ارشيف من :آراء وتحليلات
تحديات وصعوبات تمنع التشكيل النهائي للخريطة الجديدة للمنطقة: معركة التغيير لم تكتمل بعد
مصطفى الحاج علي
الانفجارات الشعبية التي تشهدها دول المنطقة أفرزت حتى الآن مجموعة من الوقائع المؤسسة لمرحلة جديدة بالفعل، أبرزها:
ـ تشكُّل دول جديدة كما هو الحال مع ولادة دولة جنوب السودان على خلفية التقسيم الأخير، وترشُّح دول أخرى لمصير مماثل في ما لو أخذت لعبة الفوضى الشاملة مداها، وأخذت لعبة التفتيت المذهبي والعرقي والقومي أبعادها المطلوبة، وفي هذا الإطار، تبرز أسماء دولٍ عدة مرشحة لهذا المصير كاليمن والعراق وسوريا.. الخ.
ـ ولادة أنظمة جديدة، وكلمة جديدة تكون مراوغة هنا الى حد ما، لسببٍ بسيط هو أن ما يجري حتى الساعة لم يكن تعبيراً عن ثورات جذرية مدفوعة باعتبارات ايديولوجية حاسمة، وانما تعبير عن رفض لعملية قهر شاملة للإنسان العربي، وعلى كل المستويات والأبعاد، الأمر الذي فرض أجندة مطالب اصلاحية في العمق، ولذا ما زالت حتى الساعة الكثير من هياكل الأنظمة السابقة موجودة، لا سيما العسكرية والأمنية منها، يضاف اليها الإداري والقضائي.. الخ.
وعلى صعيد آخر، فإن معركة التغيير لم تحسم نتائجها النهائية بعد وبالكامل لمصلحة قوى التغيير، استناداً الى طبائع الأشياء وقوانين التغيير نفسها التي تنص على أن المتضررين من التغيير لن يستسلموا بسهولة، وسيعملون جاهدين لوضع العصي في الدواليب، هذا، الى جانب غياب رؤية موحدة لما بعدُ تؤطر قوى التغيير نفسها، وتخضعها لبرنامج عمل موحد، إلا أن هذا كله لا يعني، أن الأمور ستبقى على ما كانت عليه لاعتبارات كثيرة تتصل بشكل وثيق بالحضور الواعي للجماهير في الساحات، وبشعور الجميع بحجم التحديات المصيرية والاستراتيجية التي تواجههم، والتي كان في أصل الوصول اليها الأنظمة السابقة، وبالتالي لا بد من إحداث قطيعة نهائية معها، والشاهد الرئيسي هنا هو مآل الأمور في مصر، التي عادت لتتلمّس موقعها ودورها كدولة اقليمية لها وزنها، والتي لا يمكن لها ان تحبس نفسها في دائرة قُطرية خاصة مهملةً كل ما يمس مصالح أمنها القومي، بدءاً من النيل، وليس انتهاءً بالقضية الفلسطينية، وطبيعة العلاقة التي يجب أن تكون مع الكيان الاسرائيلي حتى مع الاستمرار في المحافظة على اتفاقيات كامب ديفيد .
ـ ظهور مجتمعات جديدة مغايرة لصورة المجتمعات السابقة، ولعل أبرز سماتها المركزية هو قدرتها على كسر أصفاد الخوف التي كانت تكبلها، وتسلحها بوعي سياسي مميز لما يجري حولها، وبجهوزية حاضرة للنزول الى الساحات كلما اقتضى ذلك، أما السمة الأهم فهي الطابع الشبابي لهذه المجتمعات، وهو طابع يتطلب إلماماً دقيقاً بحاجاته المتنوعة في سياق البحث عن أفضل السبل لاستيعابه في معركة التغيير المستمرة.
الى جانب المؤشرات الايجابية الآنفة، ثمة مؤشرات سلبية لا بد من التوقف عندها، لاستكمال الصورة، في سياق بلورة مقاربة أولية لخريطة المنطقة القادمة، أبرزها:
ـ إن المسار الذي تتخذه الأمور في ليبيا لا يبشر بالخير، حيث بات واضحاً، ان الغرب عموماً يمارس دوراً هو أقرب الى حراسة واقع تقسيمي على الأرض، فمن جهة بغض النظر عن استمرار تسلح القذافي ضامناً له تفوقاً عسكرياً على الثوار، ومن جهة أخرى، لا يسمح للثوار بالحصول على القوة اللازمة لحسم الأمور، ويبدو تدخل الناتو تقنياً ومدروساً الى أبعد الحدود، فكلما أحرز القذافي خطوات نوعية على الأرض جرى توجيه ضربات له لتعيده الى الخط المرسوم، وفي المقابل غير متاح للقوى الثورية التقدم بما يسمح بالإطاحة النهائية بالنظام الليبي.
