ارشيف من :أخبار لبنانية
القوانين العنصرية في الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي
إعداد: يرهوم جرايسي
- حكومة نتنياهو ورغم فقدانها 8 مقاعد ائتلاف تبدو أكثر تماسكا.
- الدورة الشتوية تقر ستة قوانين عنصرية بالقراءة النهائية.
- الدورة الصيفية المقبلة قد تكون في أجواء صدور قرار مبدئي بتقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان.
اختتم الكنيست الإسرائيلي في نهاية شهر آذار الماضي دورته الشتوية. وكان العنوانان الأبرز لهذه الدورة أن حكومة بنيامين نتنياهو خرجت أقوى ومتماسكة أكثر مما كانت عليه لدى بدء الدورة الشتوية، على الرغم من فقدانها بعض مقاعد الائتلاف بفعل الانشقاق في حزب "العمل"، وهذا التماسك له ثمن بالعنوان الآخر لهذه الدورة، وهو تسجيل ذروة جديدة للقوانين العنصرية، التي أقرت بشكل نهائي في الأشهر القليلة الماضية.
كان الحدث الأبرز على المستوى الحزبي في الائتلاف الحاكم هو الانشقاق الذي حصل في منتصف الشهر الأول من العام الجاري في حزب "العمل"، الانشقاق الذي قاده رئيس الحزب في حينه إيهود باراك، من خلال إعلان خمسة نواب، هو أحدهم، الانشقاق عن الكتلة التي كانت تضم 13 مقعدا، وبذلك فإن الائتلاف الحاكم خسر على الورق تأييد ثمانية نواب، ولكن على أرض الواقع، فإنه فقد التزام ثلاثة نواب، إذ أن النواب الخمسة الآخرين كانوا متمردين على الائتلاف في كثير من الأحيان.
وفي المقابل، فإن التزام الائتلاف الباقي من 66 نائبا بتسريع القوانين العنصرية، بالذات بعد الانشقاق في حزب "العمل"، كسب تأييدا صامتا، وليس معلنا من كتلة "هئيحود هليئومي" (الاتحاد الوطني) اليمينية المتطرفة، التي لها أربعة نواب، فعلى الرغم من أن هذه الكتلة تواصل تقديم اقتراحات حجب الثقة عن الحكومة، وتهاجم الحكومة بزعم أنها لا تكثف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، إلا أن الكتلة تختفي في غالب الأحيان من التصويت على قرارات ضد الحكومة، وأمام هذا المشهد، وفي أكثر من مرّة ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن نتنياهو يجري مشاورات لضم هذه الكتلة المتطرفة للحكومة، وهي الخطوة التي امتنع عنها سابقا، كي لا تظهر حكومته وكأنها تمثل فقط المعسكر اليميني المتشدد.
أما على مستوى المعارضة، التي تعززت بثمانية نواب من كتلة حزب "العمل"، فقد تلاشت في الأشهر الماضية مظاهر الخلاف في داخل حزب "كاديما" أكبر أحزاب المعارضة، خلافا للدورتين البرلمانيتين السابقتين، وكما يبدو فإن هذا هدوء ما قبل العاصفة، أي عاصفة الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، التي من المفترض أن تجري خلال العام المقبل، ولكن من ناحية أخرى فقد شهدنا خلال العامين الماضيين تناغما بين نواب في "كاديما" وبين نواب الائتلاف في قضية القوانين العنصرية، إذ أن نواب كاديما كانوا مشاركين بشكل فعال ومبادرين لقوانين عنصرية، رغم تصريحات صادرة عن زعيمة كاديما تسيبي ليفني بضرورة لجم هذه القوانين.
ومن أهم الأحداث التي شهدناها في الدورة المنتهية، هو إقرار ميزانيتين لعامين إضافيين، للمرة الثانية على التوالي، مما يعني إفراغ جدول أعمال الكنيست من أهم بند سنوي لمحاسبة وتقويم عمل الحكومة، وتجنب الضغط الأكبر على الحكومة، ما يعزز أكثر بقاءها على الساحة، بل حتى إمكان بقائها إلى حين انتهاء الدورة البرلمانية في خريف العام 2013، ليكون هذا أول مرة منذ الدورة الـ 12 التي انتهت في العام 1988.
ذروة في سن القوانين العنصرية
سجل الكنيست في ولايته الحالية ذروة في سن القوانين العنصرية، إذ بلغ عدد القوانين التي أقرت بشكل نهائي في الأشهر الـ 24 الماضية ثمانية قوانين، من بينها ستة قوانين جرى إقرارها في الدورة الشتوية التي امتدت على مدى ستة أشهر، إضافة إلى قانونين انتهى إقرارهما في القراءة الأولى وقبل القراءتين الثانية والثالثة، وأحدهما جرى إقراره في الدورة الشتوية، علما أن من بين القوانين التي أقرت نهائيا في الدورة الشتوية قوانين كانت قد أقرت بالقراءة الأولى أيضا في الدورة ذاتها.
