ارشيف من :أخبار لبنانية
لا للدولة الفلسطينيّة في حدود الـ67 ..
زهير أندراوس(*)
كلّما اقترب شهر أيلول/ سبتمبر، وهو الشهر الذي ستتخذ فيه هيئة الأمم المتحدّة، على ما يبدو، القرار القاضي بالإعلان عن دولة فلسطين في حدود ما قبل عدوان حزيران/ يونيو من العام 1967، تتصاعد وتيرة النقاش داخل الدولة العبريّة، وتشتد حدّة الاجتهادات من كل حدبٍ وصوبٍ. واللافت أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يعيشون حالة من الهستيريا المصطنعة، الجيش الإسرائيليّ يُحذّر من أنّه سيتحول إلى جيش احتلال وفق القوانين والمعاهدات الدوليّة، وكأنّه اليوم هو جيش تحرير، أمّا لصوص الأرض والعرض، المستوطنون، فسيتحولون، هكذا نسمع من معلقيهم وكتبة مقالاتهم التحليليّة، إلى سكان غير شرعيين في الضفة الغربيّة المحتلّة، بحيث يسود لديك الانطباع أنّهم حتى اليوم كانوا يسكنون الضفة الغربيّة بصفتهم مجموعات من السياح الأجانب.
على النقيض، إذا جاز التعبير أوْ بالأحرى، إذا صحّت المقارنة، الأمور مختلفة في السلطة، بفتح السين واللام، الفلسطينيّة، هناك نوع من الـ"أفوريا"، النشوة العارمة. اقتربنا.. يقول لسان حال من يُطلقون على أنفسهم زعماء الشعب الفلسطينيّ، اقتربنا من تحقيق الحلم، حلم تقرير المصير، هذا الحلم الذي بات أقرب من القريب، وأركان سلطة رام الله المحتلة، يضيفون، أنّ دول العالم ستعترف، نعم ستعترف، بالدولة الفلسطينيّة المستقلّة، وعاصمتها القدس الشريف، الحلم أصبح واقعًا، ولكن، للأسف الشديد، نقولها بفم مليء، إنّ الرياح لا تجري كما يعكف هؤلاء المتسلقين على تسويق روايتهم، والسؤال الأول، الذي يتبادر إلى الذهن في هذه العجالة: هل القرار الذي سيصدر عن الأمم المتحدة يُخوّل الولايات المتحدة الأمريكيّة، بإرسال فيالق من الجنود لإخلاء قطعان المستوطنين الكولونياليين؟ الجواب بطبيعة الحال لا، لا بل أكثر من ذلك، فإنّ دولة الاحتلال هي بطلة العالم في عدم تنفيذ القرارات الصادرة عن المجتمع الدوليّ، وفي مقدمته مجلس الأمن الدولي. ستون قرارًا، نعم ستون قرارًا، اتخذت الأمم المتحدة ضدّ إسرائيل، ولكنّ هذه الدولة المارقة والمعربدة، دولة القرصنة، لم تُنفذها، فما الذي سيدفعها الآن لإخراج هذا القرار إلى حيّز التنفيذ، هذا أيضًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوى، وهي لصالح "الدولة العبريّة".
ولكنّ الأسئلة الجوهريّة والمفصليّة هي أبعد من ذلك:
بادئ ذي بدء، هل القيادة الفلسطينيّة التي تُسيطر اليوم على دائرة صنع القرار تُمثل الشعب العربيّ الفلسطينيّ على جميع أطيافه؟ هل السيّد محمود عبّاس (أبو مازن)، الذي انتهت ولايته وفق الدستور الفلسطينيّ في كانون الثاني/ يناير من العام 2009، مُخوّل بالتحدث باسم الفلسطينيين في أضلاع المثلث الثلاثة: الفلسطينيون في الدولة العبريّة، الفلسطينيون في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والفلسطينيون في مخيمات اللجوء والشتات؟ والسؤال الذي يليه يقول: هل السيّد سلام فيّاض، الموظف السابق في البنك الدوليّ، الذي أحضرته أمريكا وفرضته على الشعب الفلسطينيّ، يملك الصلاحيّة الأخلاقيّة أوْ الوطنيّة ليُقرر باسم الشعب الفلسطينيّ؟ الجواب لكل من في رأسه عينان، لا، ولا، ولا.