ـ الوضع في اليمن أكثر تعقيداً جراء التوازنات النسبية التي تحكم القوى الراغبة باسقاط علي عبد الله صالح، في ظل خلاف ـ أيضاً ـ حول مصير الأمور بعده، ما يبقي الجرح في اليمن مفتوحاً على احتمالات شتى.
ـ أما في البحرين ما زال النظام المدعوم بالأداة العسكرية والأمنية السعودية، مصراً على الذهاب الى النهاية لإخضاع الشعب البحريني لشروطه، وفي المقابل ما تزال المعارضة البحرينية ثابتة وصامدة في وجه بطش أجهزة القمع المتنوعة، ما يفرض حالاً من الشلل على البلاد، لا يمكن الخروج منها إلا إذا اقتنع النظام بأنه لا بديل من الإنصات لمطالب شعبه، والدخول في عملية إصلاح أساسية.
ـ الأخطر في كل ما يجري هو الحملة الشرسة التي يقودها النظام السعودي ومن بوابة البحرين ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحديداً، آخذاً منطقة الخليج برمتها الى مواجهة مفتوحة سياسياً وإعلامياً مع دولة إقليمية مركزية كإيران.
الخطورة لا تكمن في نفس الصراع السياسي الذي يبقى أمراً مألوفاً بين الأنظمة والدول، وانما تكمن في الأدوات التي تخوض بها هذا الصراع، والمتمثلة على نحو رئيسي بأدوات التجييش المذهبي والقومي، وذلك لتحقيق مجموعة أهداف خطرة أبرزها:
ـ نقل مآزق الأنظمة من مآزق مع شعوبها الى مآزق مع محيطها من خلال الاشتغال على العصبيات المذهبية والقومية.
ـ محاولة جر مناخات التغيير في المنطقة واستقطابها من دائرة الاصلاحات واعادة النظر في السياسات لا سيما السياسات الخارجية السابقة، الى دائرة أسرها في هذه السياسات، بكلمة أخرى، العمل على فرض ايران والعنوان المذهبي كخصوم بما يضع حواجز مسبقة أمام اي محاولات لتطوير هذه العلاقات ايجاباً، وفي سياق التكامل الأخوي والبنّاء.
ـ توجيه ضربات استباقية في الأماكن المرشحة لأي تغيير داخلي لغير مصلحة الرياض، والتي من شأنها ان تتكامل ايجاباً مع موجات التغيير في المنطقة، وبما يخدم مصالح شعوبها.
ـ توجيه رسائل الى من يهمه الأمر، بأنه ليس صحيحاً التسليم لمطالب الشعوب، وأنه يمكن قمعها مهما كلف الأمر، بما يشكل كابحاً لأي تطلعات شعبية اخرى في دول المنطقة.
ـ لا شك، أن الرياض وهي تخوض حربها غير المبررة متوسلة أخطر سلاحين: الفتنة المذهبية والقومية، واللذين يعتبران أهم وصفة للحروب الأهلية والبيئية، تتطلع الى مسألتين أساسيتين: ملء الفراغ الناشئ في المنطقة بفعل غياب الدور العربي على نحو مطلق، وما يمكن ان تؤول اليه الأمور في العراق مع تنفيذ واشنطن خروجها العسكري منه صيف هذا العام.
ـ في لبنان يصبح مفهوماً في ضوء ما تقدم، الأسباب التي دفعت رئيس حكومة تصريف الأعمال الى الالتحاق بالهجمة الشرسة التي تقودها الرياض ضد ايران، فالهدف الرئيسي هو تحويل لبنان الى ساحة من ساحات المواجهة بالمعاني السابقة، كما يصبح مفهوماً الاشارات السورية عن دور ما لبندر بن سلطان ومحمد بن نايف وتيار المستقبل في أحداث سوريا، لتحويلها أيضاً الى إحدى ساحات تصفية الحساب مع دول الممانعة، ولفرض خيارات صعبة عليها، ومفاوضات أصعب.
بالنظر الى ما تقدم، تبدو المنطقة مشدودة بين قوى التغيير الفعلية وتلك الراغبة في ابقاء الأمور على ما هي عليه حتى لو تطلب الأمر توليد حروب وفتن مذهبية وقومية، وهذه المحاولات على خطورتها هي محاولات بائسة، لأنها آخر ما يملكه هؤلاء من أوراق، حتى اذا ما سقطت، فأمور كثيرة ستتبدل، لمصلحة تشكل وحدات جديدة، ترسي معالم شرق أوسط جديد من نتاج أهله.
