته العسكرية، رغم تفوقه ونوعيته، غير قادرة على تأمين البضاعة، قياسا بالقدرة الدفاعية الموجودة في حوزة المقاومة، والارادة والعزم التي تتحلى بها قيادتها.. ما يعني ان على "اسرائيل" ان تسعى، وهي تسعى، كي تصل الى حد من الجهوزية العسكرية القادرة من خلالها على تحقيق الاهداف من اي عدوان: اركاع لبنان وجعله تابعا لها، سياسيا واقتصاديا.. من هنا نرى ان الجهود منصبة اسرائيليا على تأهيل مؤسستها العسكرية لناحية التجهيز والتدريب والمناورات المتتالية، بما يرتبط بالجيش الاسرائيلي نفسه، او بإمكانات الجبهة الداخلية على الصمود في المواجهة المقبلة، لحظة إقرارها واخراجها الى حيز التنفيذ.

لكن، كمحدد ثاني، فان تعاظم القدرة الدفاعية لدى المقاومة، والتسارع في الجهوزية الدفاعية الذي يسبق إمكانات "اسرائيل" العسكرية رغم كل محاولات وجهود اعادة التأهيل التي يخضع لها الجيش الاسرائيلي، كان حتى الان بقادر على تفويت الفرصة على تل ابيب كي تخرج قراراتها العدائية الى حيز التنفيذ، وفي ذلك شهادة على فاعلية قيادة المقاومة وحكمتها.

كمحدد ثالث، يبقى على تل ابيب ان تستشرف، قبل اي اعتداء، كي ستنتهي المواجهة المقبلة مع المقاومة، اي في حال قررت الخروج الى الحرب، فعليها اضافة الى تجاوز المحدد الثاني، اي امكانات المقاومة الدفاعية، ان تنظر الى المرحلة التي تعقب انتهاء الاعمال الحربية، وكي يمكن ان تؤمن المخارج السياسية للحرب نفسها، بمعنى آخر، كيف تترجم ما قامت به عسكريا الى نتائج سياسية على المستوى السياسي.. ورغم ان التفكير والتأمل الابتدائي يفيد ان المخرج السياسي هو اسهل من الامكانات العسكرية نفسها، لكن على صعيد ميزان القدرة بين الطرفين، والواقع والبيئة الاستراتيجية والامكانات الموجودة لدى المقاومة، فان المخرج السياسي اصعب من الامكانات نفسها، وهي مفارقة غير موجودة في اي من المقاييس الاخرى، لاوضاع شبيهة حول العالم.

ضمن هذه المحددات، يتحرك الفعل الاسرائيلي والاعتداءات. وضمن هذه المحددات، يمكن فهم اصرار البعض على نزع سلاح المقاومة، او تقييده، او الحد من فاعليته، او حتى الهائه وحرف اولوياته عن "اسرائيل". ومن هنا ايضا، فان اي كلام وتفوهات سلبية ضد سلاح المقاومة سيعني بالضرورة تشجيعا لـ"اسرائيل" على شن اعتداءاتها، في حال كانت قادرة بالفعل على تجاوز امكاناتها الدفاعية، ومن يتحدث بسوء عن المقاومة وسلاحها، يقول من ناحية عملية لـ"اسرائيل"، ان المخارج السياسية جاهزة، وعليك استغلالها.
2011-04-13