ثانيًا: من الذي قال إنّ الصراع بين الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة والحركة الصهيونيّة، الممثلة بصنيعتها الدولة العبريّة، بدأ في أعقاب عدوان العام 1967؟ ذلك أنّ قرار الأمم المتحدّة، هذا في حال اتخاذه، لن يتعدى كونه قرارًا رمزيًا في أحسن الأحوال، ولكن الأخطر من ذلك، أنّ القرار سيُعلن على الملأ وللأبد أنّ القضية الفلسطينية تقتصر على نتائج العدوان في العام 67، في ما نحن نؤمن أنّ الصراع بدأ في أعقاب نتائج النكبة التي حلّت بشعبنا العربيّ الفلسطينيّ في العام 1948، وبالتالي إذا أردنا بحقٍ وحقيقةٍ إيجاد الحل الأمثل للقضيّة الفلسطينيّة، علينا أنْ نجد الحل القاضي بعودة اللاجئين الذين تمّ تشريدهم من قبل العصابات الصهيونيّة إلى فلسطينهم، وهذا الحق الأزليّ، لا ذكر له، لا من بعيد ولا من قريب، في القرار الذي سيُطرح للتصويت في الأمم المتحدّة. مضافًا إلى ذلك، نقول ونفصل إنّ القيادة الفلسطينيّة الحاليّة هي غير شرعيّة بالمرّة، وهي تخدم، من حيث تدري أوْ لا تدري، المشروع الأمريكيّ ـ الأوروبيّ ـ الإسرائيليّ القائل إنّ المشكلة الفلسطينيّة بدأت في أعقاب العدوان في العام 1967، ومن هنا تنبع في ما تنبع خطورة هذه القيادة ونهجها الاستسلامي، إذا لم يكن الانبطاحيّ.
ثالثًا: اتخاذ القرار في الأمم المتحدة القاضي بالاعتراف بالدولة الفلسطينيّة في حدود ما قبل الرابع من حزيران / يونيو 1967، من شأنه أنْ يخلق في العالم الوهم القاتل، وأنْ يتحوّل إلى كيدٍ مرتدٍ، ذلك أنّ الدولة الفلسطينيّة لن تقوم بعد القرار، جيش الاحتلال لن ينسحب من المناطق المحتلة، والمستوطنون سيواصلون احتلال الأراضي.
رابعًا: أخطر ما قد يُفرزه هذا القرار، الإعلان والاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، يكمن في أنّه سيُحوّل الصراع العربيّ ـ الصهيونيّ من صراعٍ على الحقوق التاريخيّة إلى صراع على الحدود بين دولة مارقة وبين دولة باستونات منزوعة السيادة ومنقوصة على جميع الأصعدة، وهذا الأمر أولاً وأخيرًا، يلعب لصالح "الدولة العبريّة".