الانفجارات الشعبية التي تشهدها دول المنطقة أفرزت حتى الآن مجموعة من الوقائع المؤسسة لمرحلة جديدة بالفعل، أبرزها:
ـ تشكُّل دول جديدة كما هو الحال مع ولادة دولة جنوب السودان على خلفية التقسيم الأخير، وترشُّح دول أخرى لمصير مماثل في ما لو أخذت لعبة الفوضى الشاملة مداها، وأخذت لعبة التفتيت المذهبي والعرقي والقومي أبعادها المطلوبة، وفي هذا الإطار، تبرز أسماء دولٍ عدة مرشحة لهذا المصير كاليمن والعراق وسوريا.. الخ.
ـ ولادة أنظمة جديدة، وكلمة جديدة تكون مراوغة هنا الى حد ما، لسببٍ بسيط هو أن ما يجري حتى الساعة لم يكن تعبيراً عن ثورات جذرية مدفوعة باعتبارات ايديولوجية حاسمة، وانما تعبير عن رفض لعملية قهر شاملة للإنسان العربي، وعلى كل المستويات والأبعاد، الأمر الذي فرض أجندة مطالب اصلاحية في العمق، ولذا ما زالت حتى الساعة الكثير من هياكل الأنظمة السابقة موجودة، لا سيما العسكرية والأمنية منها، يضاف اليها الإداري والقضائي.. الخ.
وعلى صعيد آخر، فإن معركة التغيير لم تحسم نتائجها النهائية بعد وبالكامل لمصلحة قوى التغيير، استناداً الى طبائع الأشياء وقوانين التغيير نفسها التي تنص على أن المتضررين من التغيير لن يستسلموا بسهولة، وسيعملون جاهدين لوضع العصي في الدواليب، هذا، الى جانب غياب رؤية موحدة لما بعدُ تؤطر قوى التغيير نفسها، وتخضعها لبرنامج عمل موحد، إلا أن هذا كله لا يعني، أن الأمور ستبقى على ما كانت عليه لاعتبارات كثيرة تتصل بشكل وثيق بالحضور الواعي للجماهير في الساحات، وبشعور الجميع بحجم التحديات المصيرية والاستراتيجية التي تواجههم، والتي كان في أصل الوصول اليها الأنظمة السابقة، وبالتالي لا بد من إحداث قطيعة نهائية معها، والشاهد الرئيسي هنا هو مآل الأمور في مصر، التي عادت لتتلمّس موقعها ودورها كدولة اقليمية لها وزنها، والتي لا يمكن لها ان تحبس نفسها في دائرة قُطرية خاصة مهملةً كل ما يمس مصالح أمنها القومي، بدءاً من النيل، وليس انتهاءً بالقضية الفلسطينية، وطبيعة العلاقة التي يجب أن تكون مع الكيان الاسرائيلي حتى مع الاستمرار في المحافظة على اتفاقيات كامب ديفيد .
ـ ظهور مجتمعات جديدة مغايرة لصورة المجتمعات السابقة، ولعل أبرز سماتها المركزية هو قدرتها على كسر أصفاد الخوف التي كانت تكبلها، وتسلحها بوعي سياسي مميز لما يجري حولها، وبجهوزية حاضرة للنزول الى الساحات كلما اقتضى ذلك، أما السمة الأهم فهي الطابع الشبابي لهذه المجتمعات، وهو طابع يتطلب إلماماً دقيقاً بحاجاته المتنوعة في سياق البحث عن أفضل السبل لاستيعابه في معركة التغيير المستمرة.
الى جانب المؤشرات الايجابية الآنفة، ثمة مؤشرات سلبية لا بد من التوقف عندها، لاستكمال الصورة، في سياق بلورة مقاربة أولية لخريطة المنطقة القادمة، أبرزها:
ـ إن المسار الذي تتخذه الأمور في ليبيا لا يبشر بالخير، حيث بات واضحاً، ان الغرب عموماً يمارس دوراً هو أقرب الى حراسة واقع تقسيمي على الأرض، فمن جهة بغض النظر عن استمرار تسلح القذافي ضامناً له تفوقاً عسكرياً على الثوار، ومن جهة أخرى، لا يسمح للثوار بالحصول على القوة اللازمة لحسم الأمور، ويبدو تدخل الناتو تقنياً ومدروساً الى أبعد الحدود، فكلما أحرز القذافي خطوات نوعية على الأرض جرى توجيه ضربات له لتعيده الى الخط المرسوم، وفي المقابل غير متاح للقوى الثورية التقدم بما يسمح بالإطاحة النهائية بالنظام الليبي.