وقد واصل الكنيست تمديد العمل بقوانين الطوارئ لقانون المواطنة، لمنع لم شمل العائلات الفلسطينية، وهو قانون بدأ العمل به في العام 2002، وتمدد الحكومة سريانه مرّة كل ستة أشهر، وبشكل دوري، رغم قرارات صادرة عن المحكمة العليا ترفض القانون عمليا، وهو ينص على وقف إجراءات لم الشمل لكل زوج أو زوجة من الضفة الغربية أو قطاع غزة، وأضيف له في السنوات القليلة الماضية الدول العربية، والقانون يطال آلاف العائلات، ولكن بشكل خاص يهدد آلاف العائلات في مدينة القدس، بفعل قانون الضم الإحتلالي الذي "منح" أهالي القدس بطاقات إقامة.
وفي الأشهر الـ 24 الأخيرة شهدنا إقرار ثمانية قوانين بالقراءة النهائية، وهي:
(*) قانون الأراضي ويسمح ببيع أراض مصادرة لم تستغل للصالح العام، وهو قانون جرى إقراره في شهر تموز من العام 2009، ويجيز للحكومة عرض الأراضي التي بحوزتها وبحوزة "دائرة أراضي إسرائيل" للبيع، ومنها ما تمت مصادرته من العرب في سنوات سابقة "للصالح العام"، ولم يتم استغلاله.
(*) قانون مزارع الأفراد، لتوزيع الأراضي المصادرة في النقب على اليهود، وهو قانون جرى إقراره في شهر أيار من العام الماضي 2010، وهو من أخطر القوانين العنصرية، واقتصاره على اليهود يأتي من خلال وضع القسم الأكبر من هذه الأراضي تحت تصرف "الكيرن كييمت"، وهو صندوق تابع للوكالة اليهودية، وبموجب نظامه المحمي بقانون إسرائيلي فإنه يؤجر ويبيع لليهود فقط، والحديث يجري عن مئات آلاف الدونمات المصادرة من العرب في صحراء النقب.
(*) وكان أول القوانين الستة التي جرى إقرارها في الدورة الشتوية المنتهية، قانون الاستفتاء الشعبي وهو قانون يلزم الحكومة بأن تحصل على أغلبية عددية من 80 عضو كنيست على الأقل من أصل 120 نائبا، في حال شمل أي اتفاق سلام في المستقبل "انسحاب" إسرائيل من "أراض سيادية"، وهذا يسري عمليا على مدينة القدس المحتلة بمنطقة نفوذها الموسعة، بحوالي 3 أضعاف ما كانت عليه في العام 1967، وهضبة الجولان السورية المحتلة، وأيضا على أراض قد يجري تبادلها مع الضفة الغربية وغزة.
وبالإضافة إليه هناك قانون يسمح للمحاكم تمديد اعتقال أسير فلسطيني من دون حضوره للمحكمة لمدة ستة أيام.
وقانون حجب التعويضات عن عضو كنيست، وهو قانون جرى إقراره بالقراءة الأولى والقراءة النهائية في الدورة الشتوية ذاتها، وجرى تفصيله لحالة عضو الكنيست السابق عزمي بشارة، ولكن خطورته أكثر تكمن في أنه وضع أساسا "قانونيا"، ليتم تعديله وتوسيعه مستقبلا ليتم توجيهه ضد مواطنين وفي حالات عديدة، والمستهدف منه هو العرب.
وقانون النكبة، وهذا القانون يحظر على كل مؤسسة تحصل على ميزانيات من الخزينة العامة الحكومية، أن تمول نشاطات لإحياء ذكرى النكبة في اليوم الذي تحيي فيه إسرائيل ذكرى قيامها، وكان القانون في صيغته الأولى يحظر إطلاقا إحياء النكبة ويفرض عقوبات على الأفراد، وجرى التراجع عن الصيغة على ضوء الضغوط، ولكن هذا القانون يشكل قاعدة لتوسيعه مستقبليا وإعادته إلى صيغته الأولى.
وقانون "لجان القبول"، وهو قانون يجيز لكل بلدة يهودية يعد سكانها بالمئات أو أكثر بقليل إقامة "لجان قبول"، لكل شخص أو عائلة تطلب السكن في هذه البلدة، و"يحق" للجان القبول رفض أي فرد أو عائلة لا ينسجم مع "الثقافة"، و"الحضارة" و"الأيديولوجيا" السائدة في البلدة، بمعنى رفض إسكان العرب.