خامسًا: إذا كانت القيادة الفلسطينيّة معنيّة بحقٍ وحقيقةٍ أنْ تثبت للعالم أنّها قيادة حكيمة وأنّها تتمتع بتأييد الشعب الفلسطينيّ على جميع ألوانه، فهي ملزمة بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينيّة، بحيث تكون جميع الفصائل والتيارات ممثلة في المنظمة، بدون تمييز بين الوطني والإسلاميّ، بين الشيوعيّ والقوميّ، لأنّ قضية فلسطين أسمى وأنبل من كل التيارات، مع الاحترام لجميع الاجتهادات، وفي منظمة التحرير الجديدة يجب أنْ يُتخذ القرار: هل الشعب الفلسطينيّ يوافق على إقامة دولة، أو بالأحرى دويلة، في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، أمْ لا؟ هل الشعب الفلسطينيّ يوافق على التوجه إلى الأمم المتحدة وهو متعاضد ومتماسك، وتقديم مشروع قرار يُلزم، نعم يُلزم، الدولة العبريّة بتنفيذ القرار 194، القاضي بإعادة اللاجئين إلى وطنهم؟
(*) المصدر: عرب 48
كلّما اقترب شهر أيلول/ سبتمبر، وهو الشهر الذي ستتخذ فيه هيئة الأمم المتحدّة، على ما يبدو، القرار القاضي بالإعلان عن دولة فلسطين في حدود ما قبل عدوان حزيران/ يونيو من العام 1967، تتصاعد وتيرة النقاش داخل الدولة العبريّة، وتشتد حدّة الاجتهادات من كل حدبٍ وصوبٍ. واللافت أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يعيشون حالة من الهستيريا المصطنعة، الجيش الإسرائيليّ يُحذّر من أنّه سيتحول إلى جيش احتلال وفق القوانين والمعاهدات الدوليّة، وكأنّه اليوم هو جيش تحرير، أمّا لصوص الأرض والعرض، المستوطنون، فسيتحولون، هكذا نسمع من معلقيهم وكتبة مقالاتهم التحليليّة، إلى سكان غير شرعيين في الضفة الغربيّة المحتلّة، بحيث يسود لديك الانطباع أنّهم حتى اليوم كانوا يسكنون الضفة الغربيّة بصفتهم مجموعات من السياح الأجانب.
على النقيض، إذا جاز التعبير أوْ بالأحرى، إذا صحّت المقارنة، الأمور مختلفة في السلطة، بفتح السين واللام، الفلسطينيّة، هناك نوع من الـ"أفوريا"، النشوة العارمة. اقتربنا.. يقول لسان حال من يُطلقون على أنفسهم زعماء الشعب الفلسطينيّ، اقتربنا من تحقيق الحلم، حلم تقرير المصير، هذا الحلم الذي بات أقرب من القريب، وأركان سلطة رام الله المحتلة، يضيفون، أنّ دول العالم ستعترف، نعم ستعترف، بالدولة الفلسطينيّة المستقلّة، وعاصمتها القدس الشريف، الحلم أصبح واقعًا، ولكن، للأسف الشديد، نقولها بفم مليء، إنّ الرياح لا تجري كما يعكف هؤلاء المتسلقين على تسويق روايتهم، والسؤال الأول، الذي يتبادر إلى الذهن في هذه العجالة: هل القرار الذي سيصدر عن الأمم المتحدة يُخوّل الولايات المتحدة الأمريكيّة، بإرسال فيالق من الجنود لإخلاء قطعان المستوطنين الكولونياليين؟ الجواب بطبيعة الحال لا، لا بل أكثر من ذلك، فإنّ دولة الاحتلال هي بطلة العالم في عدم تنفيذ القرارات الصادرة عن المجتمع الدوليّ، وفي مقدمته مجلس الأمن الدولي. ستون قرارًا، نعم ستون قرارًا، اتخذت الأمم المتحدة ضدّ إسرائيل، ولكنّ هذه الدولة المارقة والمعربدة، دولة القرصنة، لم تُنفذها، فما الذي سيدفعها الآن لإخراج هذا القرار إلى حيّز التنفيذ، هذا أيضًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوى، وهي لصالح "الدولة العبريّة".
ولكنّ الأسئلة الجوهريّة والمفصليّة هي أبعد من ذلك:
بادئ ذي بدء، هل القيادة الفلسطينيّة التي تُسيطر اليوم على دائرة صنع القرار تُمثل الشعب العربيّ الفلسطينيّ على جميع أطيافه؟ هل السيّد محمود عبّاس (أبو مازن)، الذي انتهت ولايته وفق الدستور الفلسطينيّ في كانون الثاني/ يناير من العام 2009، مُخوّل بالتحدث باسم الفلسطينيين في أضلاع المثلث الثلاثة: الفلسطينيون في الدولة العبريّة، الفلسطينيون في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والفلسطينيون في مخيمات اللجوء والشتات؟ والسؤال الذي يليه يقول: هل السيّد سلام فيّاض، الموظف السابق في البنك الدوليّ، الذي أحضرته أمريكا وفرضته على الشعب الفلسطينيّ، يملك الصلاحيّة الأخلاقيّة أوْ الوطنيّة ليُقرر باسم الشعب الفلسطينيّ؟ الجواب لكل من في رأسه عينان، لا، ولا، ولا.
