ارشيف من :آراء وتحليلات

البحرين: لغة القمع الوحشي ...واستدراج ردود الفعل

البحرين: لغة القمع الوحشي ...واستدراج  ردود الفعل
عبد الرحمن الرشيد

ثمة سؤالان مترابطان يتعلقان باحتمالات الوضع في البحرين: الأول هو الى اي مدى يمكن ان تذهب السلطات السياسية والعسكرية في المملكة في استباحتها لأرواح وحريات المواطنين؟ والثاني هو كيف تتخيل المملكة السعودية عواقب تدخلها الوحشي ضد الغالبية الشعبية من البحرينيين؟ طبعا وفوق السؤالين سؤال متصل عن الرعاية الأميركية لهذين السلوكين القمعيين والتبعات المترتبة عليهما بالنسبة للولايات المتحدة؟

يمكن القول ان السلطة الحاكمة في البحرين استفاقت متأخرة على نظرية باتت مستهلكة في التعاطي مع احتجاجات المعارضين، وهي اللجوء الى القمع الدموي وإسقاط جميع المحرمات، كما هو ديدن الانظمة الديكتاتورية، لوضع حد لما تراه خطراً على سلطانها المطلق. باختصار العالم العربي اليوم يشهد ثورات شعبية غير مسبوقة على الاستبداد المستمر في بعض الدول منذ نيل استقلالها ممّا أسمي بدول الانتداب الأوروبي على الجمهوريات والإمارات والممالك الناشئة بعد الحربين الكونيتين الاولى والثانية.

ما جرى في تونس ومصر وما يجري في ليبيا واليمن والبحرين، وما يمكن ان يجري في دول اخرى، هو عبارة عن انتفاضة يفترض ان لا تتوقف حتى تحقق مطالبها في حياة سياسية ينال فيها المواطنون حرياتهم وحقوقهم كاملة، ويعيشون في نُظم قانونية يحكمها عقد اجتماعي يتساوى فيه الحاكم والمحكوم، ويستمد فيه الحاكم فعلياً شرعيته من الشعب، ويكون الشعب قادراً على محاسبته في أي لحظة. وعليه فان العودة الى البدايات من قبل النظام البحريني في التعامل الوحشي مع المعارضين لا تؤدي الا الى مراكمة أسباب عزله محلياً وخارجياً، وفقدانه أي شرعية يتمترس وراءها، لأن احداً لن يستطيع ـ ولو تأخر في ابداء رأيه ـ ان يعترض على حق الغالبية من الشعب البحريني في نظام سياسي خاضع للمساءلة والمحاسبة، وهي لغة طالما اعتبرت من مؤشرات الديمقراطية التي خاضت باسمها واشنطن حروبها الأخيرة في الشرق الأوسط.

اذاً الفتك بالمدنيين واقتحام منازلهم واعتقال رجالهم ونسائهم وهدم دُور العبادة ومهاجمة مواكب العزاء وأماكن إقامته، وكل ما تتناقله وسائل الاعلام ـ وما تخفيه ايضا ـ من ارتكابات، لن تؤدي كلها الى توفير حماية نهائية لنظام آل خليفة، بل ستؤدي الى تقريب أجل هذا النظام، الذي ربما سها عن أنه ليس مطلق اليدين في ما يفعله، وأن لبطشه حدوداً لا بد وأن يتوقف عندها، وأن كون العالم اليوم أشبه بقرية كونية تتشابك فيها مصالح اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين كافٍ بذاته لكي ينتبه الى عواقب الامور.

وهذا ما ينطبق حكماً على الفريق السعودي الذي يعيش مأزقاً وجودياً ترجمه بمحاولة القفز الى الامام عبر ارسال قواته الى البحرين بدعوى حماية النظام هناك قبل ان يتحول الى مشارك رئيس في اعمال القمع ضد البحرانيين. فلهذا التدخل السعودي السافر حدود يعرفها من يعنيهم الامر في المملكة، تماما كما يعرفون ان تدخلهم هذا لا يعوضهم الخسائر التي مُنُوا بها تباعاً في افغانستان والعراق ولبنان، فضلا عن فلسطين، واخيرا وليس آخرا نظامهم الحليف في مصر برئاسة حسني مبارك الموجود اليوم وعائلته خلف قضبان السجن. كما انه لن يؤدي الى وقف حركات الاحتجاج التي يمكن ان تنطلق في بعض المناطق السعودية باعتبار ان ما يفعلونه مع المعارضين في البحرين هو رسالة واضحة الى الداخل السعودي بأنهم سيفعلونه مع المحتجين في حال تحركوا. رسالة العنف هذه قد ترتد بنتائج سلبية، لأن القوة اكثر من محدودة وأضعف من ان تتصرف على هواها وكأن لا أحد يسمع أو لا أحد يرى.