وقانون لسحب المواطنة ممن أدينوا بالمشاركة في عمليات أو تجسس، وهذا القانون يتناقض مع القانون الدولي الذي يمنع سحب مواطنة أي مواطن لا مواطنة أخرى له، وهذا واحد من القوانين الذي أعدها حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وتندرج ضم قوانين: "لا مواطنة من دون ولاء".
أما القوانين التي ما زالت في مرحلة القراءة الأولى ويتم إعدادها للقراءتين الثانية والثالثة فهي: قانون فرض عقوبات على دعاة مقاطعة البضائع والمؤسسات الإسرائيلية والاستيطانية، وهذا القانون من المتوقع إنجازه كليا في الدورة الصيفية المقبلة، وصيغته ليس نهائية بعد، ولكن ما هو واضح حتى الآن أنه يفرض عقوبات وغرامات مالية باهظة على كل فرد أو جهة في إسرائيل تدعو لمقاطعة كهذه، ومنح الجهة "المتضررة" الحق في طلب تعويضات من الجهة أو الفرد الداعي للمقاطعة. وقانون تمويل هدم البيت، وهذا القانون يلزم كل من صدر ضده أمر هدم بيته وتم تدميره بأن يموّل جريمة التدمير، وحتى الآن ليس واضحا ما إذا كانت فاتورة التدمير تقتصر على الهدم ذاته، أم تشمل أيضا تكلفة الشرطة والحراسة لجريمة الهدم، وهو قانون موجه أساسا ضد العرب الذين يضطرون للبناء من دون ترخيص بسبب تضييق الخناق عليهم وحرمانهم من مناطق بناء وتسريع خرائط هيكلية.
كذلك هناك قانون ثالث ما زال في مرحلة القراءة التمهيدية، وهو قانون يفرض عقوبة السجن لمدة عام على كل من يدعو إلى عدم الاعتراف بإسرائيل كدولة "يهودية وديمقراطية"، وهناك قانون رابع يمنح أفضلية عمل في سلك خدمات الدولة لمن خدم في الجيش والخدمة القومية.
إلى ذلك، فقد اتخذ الكنيست ثلاثة قرارات عنصرية وهي: قرار سحب امتيازات ثانوية للنائبة حنين زعبي، في إثر مشاركتها في أسطول الحرية، وبالأساس سحب جواز سفرها الدبلوماسي؛ قرار تشكيل لجنة التحقيق ضد الجمعيات الحقوقية، لم يتم الاستمرار في إقراره، وكان يهدف لمعرفة مصادر تمويل هذه الجمعيات؛ قرار تشكيل لجنة تحقيق ضد بيع الأراضي للعرب، ولم يتم الاستمرار في إقراره هو أيضا.
المؤشرات: مزيد من العنصرية
كل المؤشرات البرلمانية والحزبية والأجواء العنصرية المتنامية أكثر تشير إلى أنه لا يوجد في الكنيست حاليا ما يمنع مواصلة تشريع القوانين العنصرية، وطرح قوانين أشد شراسة، فإذا كانت هذه القوانين تُحسب أساسا على حزب "إسرائيل بيتنا" كعربون بقائه في الائتلاف الحاكم، فإن هذا استنتاج لا يعكس الصورة على حقيقتها، وذلك لأن المبادرات والتأييد لهذه القوانين تجرف الغالبية الساحقة من الكتل البرلمانية، من الائتلاف والمعارضة، وهناك نوعان من تأييد هذه القوانين، إما بالدعم والتصويت المباشر تأييدا، أو الهرب من جلسة التصويت، كما يجيد ذلك الغالبية الساحقة من نواب حزب كاديما المعارض.
وبحسب كافة الدلائل، فإنه في منتصف شهر أيار المقبل، ستفتتح دورة صيفية باهتة إلى حد كبير، بموجب الظروف القائمة، وقد يكون الأمر الأبرز فيها إعلان متوقع للمستشار القانوني للحكومة بموافقته الجزئية على توصية الشرطة التي صدرت في شهر آب العام 2009، بتقديم لائحة اتهام في قضايا فساد ضد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، وحسب تقديرات إعلامية فإن اللائحة ستكون مخففة بعض الشيء.
وأيضا حسب التوقعات، فإن قرار المستشار القانوني قد يسبق افتتاح الدورة الصيفية، ورغم ذلك فإن القرار سيخيم على أجواء الدورة، وإن كان الحديث يدور على قرار مبدئي يحتاج لجلسات إسماع واستماع، وهو إجراء يقتصر على منتخبي الجمهور وكبار المسؤولين، ويستغرق فترة طويلة إلى حين صدور القرار النهائي، ولكن رد فعل ليبرمان على القرار سيعكس ملامح المرحلة المقبلة في ما يتعلق بمستقبله السياسي ومستقبل تعامله مع الحكومة الحالية.
(*) المصدر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية