ارشيف من :آراء وتحليلات
اضطراب المواقف حول ليبيا... وفرنسا أكبر الخاسرين!
عقيل الشيخ حسين
من جهة تصر فرنسا، ومعها بريطانيا، على ضرورة تنحية القذافي، وتلجأ إلى التصعيد عبر الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، واستقبال ممثليه من قبل الرئيس ساركوزي الذي وعد بتشديد الضربات الجوية، قبل أن يحذو حذو حليفه البريطاني كاميرون في إرسال بضعة ضباط إلى ليبيا لدعم الثوار...
ومن جهة أخرى، يظهر ساركوزي مع أوباما وكاميرون، في ندوة نشرت وقائعها في كبريات الصحف العالمية، للتأكيد بأنهم لا يسعون إلى تنحية القذافي بالقوة. هذا في وقت كانت قواتهم الجوية والبحرية تقوم، قبل انسحاب الولايات المتحدة من الحرب، بقصف مواقع منها ما هو تابع للقذافي، ومنها ـ عن طريق الخطأ ـ ما هو تابع للثوار، ومنها ما هو مدني.
وربما، لأن التنحية لا يجب أن تتم بالقوة، يعارض الحلفاء في الحرب الليبية، بمنتهى القوة فكرة تسليح الثوار الليبيين. ومع تخلي الأميركيين عملياً عن فكرة التنحية، يبدو، وفقاً لأكثر من مراقب، أن إرهاصات فشل المشروع البريطاني ـ الفرنسي، تدفع كلاً من باريس ولندن إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر الانضمام، في اجتماع الدوحة للجنة الاتصال حول ليبيا، ثم في اجتماع القاهرة المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، إلى الجمهرة الدولية الإقليمية الداعية إلى تسوية سياسية للمشكلة الليبية.
تسوية لا يدري أحد ما إذا كانت ممكنة أم غير ممكنة في ظل المعطيات الراهنة، أو يوم دعت إليها جهات مثل الرئيس الفنزويلي وعدد من زعماء أميركا اللاتينية، وصولاً إلى المبادرتين الإفريقية والتركية، وسط تأييد للحل السياسي من قبل دول وازنة كروسيا والصين والهند، لكن عدم التشنج في رفضها من قبل الحلفاء، كان من شأنه أن يعفيهم من الورطة التي قاد إليها، بشكل أساسي، تسرع ساركوزي إلى رفع راية التدخل العسكري.
فالوقائع تبعث على الاعتقاد بأن ساركوزي الذي تسرعت إدارته، باتخاذ موقف معاد من الثورة التونسية، انسجاماً منها مع طبيعتها المعادية لطموحات الشعوب في التحرر، قد وقع، عندما سارع إلى تأييد الثورة الليبية، في الخطأ الذي وقع فيه الشيطان عندما فرض نفسه شريكاً للمزارع.
فإذا كان من الممكن لفرنسا أن تخرج من الخطأ الأول بأقل الخسائر الممكنة، فإن الخطأ الثاني ينذر بأفدح الخسائر. إذ بعد الانسحاب الأميركي من الحرب، وفي ظل تذمر المجلس الوطني الانتقالي الليبي إزاء مراوغات الأطلسي، تجد فرنسا نفسها على عتبة القفز في المجهول.
فلا شيء يضمن أن الحليف البريطاني، وإن كان هو أول المبادرين إلى رفع مستوى التدخل عبر إرسال ضباط إلى ليبيا، مستعد للمضي إلى النهاية في التكاتف مع فرنسا. كما أن العدد القليل من بلدان الأطلسي المشاركة في التدخل يظهر الكثير من الفتور المفتوح على احتذاء الموقف الأميركي.
وعلى الرغم من التشديد على أن الضباط الذين أرسلتهم كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا إلى ليبيا لن يشاركوا في المعارك، لا بل إنهم لن يقوموا حتى بتدريب الثوار، يظل الغموض سيد الساحة فيما يتعلق بالمهمة الحقيقية لهؤلاء الضباط، أو على الأصح بمضمون الرسالة التي يشكلها إرسالهم إلى ليبيا.
فمن غير المستبعد، في الوقت الذي ينتقل فيه ناطقون باسم المجلس الانتقالي من المطالبة بتكثيف الضربات الجوية إلى الإعراب عن الرغبة في قيام الحلفاء بتدخل عسكري بري، أن يكون إرسال الضباط/ المستشارين/ اللوجستيين، عملية جس نبض متعددة الاتجاهات، وتمهيداً لذلك التدخل.
وعلى فرض أن بريطانيا التي كانت في جملة المنسحبين من حرب العراق، بعد أن أجبرتها خسائرها الفادحة على التخلي عن الحليف الأميركي، ستشارك مع بضعة بلدان أطلسية أخرى ممن اكتوت بحربي العراق وأفغانستان، في تدخل يبدو أن فرنسا ساركوزي هي أشد المتحمسين للقيام به، فإن الحرب الليبية ستكون مرشحة ليس فقط لإسقاط أكثر من نظام ساركوزي، بل أيضاً لتعريض فرنسا وأوروبا عموماً لتجربة أشد قسوة من تجربة الولايات المتحدة في افغانستان والعراق.
قد يكون نجاح التدخل العسكري الفرنسي في إسقاط نظام غباغبو في ساحل العاج حافزاً لدخول ساركوزي في مغامرة مماثلة في ليبيا. لكن هذه المغامرة ستكون، حتى لو حالفها نجاح شبيه بالنجاح الذي حققته في ساحل العاج، هزيمة أكثر مرارة من الهزيمة التي ألحقتها بنفسها لمصلحة الولايات المتحدة عندما ضربت حليفها غباغبو بعد أن تبادلت معه الخدمات طيلة عقود من الزمن في بلد كان بين أواخر مناطق النفوذ الفرنسي في إفريقيا.
على أن الولايات المتحدة ليست هي الجهة التي ستستفيد بالضرورة من التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا، ناجحاً كان أو فاشلاً، في وقت يبدو فيه أن فرنسا ستكون أكبر الخاسرين في ليبيا وفي سائر إفريقيا.
وسيكون على الشعب الفرنسي أن يدفع ثمناً باهظاً، على ما قاله أحد المحللين الفرنسيين، لأن ساركوزي تخيل خلال بضع ساعات بأنه قد أصبح سيد العالم عندما زج العالم في الورطة الليبية.