واذا كان هناك فريق سعودي استنتج متأخرا ان الولايات المتحدة لن توفر له بعد اليوم الحماية التي ينشدها، رغم كل الوجود العسكري الاميركي في الجزيرة العربية وفي الجوار، وان هناك ازمة صامتة بين المملكة والولايات المتحدة التي لم تفعل شيئا لحلفائها الاستراتيجيين عندما ثارت شعوبهم عليهم، كما حصل مع نظام مبارك وايضا نظام بن علي، فان الهروب السعودي الى استخدام القوة لا يوفر حصانة ولا حماية مطلقة للنظام من الانهيار في لحظة غضب شعبي يمكن ان تفور في أي وقت، حتى ولو أجج ما أجج من نار السعار الطائفي، فالمشاكل أعقد من أن يتم اختصارها بعودة الى التاريخ لنبش خلافات مذهبية لم يعد توظيفها السياسي القذر ينطلي على احد.

كيف سيسعف هذا السلوك الولايات المتحدة في الدفاع عن نظامين حليفين لها في البحرين والسعودية؟ اذا كانت مطالب الشعب التونسي ثم الشعب المصري ثم الشعب الليبي واليمني محقة وتعبر عن توق الى الحرية.ألا ينطبق هذا على الشعب البحريني الذي لم ينشر ولو خبراً يقول ان المعارضين فيه حملوا سكينا او عصا في احتجاجاتهم المفرطة في سلميتها؟

الادارة الاميركية تعرف ذلك ومنظمات حقوق الانسان الاقليمية والعالمية، بما فيها الاميركية، تعرف ذلك، وسلمية التحرك الشعبي المعارض في البحرين لا لبس فيها. في المقابل فان التقارير السنوية لوزارة الخارجية الاميركية عن حقوق الانسان في العالم تضع على الدوام النظامين السعودي والبحريني في خانة الدول الاكثر انتهاكا لهذه الحقوق، وهذا امر ينشر دورياً، فهل يتطلب الحفاظ على القاعدة العسكرية الاميركية في البحرين بصفتها حارسة لإمدادات النفط الخليجي الى العالم غضاً للطرْف عن الممارسات القمعية للقوات البحرينية والقوات السعودية ومعهما القوات الاماراتية ضد المعارضين البحرينيين؟

ربما تفكر واشنطن بهذه الطريقة، وهي اساسا ترمي الاخلاق وحقوق الانسان وراء ظهرها متى اصبحت مصالحها الحيوية في خطر. وهذا قد يفسر الموقف الاميركي الخجول ازاء ما يجري في البحرين. لكن ألا يمكن لهذا السلوك الاميركي ان يعرّض هذه المصالح للخطر؟ بالتأكيد ممكن برأي جميع الخبراء المعنيين بالشرق الاوسط الذين يضعون على طاولات ابحاثهم خرائط لمناطق توزّع المصالح الاميركية، ويضعون علامات حمراء على تلك التي يمكن ان تتعرض للاستهداف في حال بقيت الادارة الاميركية على صمتها ازاء سلوك النظامين البحريني والسعودي؟ على سبيل المثال أليس العراق وافغانستان ساحتين مفتوحتين على كل الاحتمالات؟ ألم تخرج اصوات شعبية وحزبية ورسمية في العراق تدين بشدة القمع الوحشي في البحرين؟ لا بل ان الامور وصلت حد تشكيل مجموعة في العراق اطلق عليها اسم "اللجنة الشعبية لإسناد شعب البحرين" نشرت في الصحف العراقية استمارات دعت فيها الشباب العراقي للتطوع لنصرة الشعب البحريني، وان آلافا من الشبان العراقيين ملأوا الاستمارات وآخرون أبدوا رغبتهم في القتال هناك ضد ما أسموه "النازية الوهابية وظهيرها الأجهزة الأمنية البحرينية".

ردود فعل كهذه الى اين يمكن ان تقود؟ هذه عيّنة عما يجري خارج البحرين، اما داخلها فثمة وسائل اعلامية تابعت الامور عن قرب وتنقل عن مصادر خليجية خشيتها من تحوّل لدى البحرينيين قد يصل حد الدعوة الى استخدام القوة لمواجهة الحملة العسكرية والأمنية ضد المعارضين في حال استمرت عمليات القتل والتعذيب. وهذا ايضا لا يجعل السعودية في منأى عما يمكن ان يحصل على قاعدة ان هذا الفعل قد يولد رد فعل مماثلاً، ما دام ان النتيجة واحدة وهي القتل.

ليس هناك تقديرُ وضعٍ دقيقٌ لما يمكن ان تنتهي اليه الامور في البحرين وجوارها نظراً لتعدد اللاعبين، ونظرا لتوزع خارطة مصالحهم في اكثر من مكان، ونظرا لمنسوب القمع المرتفع الذي لا يمكن ان يمر مرور الكرام في عالم اليوم المتشابك. وما دام هناك في السعودية من بات مقتنعا بأن واشنطن فقدت قدرتها على توفير الحماية، فان المصالحة مع الشعب واللجوء الى الحوار وتحسين العلاقات البينية مع كل مكوّنات منطقة الخليج كفيل بإنتاج صيغة جديدة يكون فيها الخاسر الوحيد هو المصالح الاميركية، ويكون جميع المسلمين بمختلف مكوّناتهم المذهبية والقومية هم الرابحين، وهذا ممكن ومتوافر، وليس مجرد تمنٍّ.
2011-04-18