ارشيف من :آراء وتحليلات
ليبيا... عندما تكشف عن عمق المأزق العالمي!
عقيل الشيخ حسين
مبادرة من الاتحاد الإفريقي فشلت في التوصل إلى حل سياسي للمشكلة الليبية. وقبل الاتحاد الإفريقي الغارق في لانهائية مشكلات بلا حلول، بادرت تركيا المتعددة الانتماءات إلى تحالفات وتفاهمات دولية وإقليمية متنوعة ومتناقضة إلى طرح مبادرتها الخاصة التي ظلت دون جدوى.
لكن هذه المبادرة حملت إلى المؤتمر الذي عقد في الدوحة تحت اسم مجموعة الاتصال التي شاركت فيها عشرات الدول والمنظمات دولية وإقليمية، دون أن تحظى بقبول المجلس الوطني الليبي لخلوها من ذكر رحيل القذافي.
لكن رحيل القذافي لم يكن مطلباً أساسياً في مؤتمر مجموعة الاتصال الذي حرص بعض أطرافه على عدم ذكره بالاسم خوفاً من التداعيات غير السارة، حيث شدد المؤتمر على استبعاد الحل العسكري، وعلى عدم تسليح الثوار الليبيين.
والملفت أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي نفسه قد أكد على لسان وزير خارجيته أن التسلح لم يعد أمراً مطلوباً كأولوية من قبل المجلس. وهكذا يكون المؤتمر قد وضع المشكلة الليبية برمتها تحت العنوان الإنساني، وأدخلها برمتها في النفق الطويل الأمد، من خلال الدعوة إلى إيجاد منتدى "للمناقشات الدولية" والجهود الهادفة إلى إنشاء صندوق "في المنطقة" لتغطية الاحتياجات الإنسانية في المنطقة التي يسيطر عليها الثوار.
مناقشات دولية من الواضح أنها ستكون متطاولة طالما أن لجنة الاتصال قد حددت موعداً لانعقاد اجتماعها المقبل في روما خلال الأسبوع الأول من أيار / مايو المقبل.
ولتجنب التوقف عن النقاش والبحث بخصوص المشكلة الليبية من الآن وحتى ذلك التاريخ، انتقلت مجموعة الاتصال برمتها إلى القاهرة لتشارك في اجتماع دولي ـ إقليمي آخر شارك فيه، إلى جانب الجامعة العربية، كل من الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
ـ لقد دخل التدخل العسكري في ليبيا مرحلة التخبط الذي سيقود الغرب وحلفاءه في المنطقة لا محالة إلى تداعيات أشد قسوة من تداعيات حربي أفغانستان والعراق. |
لكن هذا الاجتماع الذي تميز عن اجتماع الدوحة (التي يسودها الأمن والاستقرار) بسماع أصوات طلقات نارية في عراكات نشبت خارجه بين متظاهرين مناهضين وآخرين مؤيدين لنظام القذافي، كان أكثر وضوحاً من سابقه في دعوته إلى وقف إطلاق النار في ليبيا.
الدعوة نفسها تكررت في اجتماع وزراء خارجية بلدان الناتو الذي عقد في وقت متزامن في برلين، تحديداً للبحث عن حلول للمشكلة الليبية. لكن ما الذي تعنيه، هنا وهناك، الدعوة إلى وقف إطلاق النار في وقت كان العقيد القذافي يجوب فيه شوارع طرابلس بسيارته المكشوفة بين الجماهير التي احتشدت لتحيته، تحت القصف الأطلسي، غير الإفصاح عن الرغبة في تقسيم ليبيا، رغم الكلام غير المفيد الذي أكد فيه أكثر من ناطق أطلسي بأن هذا الإجراء لا ينبغي إن يكون مدخلاً إلى التقسيم ؟
أو بكلام آخر، ينبغي له أن يكون مخرجاً للأطلسي وحلفائه العرب من المأزق الليبي الذي خرجت منه أميركا غير الراغبة، على أعتاب معركة الانتخابات الرئاسية، بفتح حرب ثالثة في بلد إسلامي، بعد حربي أفغانستان والعراق، على ما ورد في تصريح أدلى به الرئيس الأميركي في أجواء مؤتمر برلين.
لكن واشنطن لا تبدو راغبة في تسهيل خروج مشرف لحلفائها من هذا المأزق. فقد جأرت كل من باريس ولندن بالشكوى لعدم قدرة المئات من طائرات الناتو على وقف تقدم كتائب القذافي، وتوسلتا إلى واشنطن لإعادة طائراتها إلى المشاركة في العمليات.
لكن التوسلات ظلت دون جدوى وسط ارتفاع في منسوب الخلافات داخل الناتو، حيث لا تتبنى الدول الأوروبية الأخرى الموقف الفرنسي ـ البريطاني، وهي الخلافات التي كانت قد هددت بتفكك الحلف على خلفية حربي افغانستان والعراق. وكل ذلك بالرغم من دعوات كلينتون إلى المحافظة على وحدة الحلف.
وحدة خرقتها واشنطن بانسحابها من الحرب الليبية، ولا تجدي معها التأكيدات الأميركية التي تؤكد الاستمرار في دعم الحلفاء... حتى رحيل القذافي، ضمناً، مع بقاء نظامه. وتصميم بريطاني ـ فرنسي على مواصلة العمليات العسكرية رغم الإقرار بعجز هذه العمليات عن تحقيق أهدافها في ظل الانسحاب الأميركي.
لقد دخل التدخل العسكري في ليبيا مرحلة التخبط الذي سيقود الغرب وحلفاءه في المنطقة لا محالة إلى تداعيات أشد قسوة من تداعيات حربي أفغانستان والعراق.
فمن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلف الناتو، إلى الاتحادين الأوروبي والإفريقي، مروراً بمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية (وبعض بلدان مجلس التعاون الخليجي المشاركة في الحرب الليبية)، بات من الواضح أن الحرب التي تدور رحاها في ليبيا ليست تعبيراً عن انسداد الوضع الليبي بقدر ما هي تعبير عن انسداد قدرة المجتمع الدولي، بدوله ومنظماته الحكومية وغير الحكومية، ليس فقط على حل المشكلة الليبية بل أيضاً على حل مشاكله الخاصة.
لكن سيل الاجتماعات الدولية والإقليمية حول ليبيا لا يتوقف. فمجموعة "بريكس" التي تضم كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، اجتمعت بدورها في بكين لتتخذ موقفاً مغايراً للموقف الدولي، عبر التأكيد على أن قرار مجلس الأمن الخاص بليبيا لا ينص على توجيه ضربات عسكرية. ما يدفع بالمشكلة نحو المزيد من التعقيد داخل ليبيا وخارجها.
تعقيد يأتي في زمن الثورة الليبية وغيرها من الثورات العربية التي تلاشى معها ضجيج الحرب على "الإرهاب" و"محور الشر" ليضع على عاتق الشعوب في المنطقة وخارج المنطقة مهمة تصحيح المسارات لإخراج العالم من المآزق والكوارث التي أفضت إليها سياسات الاستكبار والفساد واللامسؤولية.