ثانيًا: من الذي قال إنّ الصراع بين الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة والحركة الصهيونيّة، الممثلة بصنيعتها الدولة العبريّة، بدأ في أعقاب عدوان العام 1967؟ ذلك أنّ قرار الأمم المتحدّة، هذا في حال اتخاذه، لن يتعدى كونه قرارًا رمزيًا في أحسن الأحوال، ولكن الأخطر من ذلك، أنّ القرار سيُعلن على الملأ وللأبد أنّ القضية الفلسطينية تقتصر على نتائج العدوان في العام 67، في ما نحن نؤمن أنّ الصراع بدأ في أعقاب نتائج النكبة التي حلّت بشعبنا العربيّ الفلسطينيّ في العام 1948، وبالتالي إذا أردنا بحقٍ وحقيقةٍ إيجاد الحل الأمثل للقضيّة الفلسطينيّة، علينا أنْ نجد الحل القاضي بعودة اللاجئين الذين تمّ تشريدهم من قبل العصابات الصهيونيّة إلى فلسطينهم، وهذا الحق الأزليّ، لا ذكر له، لا من بعيد ولا من قريب، في القرار الذي سيُطرح للتصويت في الأمم المتحدّة. مضافًا إلى ذلك، نقول ونفصل إنّ القيادة الفلسطينيّة الحاليّة هي غير شرعيّة بالمرّة، وهي تخدم، من حيث تدري أوْ لا تدري، المشروع الأمريكيّ ـ الأوروبيّ ـ الإسرائيليّ القائل إنّ المشكلة الفلسطينيّة بدأت في أعقاب العدوان في العام 1967، ومن هنا تنبع في ما تنبع خطورة هذه القيادة ونهجها الاستسلامي، إذا لم يكن الانبطاحيّ.
ثالثًا: اتخاذ القرار في الأمم المتحدة القاضي بالاعتراف بالدولة الفلسطينيّة في حدود ما قبل الرابع من حزيران / يونيو 1967، من شأنه أنْ يخلق في العالم الوهم القاتل، وأنْ يتحوّل إلى كيدٍ مرتدٍ، ذلك أنّ الدولة الفلسطينيّة لن تقوم بعد القرار، جيش الاحتلال لن ينسحب من المناطق المحتلة، والمستوطنون سيواصلون احتلال الأراضي.
رابعًا: أخطر ما قد يُفرزه هذا القرار، الإعلان والاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، يكمن في أنّه سيُحوّل الصراع العربيّ ـ الصهيونيّ من صراعٍ على الحقوق التاريخيّة إلى صراع على الحدود بين دولة مارقة وبين دولة باستونات منزوعة السيادة ومنقوصة على جميع الأصعدة، وهذا الأمر أولاً وأخيرًا، يلعب لصالح "الدولة العبريّة".
خامسًا: إذا كانت القيادة الفلسطينيّة معنيّة بحقٍ وحقيقةٍ أنْ تثبت للعالم أنّها قيادة حكيمة وأنّها تتمتع بتأييد الشعب الفلسطينيّ على جميع ألوانه، فهي ملزمة بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينيّة، بحيث تكون جميع الفصائل والتيارات ممثلة في المنظمة، بدون تمييز بين الوطني والإسلاميّ، بين الشيوعيّ والقوميّ، لأنّ قضية فلسطين أسمى وأنبل من كل التيارات، مع الاحترام لجميع الاجتهادات، وفي منظمة التحرير الجديدة يجب أنْ يُتخذ القرار: هل الشعب الفلسطينيّ يوافق على إقامة دولة، أو بالأحرى دويلة، في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، أمْ لا؟ هل الشعب الفلسطينيّ يوافق على التوجه إلى الأمم المتحدة وهو متعاضد ومتماسك، وتقديم مشروع قرار يُلزم، نعم يُلزم، الدولة العبريّة بتنفيذ القرار 194، القاضي بإعادة اللاجئين إلى وطنهم؟
(*) المصدر: عرب 48