ـ الوضع في اليمن أكثر تعقيداً جراء التوازنات النسبية التي تحكم القوى الراغبة باسقاط علي عبد الله صالح، في ظل خلاف ـ أيضاً ـ حول مصير الأمور بعده، ما يبقي الجرح في اليمن مفتوحاً على احتمالات شتى.
ـ أما في البحرين ما زال النظام المدعوم بالأداة العسكرية والأمنية السعودية، مصراً على الذهاب الى النهاية لإخضاع الشعب البحريني لشروطه، وفي المقابل ما تزال المعارضة البحرينية ثابتة وصامدة في وجه بطش أجهزة القمع المتنوعة، ما يفرض حالاً من الشلل على البلاد، لا يمكن الخروج منها إلا إذا اقتنع النظام بأنه لا بديل من الإنصات لمطالب شعبه، والدخول في عملية إصلاح أساسية.
ـ الأخطر في كل ما يجري هو الحملة الشرسة التي يقودها النظام السعودي ومن بوابة البحرين ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحديداً، آخذاً منطقة الخليج برمتها الى مواجهة مفتوحة سياسياً وإعلامياً مع دولة إقليمية مركزية كإيران.
الخطورة لا تكمن في نفس الصراع السياسي الذي يبقى أمراً مألوفاً بين الأنظمة والدول، وانما تكمن في الأدوات التي تخوض بها هذا الصراع، والمتمثلة على نحو رئيسي بأدوات التجييش المذهبي والقومي، وذلك لتحقيق مجموعة أهداف خطرة أبرزها:
ـ نقل مآزق الأنظمة من مآزق مع شعوبها الى مآزق مع محيطها من خلال الاشتغال على العصبيات المذهبية والقومية.
ـ محاولة جر مناخات التغيير في المنطقة واستقطابها من دائرة الاصلاحات واعادة النظر في السياسات لا سيما السياسات الخارجية السابقة، الى دائرة أسرها في هذه السياسات، بكلمة أخرى، العمل على فرض ايران والعنوان المذهبي كخصوم بما يضع حواجز مسبقة أمام اي محاولات لتطوير هذه العلاقات ايجاباً، وفي سياق التكامل الأخوي والبنّاء.
ـ توجيه ضربات استباقية في الأماكن المرشحة لأي تغيير داخلي لغير مصلحة الرياض، والتي من شأنها ان تتكامل ايجاباً مع موجات التغيير في المنطقة، وبما يخدم مصالح شعوبها.
ـ توجيه رسائل الى من يهمه الأمر، بأنه ليس صحيحاً التسليم لمطالب الشعوب، وأنه يمكن قمعها مهما كلف الأمر، بما يشكل كابحاً لأي تطلعات شعبية اخرى في دول المنطقة.
ـ لا شك، أن الرياض وهي تخوض حربها غير المبررة متوسلة أخطر سلاحين: الفتنة المذهبية والقومية، واللذين يعتبران أهم وصفة للحروب الأهلية والبيئية، تتطلع الى مسألتين أساسيتين: ملء الفراغ الناشئ في المنطقة بفعل غياب الدور العربي على نحو مطلق، وما يمكن ان تؤول اليه الأمور في العراق مع تنفيذ واشنطن خروجها العسكري منه صيف هذا العام.
ـ في لبنان يصبح مفهوماً في ضوء ما تقدم، الأسباب التي دفعت رئيس حكومة تصريف الأعمال الى الالتحاق بالهجمة الشرسة التي تقودها الرياض ضد ايران، فالهدف الرئيسي هو تحويل لبنان الى ساحة من ساحات المواجهة بالمعاني السابقة، كما يصبح مفهوماً الاشارات السورية عن دور ما لبندر بن سلطان ومحمد بن نايف وتيار المستقبل في أحداث سوريا، لتحويلها أيضاً الى إحدى ساحات تصفية الحساب مع دول الممانعة، ولفرض خيارات صعبة عليها، ومفاوضات أصعب.
بالنظر الى ما تقدم، تبدو المنطقة مشدودة بين قوى التغيير الفعلية وتلك الراغبة في ابقاء الأمور على ما هي عليه حتى لو تطلب الأمر توليد حروب وفتن مذهبية وقومية، وهذه المحاولات على خطورتها هي محاولات بائسة، لأنها آخر ما يملكه هؤلاء من أوراق، حتى اذا ما سقطت، فأمور كثيرة ستتبدل، لمصلحة تشكل وحدات جديدة، ترسي معالم شرق أوسط جديد من نتاج أهله.